الطريق الى الهدف الأسمى
ليلى غليون
وهكذا بدأت حكاية ما يسمى بقضية المرأة بفكرة تجول في عقلية جنود ابليس لتصبح حقيقة لها وقعها وصداها وتأثيرها وبصماتها على الساحة الاجتماعية والثقافية والسياسية في مجتمعاتنا الاسلامية، ليتجند لها الكثير من النخب والأحزاب السياسية لخدمتها وامدادها بالوقود والدعم اللازم لتظل في حيويتها ونشاطها وليستمر تأثيرها المطلوب والذي خطط له بمنهجية عالية ونفس طويل. فالقضية ليست اذن مجرد سقوط الحجاب، لأن الحجاب قد سقط فلماذا لا تزال الاصوات تتعالى وتهتف باسم قضية المرأة، والقضية ليست مجرد أزياء غربية استبدلتها المرأة المسلمة بزيها الشرعي، اذ لو كان الأمر كذلك لسكت القوم لانهم حققوا هذا الهدف والقضية ايضاً ليست مجرد خروج المرأة للتعليم أو العمل، ولا هي بتحقيق الاختلاط بين الجنسين فقط لأن كل هذه المظاهر أو الظواهر أصبحت من الأمور المألوفة في المجتمع المسلم إن لم تكن من ثقافة المجتمع المسلم… ولكن القضية أكبر من ذلك فكل هذه الثمار التي جناها المخططون من أعوان ابليس ما هي الا أدوات ووسائل مهدت أمامهم الطريق الى الهدف الأسمى وهو تحقيق التغريب الشامل والكامل في المجتمعات الاسلامية باختراق خصوصيات هذه المجتمعات وتدمير معتقداتهم وفرض أنماط سلوكية جديدة على حياتهم، فالصراعات العسكرية عادة ليست هي الأدوات التي تحسم المعارك وتسيطر على الشعوب ووعيها، انما هي أدوات مساعدة تساعد على خلق الظروف التي تجعل من التبعية مسألة مفهومة ضمناً وحتى يتم السيطرة على الشعوب، فلا بد من السيطرة على وعيها، وحتى يتم السيطرة على وعيها فلا بد من اقتحام واختراق هذا الوعي واحداث التغييرات اللازمة عن طريق ما يسمى بالحرب الثقافية والغزو الفكري وقد ذكر الكاتب (ستونرسوندرز) في كتابه (الحرب الباردة الثقافية): (أن الصراع الثقافي يدور من أجل اكتساب عقول البشر، وحتى تبقي الجمهور قطعياً حائراً مذهولاً، فإن ذلك يتطلب مهارة عالية في التزييف والخداع بهدف صناعة ناس يرون ان كل ما تقوم به الحكومة الأمريكية صحيح لا بل ويعتقدون ان ذلك هو اقتناعهم الشخصي)، ويضيف الكاتب: (أن الولايات المتحدة الأمريكية قد رصدت عشرات ملايين الدولارات في هذه الحرب الثقافية عبر الصناديق الخيرية مثل صندوق فورد روكفلد، فارقليد وهذه الصناديق كانت ولا تزال تقدم الدعم لمنظمات المجتمع المدني في بلدان العالم ومنها طبعا الجمعيات النسائية)، فالقضية اذن ليست بحوزة افراد او شخصيات هنا وهناك بل تحتضنها العديد من الدفيئات من منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية التي بدأت تظهر ويسمع صوتها في كثير من المناسبات لتجعل من قضية المرأة (المسلمة بالذات) مسرحا لشتى الطروحات والأفكار والنماذج الحضارية المتصارعة بعد أن أصبحت الطريق سالكة أمامها بعد ترسيخ نفسية (القابلية للاستعمار) حسب تعبير المفكر الاسلامي الجزائري الراحل مالك بن نبي.
لقد مضى على انطلاق القضية أكثر من قرن، قطع خلالها العالم الغربي والاسلامي أشواطا كبيرة في مسار التحولات الفكرية والثقافية والاجتماعية، وموضوع تحرير المرأة في هذه المرحلة لم يعد مادة للنقاش او التداول بين فئات معزولة هنا وهناك ولا هو صراع بين افراد معارضين وآخرين مؤيدين بل إن موضوع المرأة أصبح اليوم بعد هذه السنين الطويلة من السعي الدؤوب موضوعا يطرح على بساط النقاش وعلى الموائد العالمية المستديرة، وبالنسبة لعالمنا الاسلامي فقد خضعت القضية أيضاً لنوع من التدويل السياسي والثقافي، وطبعا لم يحدث هذا التحول كما اسلفنا دفعة واحدة وانما سبقته مراحل متعددة لترسيخه كواقع لا يمكن التشكيك والتراجع عنه وبذلك تم اختراق المجتمع المسلم ليصيب خصوصياته في مقتل من خلال المثقفين المتغربين والاحزاب بمساندة الاعلام بكافة وسائله، ولا يخفى على أحد ما لسطوة الاعلام من قوة وتأثير على التحول الفكري والسياسي والادبي الامر الذي ادى لنجاح التقارب والانسجام بين المنظمات والجمعيات النسوية الغربية ومثيلاتها في المجتمعات الاسلامية وما نتج من هذا التقارب من تنسيق وتعاون وعمل مشترك والذي يمكن ان يطلق عليه بالتكتل الدولي، حيث أصبحت هذه التكتلات التي تجمع بين المنظمات النسائية الغربية ونظيراتها الاسلامية وبفضل الدعم الأجنبي اصبحت قوة ذات نفوذ في المجتمع لا بل واصبحت تشكل (لوبي) وللضغط على الحكومات لتمرير وصاياها ومبادئها، ، ولا زالت القضية تسير في مشوارها الطويل .. ولا زلنا نستعرض هذا السير .. ولنا محطة في هذا المشوار في الحلقة القادمة ان شاء الله.
هذه السلسلة تلخيص لكتاب “قضية المرأة” للأستاذ محمد قطب مع بعض التصرف.