“جيش ترامب” يتأهب بانتظار إشارته.. هل تخرج أمريكا عن السيطرة على يد الميليشيات اليمينية عشية الانتخابات؟
في آخر دقائق المناظرة الرئاسية المتلفزة الأسبوع الماضي، وقبل أيام من خروج نتائج الرئيس الأمريكي إيجابية لفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، سأل مدير المناظرة، كريس والاس، دونالد ترامب ما إن كان سيدعو أنصاره لالتزام الهدوء والامتناع عن إثارة الاضطرابات المدنية مباشرةً عقب انتخابات الشهر المقبل، نوفمبر/تشرين الثاني، أم لا؟ رفض ترامب الدعوة بوضوح. وردَّ في المقابل قائلاً: “أحث أنصاري على الذهاب إلى مراكز الاقتراع والمراقبة بحرص كبير، لأنَّ هذا ما يتعين حدوثه. أحثهم على فعل ذلك”.
وبالنسبة لأولئك الذين يراقبون أنشطة مجموعات ميليشيات اليمين المتطرف والمجموعات شبه العسكرية لأنصار تفوق العِرق الأبيض، كانت تصريحات ترامب محل ترحيب بقدر ترحيبهم بصبِّ الزيت على النار، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.
في الواقع، منذ أُطلِقَت تلك الدعوة، شنَّ مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) سلسلة من الاعتقالات لأعضاء ميليشيات وآخرين يُدبِّرون لاختطاف حاكمة ولاية ميشيغان، غريتشين وايتمر، ومهاجمة قوات إنفاذ القانون، ما زاد الشعور بخروج البلاد عن السيطرة مع اقتراب انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
فرصة الميليشيات اليمينية الأمريكية
قال ستيفن غاردينر، الذي يتابع الميليشيات في مركز الأبحاث التقدمي “شركاء الأبحاث السياسية”: “ستستغل الميليشيات بكل تأكيد تعليقات ترامب. واحتمالية ظهور فصائل مسلحة تحمل بنادق عسكرية الطابع عند مراكز الاقتراع أمرٌ مقلق للغاية”.
وقال ديفين بورغارت، مدير “معهد الأبحاث والتعليم في مجال حقوق الإنسان” المناهض للتعصب: “هذه هي مادة أسوأ كوابيسنا”. والولايات المتحدة ليست منقسمة أكثر من أي وقتٍ مضى وحسب، لكنَّها أيضاً مدججة بالسلاح بصورة أكبر.
فقد تضاعفت تقريباً فحوص الخلفية التي يجريها مكتب التحقيقات الفيدرالي –وهو مؤشر مباشر على مبيعات السلاح- على أساس سنوي هذا الصيف، في انعكاسٍ للتوتر السائد. وفيما تُسلِّح أمريكا نفسها، تشق الأسلحة المميتة طريقها إلى الشوارع على نحوٍ متزايد، تحملها الميليشيات الخاصة، وتبلغ ذروتها في مصادمات عنيفة أدَّت لإراقة الدماء في عديد من المدن الأمريكية.
ومع وجود الانتخابات الرئاسية الأكثر احتداماً في العصر الحديث على بُعد أقل من شهر الآن، هناك دلائل على أنَّ مجموعات الميليشيات المدججة بالسلاح، والتي يتناغم الكثير منها مع أهواء ترامب، تضع الاقتراع نصب عينيها.
فقال بورغارت: “بدأ عددٌ من المجموعات الحديث عن عمليات احتشاد يوم الانتخاب وما بعده. ونسمع ثرثرة أولية عن استعدادات للثالث من نوفمبر/تشرين الثاني ونحن نولي اهتماماً كبيراً بالأمر”.
جيش ترامب المتطرف
وتتتبَّع مجموعة بورغارت البحثية تصاعد نشاط الميليشيات، خصوصاً في الولايات المتأرجحة الرئيسية. فكُشِف في ولايات بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن على وجه التحديد عن مجموعات تتحدث عما تسميها جهود “سلامة الناخبين” في يوم الاقتراع. وقال بورغارت: “نتوقع بعد دعوة ترامب لحمل السلاح في مناظرة الأسبوع الماضي أن نرى المزيد من النشاط بدءاً من الآن”.
وفي ولاية مونتانا، وهي قاعدة شعبية للتحرريين (الليبرتاريين) وأفراد الميليشيات، هناك إشارات مماثلة على قيام مجموعات الميليشيات بكد على إعادة تغريد أكاذيب ترامب عن تزوير التصويت عبر البريد، ونشر الأكاذيب على نطاقٍ واسع في ما بينهم.
وفي المجموعات المغلقة وغرف الدردشة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يمكن عقد محادثات أكثر تفصيلاً بعيداً عن الرقابة العامة، يتقدم منظِّرو اليمين المتطرف بعدة خطوات عن مجرد تكرار حديث ترامب عن نظريات المؤامرة. فهم يلحقونها بعبارات مماثلة عنصرية ومعادية للسامية.
قالت ريتشل كارول ريفاس، المديرة المشاركة في شبكة مونتانا لحقوق الإنسان، التي تراقب شبكات التطرف في الولاية، إنَّهم في الشبكة يلتقطون حوارات كثيفة بين مجموعات الميليشيات بشأن شرعية انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني ونزاهة التصويت عبر البريد.
وأضافت: “إنَّهم يُقدِّمون أنفسهم باعتبارهم حامين للممتلكات والقانون والنظام، وهم الآن يبدأون بالتحدث عن الانتخابات. وقد يظهرون في أماكن الاقتراع زاعمين أنَّهم يريدون حماية حقوق التصويت، لكنَّ تأثيرهم سيكون بوضوح تخويفياً”.
من أين أتى هؤلاء؟ وما هو قوامهم؟
ويُعَد تحديد رقم معين على مقياس التهديد الذي تُشكِّله مجموعات الميليشيات المتطرفة في الولايات المتحدة أمراً محفوفاً بالمخاطر نظراً للاتصالات السرية لتلك المجموعات على الإنترنت. وقدَّرت صحيفة The New York Times الأمريكية وجود ما يصل إلى 200 ألف فرد ميليشيا نشط في نحو 300 مجموعة، يتألَّف ربعهم من محاربين قدامى.
وقد يمتد عدد الأمريكيين الذين لهم بعض الانخراط مع الميليشيات بصورة أوسع بكثير. فكشف تحقيق استقصائي أجرته مجلة The Atlantic الأمريكية حول مجموعة “Oath Keepers” (حرَّاس القَسَم)، وهي واحدة من أبرز المجموعات، قاعدة بيانات مسربة لحوالي 25000 عضو حالي أو سابق، ثلثاهم من خلفيات عسكرية أو قوات إنفاذ القانون.
وأياً ما كانت الأرقام، تنامت مجموعات ميليشيات أنصار تفوق العِرق الأبيض في أمريكا في السنوات الأخيرة إلى الحد الذي باتت معه تُشكِّل التهديد الإرهابي المحلي الرئيس، حتى بالرغم من محاولة إدارة ترامب التهوين من خطرهم. وشكا أحد المُبلِّغين في وقتٍ سابق من هذا الشهر، أكتوبر/تشرين الأول، من أنَّ مسؤولين في وزارة الأمن الداخلي تلقوا تعليمات من رؤسائهم بتغيير التقارير الاستخباراتية لجعل الخطر يبدو أقل خطورة.
بل ومن الأصعب تحديد رقم في ما يتعلَّق بالمدى الذي ساهم به ترامب في تجريء الميليشيات، ولو أنَّ التشجيع الذي قدَّمه مسألة لا شك فيها. فلم يرفض باستمرار إدانة تلك المجموعات وحسب، بل أبقى على حوارٍ منتظم معها عبر مواقع التواصل الاجتماعي كذلك.
قال غاردينر: “العلاقة بين الميليشيات والإدارة الحالية هي علاقة دعوة واستجابة، وليس واضحاً دوماً أي الطرفين هو الذي يصدر الدعوة. فأحياناً تصدر من الميليشيات، وأحياناً تصدر من الرئيس”.
فوضى من الميليشيات بدأت تتكشف
وليست المجموعات اليمينية شبه العسكرية وحدها مَن تُشكِّل خطراً متزايداً. فالمجموعات المناهضة للفاشية ومجموعات اليسار المتطرف أظهرت لجوءاً متزايداً إلى السلاح أيضاً، مثلما رأينا في إطلاق ناشط يصف نفسه بأنَّه مناهض للفاشية النار على عضو بمجموعة “Patriot Prayer” المؤيدة لترامب في مدينة بورتلاند الشهر الماضي، سبتمبر/أيلول.
وعاد نشاط ميليشيات الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية المسلحة أيضاً إلى مستوى التحدي المفتوح الذي لم نرَه منذ “دوريات مراقبة الشرطيين” التي كانت تقوم بها مجموعة “الفهود السوداء” في السبعينيات. وقامت مجموعة “NFAC” (تحالف مَن لا يعبثون) بعدة تحركات من جانب أفرادها من قدامى المحاربين الذين يرتدون زياً أسود بالكامل ويحملون بنادق شبه آلية.
ونظَّم التحالف في الرابع من يوليو/تموز الماضي، عيد استقلال الولايات المتحدة، استعراضاً لنحو ألف من “قواته” في مدينة ستون ماونتين بولاية جورجيا، وهي مهد حركة “كو كلوكس كلان” الحديثة. وقال قائد المجموعة، المعروف باسم غراند ماست جاي (المعلم الأكبر جاي)، هذا الشهر إنَّ الهدف من الميليشيا هو “حماية العِرق الأسود، وحراسة العِرق الأسود، وتعليم العِرق الأسود التعامل مع السلاح”.
ميليشيات العرق الأبيض
غير أنَّ الغالبية العظمى من نشاط الميليشيات يقع بقوة في الطرف الآخر من خط الانقسام العِرقي المتسع في البلاد، في طرف اليمين المتطرف ذي الغالبية الساحقة من البِيض.
أجرى فريق غاردينر بمركز “شركاء الأبحاث السياسية” أبحاثاً لم تُنشَر حتى الآن سجَّلت أكثر من 600 واقعة لظهور تلك الفِرَق الصغيرة المسلحة بصورة جيدة على نحوٍ مخيف من أنصار ترامب والمتطرِّفين اليمينيين.
ويُعَد أحد الجوانب المقلقة في نتائج غاردينر هو وجود زيادة تدريجية في فعاليات الميليشيات التي تنتهي بعنف منذ أواخر الصيف. والملاحظة الأكثر إثارة للقلق هي أنَّ أكبر مجموعة فرعية من فعاليات تلك الميليشيات، وبفارق كبير عما يليها، هي الفعاليات غير المُنسَّقة التي لا يُعرَف أي مشاركة لمجموعات الميليشيات المعروفة مثل حراس القسم فيها، والتي تُشكِّل 40% على الأقل من قرابة 600 واقعة إجمالية مُسجَّلة.
وهذا يعني أنَّ هناك 240 حادثة تقريباً تجمَّعت فيها فِرَق صغيرة، وبلا قيادة، من المتطرفين على الإنترنت ثُمَّ شرعوا في نقل تخيلاتهم المسلحة إلى شوارع أمريكا.
ماذا عن الوضع القانوني لهذه الميليشيات؟
المفارقة هي أنَّه بموجب القوانين الفيدرالية وقوانين الولايات، كان ينبغي أن تُحظَر الميليشيات منذ وقتٍ طويل. فقالت ماري ماكورد، المديرة القانونية لـ”معهد الدفاع عن الدستور وحمايته”، إنَّ الوضعية القانونية للمجموعات واضحة تماماً: غير قانونية. وأضافت: “لا يوجد في القانون ما يسمح للأفراد بنشر أنفسهم والمشاركة في أنشطة من النوع العسكري أو الذي يتعلَّق بإنفاذ القانون”.
فعلى المستوى الفيدرالي، ذكرت أحكام المحكمة الأمريكية العليا عامي 1886 و2008 بشكل لا لبس فيه أنَّ الحق الوارد في التعديل الثاني للدستور والخاص بحمل السلاح لا صلة له في ما يتعلَّق بحظر المنظمات الخاصة شبه العسكرية. وعلى مستوى الولايات، لدى الولايات الخمسين كلها أحكام في دساتيرها أو قوانينها تُجرِّم نشاط الميليشيات ما لم يكن ذلك بناءً على أوامر صريحة من الحاكم.
وقالت ماكورد: “هذه في الحقيقة ليست منطقة رمادية على الإطلاق، نادراً ما يكون لديك قوانين محددة للغاية بهذا الشكل. لكنَّ هذه الميليشيات موجودة فقط بسبب عدم الفهم”.
وفي الأسابيع الأخيرة قبيل الانتخابات، سارعت ماكورد وزملاؤها بتوزيع صحف وقائع معلوماتية لكل الولايات تشير إلى القوانين التي تحظر الميليشيات الخاصة وتنصح بما يجب عمله عند ظهور المجموعات المسلحة عند أماكن الاقتراع. وتأمل أن تُسلِّح قوات إنفاذ القانون والناخبين بالمعلومات القانونية حتى يمكنهم التصدي للمتطرفين المسلحين بأسلحة مثل الكلاشينكوف.
وهي مهمة شاقة لا يُسهِّلها ترامب. فتقول ماكورد: “حين يتحدث عن (مراقبة الاقتراع) والتزوير، ويرفض حث أتباعه على عدم المشاركة في اضطرابات مدنية، تكون هذه دعوة مُبطَّنة وغير مُقنعة تقريباً للمجموعات المسلحة كي تلتحم”.