مقالاتومضات

المسجد الأقصى في العقلية الصهيونية ومسائل الفرص التاريخية (15)

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
مقدمات تاريخية
(1)
الوصاية الأردنية على المقدسات في مدينة القدس، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك، بغض النظر عن التساؤلات التاريخية المتعلقة بعلاقة الأردن والقدس والاقصى، ومن ثم الوصاية وتداخلاتها البين عربية وما آلت إليه الأمور العربية بعد هرولة فريق من العرب للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، ومنحه الشرعية على الأرض المقدسة، من الأمور التي بقيت قائمة بعد احتلال إسرائيل لما تبقى من القدس والبلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك، وتعهدها في احترام الوصاية الأردنية -ليس أكثر- كما نصت “اتفاقية وادي عربة”.
تأتي أهمية فهم هذه العلاقة في ظل ظروف الاشتراطات التي كبّلت سلطة أوسلو، وانتهى بها المطاف للاعتراف بأهمية المصالحة داخل البيت الفلسطيني، لمواجهة موحدة للاستشراس الإسرائيلي والتخاذل العربي- أدبا لن أسميه الخيانة العربية في ظل منطقي المصالح والغايات الذي حكم العرب منذ قيام دويلاتهم المسماة الدولة الوطنية، ومن نافلة القول الاطلاع على مقابلات بندر بن سلطان في العربية وما تحدث فيه عن القضية الفلسطينية للتأكيد على المنطق الذي تحدثت به.
معلوم أن قسما كبيرا من الشعب الفلسطيني يسكن الأردن بسبب النكبة والنكسة وما بينهما وما تلاهما من هجرة غير قسرية لبعض العوائل والأشخاص الى الأردن، باعتبارها مكانا وملاذا آمنا للفلسطينيين ومنطلقا لتحقيق الطموحات الفردية، ومكانا لبعض المكونات الفلسطينية، وهذا جزء من تعقيدات المشهد القائم هذه اللحظات، ويحتاج الى مقالات عديدة بل إلى دراسات في السياقات التاريخية والمستقبلية، ذلكم أن الشرق الأوسط في عشرياته القادمة مقبل على تغييرات جوهرية ستطال تقريبا كل شيء، وبالتالي تصبح هذه الدراسات مهمة مكانا وزمانا. تكمن أهمية الدور الأردني في الأماكن المقدسة للمسلمين في القدس بمنحهم الشرعية الدينية والسياسية على المستويين الديني والسياسي عربيا واسلاميا لها، وعلى مستوى الوجود الفلسطيني في الأردن ويمنح الأسرة الهاشمية نوعا من الشرعية داخل المملكة، سواء بين العشائر أو عموم التوجهات والحركات السياسية، لذلك نجد أن ملف المقدسات مرتبط مباشرة بالديوان الملكي.
(2)
ما زال الخلاف والاختلاف بين المؤرخين على أشده حول العلاقة بين الشريف حسين بن علي والدولة العثمانية، ومن قام بتعينه أميرا على مكة، بين من قال إن من عينه الاتحاديون، ومن قال إن من عيّنه هو السلطان عبد الحميد الثاني بفرمان خاص ومباشر منه، وبغض النظر عن هذه الحيثية، وما أثير حول النسب الشريف لحسين بن علي على الرغم من أهميتهما، إذ أزعم أن عام 1908 هو اللحظة التاريخية الفاصلة في تاريخ العرب والمسلمين والدولة العثمانية، وليس الحرب العالمية الأولى. لقد توافق في هذا العام عددٌ من الاحداث الهامة التي شكّلت دورا هاما في التغيرات الجيو سياسية في منطقتنا، منها الانقلاب العسكري على السلطان عبد الحميد الذي قاده الاتحاديون بدعم ماسوني- صهيوني- صليبي، وإنهاء سكة الحديد بالغة الأهمية التي ربطت الحواضر الإسلامية بالمدينة كإسطنبول وبغداد والموصل ودمشق وبيروت ونابلس وحيفا والقاهرة، وكانت هذا السكة تعتبر من أسس ترسيخ الجيو سياسة المتعلق بالجامعة الإسلامية التي دعا إليها السلطان عبد الحميد الثاني، والثالثة تعيين الشريف حسين بن علي أميرا لمكة المكرمة. ثمة مؤرخين يشيرون إلى أن السلطان عبد الحميد الثاني تخوف كثيرا من الشريف حسين بن علي ورفض منحه إمارة مكة المكرمة لقناعاته أنه سيستقل عن السلطنة العثمانية واستقلاله معناه تفكك الدولة العثمانية، آخر عقود الخلافة الإسلامية، وقد جاء تعيينه أميرا عام 1908 متزامنا مع الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني، وهو موجود في تلكم الاثناء في اسطنبول وقد استقبله حين عودته للحجاز في جدة المسؤولون الاتراك ممثلي الاتحاد والترقي- للتوسع حول هذا الموضوع انظر حسن قايلي: الحركة القومية العربية بعيون عثمانية، ص217-225، وأخذت العلاقات منحنيات شتى بين الشريف حسين والسلطنة في إسطنبول الى أن أعلن الثورة عام 1916.
في هذا العام أيضا، تم تعيين الشريف علي حيدر ممثل عائلة زيد المنافسة لعائلة عون التي كان الحسين بن علي عميدها- ظل الشريف علي حيدر ممثل عائلة زيد منافس عائلة عون، في الاستانة إلى عام 1916 وربطته علاقات وثيقة بالاتحاد والترقي، وقد استغل الاتحاديون هذا الوجود في علاقتهم مع الشريف حسين في سياق منطق الحسابات السياسية والولاءات، وكلاهما يزعم أنه من النسب الهاشمي وتم تعيينه شريفا لمكة بعد ثورة الشريف حسين ( حسن قايلي، 217). توافق هذا التاريخ كما ذكرت مع بدايات الثورة التي قادتها تركيا الفتاة والتي أدت الى خلع السلطان عبد الحميد الثاني، وتعيين أخيه محمد الخامس وتعرف هذه الفترة بالمشروطية الثانية، والتي مهدت لسقوط الدولة العثمانية وسقوط فكرة الجامعة العربية التي عمليا قادها وبثّ فيها الروح السلطان عبد الحميد، وشكلت الملاذ الحقيقي والقيامة الثانية للخلافة الإسلامية العثمانية وقيام القوميين الأتراك بعزل الخليفة لم يكن مجرد عمل تعلق بإعادة العمل بالدستور بقدر ما له علاقة بالحركة الصهيونية وقطع الطريق على مشروع الجامعة الإسلامية، وكلاهما- أي عزل السلطان وقطع الطريق على وحدة إسلامية جامعة تتعلق بفلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك، ولعل مذكرات السلطان تكشف جابنا ضئيلا عن قدر وحجم الاحداث السياسية المتعلقة بالقدس والاقصى، ومعلوم أن موقفه القاطع في منع الحركة الصهيونية من الاستيطان في فلسطين ورفضه مقابلة ثيودور هرتسل واتخاذه من بعد التدابير للحيلولة دون استيطانهم فيها، واستشعاره حجم الخطر النازل على الأرض المقدسة والمسجد الأقصى، وأن الحركة الصهيونية تنبهت الى المتغيرات الدولية وهبوب رياحها على المنطقة لاقتناص هذه اللحظات لأجل تحقيق مشروعهم في إقامة دولتهم وعاصمتها القدس، كان من الدوافع الأساس التي دفعت الاتحاديين لإسقاط الخليفة عبد الحميد الثاني، ولأن هذه المجموعة ربطتها علاقات مع الشريف حسين، فإنَّ المسألة التاريخية تأخذ أهميتها في جدل العلاقة القائم بين هذه الأسرة والقوى السياسية الدولية الحاكمة، والقدس والمسجد الأقصى المبارك وإنهاء مشروع الجامعة الاسلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى