فلسطين موطن 500 مليون طير مهاجر
500 مليون طائر من قارة أوروبا تقصد فلسطين كمحطة مؤقتة خلال رحلة هجرتها الخريفية إلى جنوب قارة أفريقيا. هذه الرحلة تبدأ في 15 أغسطس/ آب وتمتد حتى 15 نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، هرباً من البرد الأوروبي إلى الطقس الدافئ في فلسطين.
يقول مدير جمعية الحياة البرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 عماد الأطرش، في حديث صحفي: “ضيوف فلسطين خلال الهجرة الخريفية، يتركّزون في مناطق معينة دون غيرها، مثل مناطق الأغوار، شرق الضفة الغربية، التي تشهد هجرة مكثفة، من الطيور الجارحة والحوّامة أو المُحلّقة، بالإضافة إلى مرج صانور، جنوب شرق جنين (شمال الضفة)، ومرج ابن عامر الواقع بين جبال الجليل وجبال نابلس، وسلسلة جبال القدس الممتدة من نابلس شمالاً حتى الخليل جنوباً”.
وتتركز بعض الطيور المُغرّدة الصغيرة فوق قطاع غزة، مثل طائر يُعرف بـ”الفِر” أو “السِمان”، الذي يأتي من جزيرة قبرص، وبعد وصوله لشواطئ غزة ينتقل إلى الضفة الغربية. كما تأتي الطيور المغردة عموماً، من مناطق إسبانيا وفرنسا وتمُرّ بتركيا حتى فلسطين، بحسب ما يشرح الأطرش، الذي يعمل كذلك مراقباً دولياً للحياة البرية.
وتبدو مراقبة عمليات الهجرة هذه مدهشة، خصوصاً عند معرفة موطن الطيور المهاجرة، بل ومسار رحلتها والمناطق التي مرت بها خلال قدومها إلى فلسطين. يقول الأطرش: “نحن كجهة اختصاص في تصنيف الطيور ومراقبتها ننصب شباكاً ونمسك بعض الطيور ونقوم بتحجيلها (وضع حلقات بلاستيكية أو معدنية على أرجل الطيور)، كما أن بعض الطيور يتم تحجيلها من قبل جمعيات وجهات اختصاص في بلدان أوروبية قبل إطلاقها، وبذلك يمكننا معرفة موطن الطير.
أما عن الطريقة الأُخرى، فإن بعض الجمعيات العاملة في مجال علم الطيور تُثبّت على ظهور بعض هذه الطيور جهازا لاقطا يكون مرتبطاً بالأقمار الصناعية، ويتناسب مع وزن أو حجم كل طائر. كما توجد طريقة ثالثة وهي الرادارات، التي تسجل رحلة الطيور، سواء في المسارات الليلية أو النهارية، وبهذا يمكن معرفة عدد الطيور القادمة وأنواعها”.
ولأن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على الحياة الطبيعية والبرية في فلسطين، تضعف قدرة الفلسطينيين على مراقبة ورصد حركة الطيور كما باقي دول العالم، رغم أنها تستقطب خلال شهرين فقط عدداً مهولاً يصل إلى 500 مليون طائر، فلا يمكن للفلسطينيين وضع رادارات لمراقبة حركتها.
يقول عماد الأطرش: “الاحتلال يضع رادارات في منطقة اللطرون (بين القدس ويافا)، أما نحن فلا يمكننا ذلك حتى لو كانت لدينا إمكانية. لذلك نستعين بالإمكانيات المتوفرة، مثل مراقبة السماء بالتلسكوب، عندما يكون القمر بدراً، من الساعة السادسة مساءً وحتى منتصف الليل. ولدينا متطوعون في الضفة الغربية من كل المناطق، يساعدون في رصد حركة الطيور النهارية أيضاً. ففي الثامن من الشهر الحالي مثلاً، في ساعات الظهيرة، رصد المتطوعون وصول خمسة آلاف من طيور اللقلق، في منطقة يطا، جنوب الخليل”.
من جهته، يقول المتطوع راشد مرعي (39 عاماً)، من مدينة طولكرم، في حديث معه: “بعض الأماكن في الأغوار ممنوع علينا دخولها. لنأخذ مثلاً منطقتي الجفتلك وفصايل، اللتين تتميزان بالتنوع البيئي من حيث هجرة الطيور وإقامتها، كالوروار الشرقي (طير مستوطن أو مقيم)، والوروار الأزرق والأوروبي كطائر مهاجر. لا أشعر بالحرية هناك، إذ تنتشر المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال، والمستوطنات، وقد أوقفتني شرطة الاحتلال مرات عدة، فلا أستطيع مراقبة الحياة البرية ولا أخذ الصور للطيور وغيرها من الحيوانات”.
50 ألف صورة التقطتها عدسة مرعي، رغم كل الظروف المعيقة، منذ أن قرر أن يخلق بينه وبين الحياة البرية علاقة خاصة عام 2015. ويرى أن العقبات لا يشكلها الاحتلال وحده، بل إن الجهات الرسمية الفلسطينية لا تولي اهتماماً للحياة البرية ولمن يتطوع لتوثيق حركتها وحركة الطيور فيها.
ويشير إلى وجود مخاطر أخرى: “أخرج يومين في الأسبوع من الصباح الباكر حتى غروب الشمس إلى البر، وقد أتعرض للمخاطر، منها لدغ الأفاعي، وغيرها من المشاكل التي تشكّلها الطبيعة بذات نفسها، من دون وجود أي تأمينات لوجستية تساعدنا على تخطي هذه العقبات”.