«المونيتور»: هل نشهد قريبًا انهيار الدعم السعودي للقضية الفلسطينية؟
نشر موقع «المونيتور» الإخباري مقالًا للصحفي الفلسطيني والناشط الإعلامي داود كُتَّاب تناول فيه موقف السعودية تجاه الفلسطينيين في ضوء التطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة وحالة التقارب الخليجي – الإسرائيلي التي تمخضت عن اتفاقيتين للتطبيع من جانب دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين مع إسرائيل.
يقول كاتب المقال، الأستاذ السابق في الصحافة بجامعة برينستون والمدير العام حاليًا لشبكة كوميونتي ميديا، المُكرَّسة للنهوض بوسائل الإعلام المستقلة في المنطقة العربية: إن «السعودية من غير المرجح أن تساوم على مواقفها التقليدية المؤيدة للفلسطينيين حتى لو صدر من جانبها بعض الإشارات المُشجِّعة للإسرائيليين وإدارة ترامب».
تغيير اسم قمة الظهران إلى قمة القدس
ولفت الكاتب إلى أنه بعد مضي خمسة أشهر على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2017، عقدت القمة العربية في مدينة الظهران بالسعودية في شهر أبريل (نيسان) 2018. وكانت العلاقة الخاصة آنذاك بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر من جهة، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من جهة أخرى معروفة للجميع.
وكان من المتوقع في أحسن الأحوال أن يتجنب العاهل السعودي، الذي كان يستضيف القمة، موضوع نقل السفارة بدلًا عن دعمه أو معارضته. لكن بدلًا عن ذلك فاجأ الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود الحضور العرب واقترح تغيير اسم القمة من قمة الظهران إلى قمة القدس.
كما أعلن الملك عن تبرع سخي بمبلغ 150 مليون دولار أمريكي لبرنامج دعم الوقف في القدس و50 مليون دولار أخرى لدعم البرامج التي تديرها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا). وشدد الملك سلمان في خطابه في القمة على أن القضية الفلسطينية هي «قضيتنا الأولى وستظل كذلك»، معربًا عن إدانته لقرار الإدارة الأمريكية نقل سفارتها إلى القدس.
العلاقات السعودية- الفلسطينية تاريخية
من جانبه، قال زياد أبو عمرو، نائب رئيس الوزراء الفلسطيني في رام الله، لـ«المونيتور» إن العلاقة مع السعودية إيجابية وتاريخية. وأضاف: «لقد كانوا ضامنين وداعمين للقضية الفلسطينية وما زالوا كذلك. ولم نواجه مشكلة مع الحكومة السعودية في أي يوم من الأيام. ودائمًا ما دعموا القضية الفلسطينية ودافعوا عن القدس».
وقال أبو عمرو، وهو عضو أيضًا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن الفلسطينيين يُقدِّرون الموقف السعودي الذي يقرر أن «المملكة العربية السعودية ستقبل بكل ما يقبله الفلسطينيون وترفض ما يرفضه الفلسطينيون». كما أعرب أبو عمرو عن أمله في أن يتمسك العرب كافة بالتزامهم بمبادرة السلام العربية التي بدأت في شكل مبادرة سعودية.
وعبَّر عزام الأحمد، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والمسؤول عن الشؤون العربية، عن رد فعل مماثل. ويُصِر الأحمد على أن العلاقة (بين السعودية والفلسطينيين) طبيعية، وقال لـ«المونيتور»: «علاقتنا بإخواننا في السعودية طبيعية. ولا توجد مشاكل ونحن سعداء بمواقفهم السياسية تجاه القضية الفلسطينية. والرئيس محمود عباس على اتصال منتظم بكل من الملك سلمان وولي عهده، وليس لدينا أي شكوى بشأن التزامهما تجاه فلسطين».
السعودية وقطر تتنافسان على الساحة الفلسطينية
يقول الكاتب: يمكن أن نشهد الاختبار الحقيقي للعلاقة بين السعودية والفلسطينيين على أفضل وجه في النواحي المالية. وفي الوقت الذي كانت القمة العربية بمثابة نقطة فاصلة في الآونة الأخيرة فيما يتعلق بالنواحي المالية، توترت الأمور لمدة عام أو نحو ذلك.
ومع ذلك، أعلن السعوديون في شهر فبراير (شباط) عام 2019 أنهم سيستأنفون دعمهم وسيحولون 60 مليون دولار أمريكي للسلطة الفلسطينية، وهو ما يمثل مبلغ الدعم لمدة ثلاثة أشهر، بعد تأخرهم لشهور في إرسال مدفوعات المساعدات السابقة. وحدث ذلك في الوقت نفسه الذي كانت فيه قطر، الخصم الإقليمي للسعوديين، تخطط لتقديم مساهمة كبيرة للفلسطينيين.
ومن المؤكد أنه في شهر مايو (أيار) عام 2019 قررت قطر تقديم منحة ضخمة بقيمة 480 مليون دولار لمساعدة الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية. ومنذ ذلك الحين، تعثر السعوديون مرةً أخرى في التزاماتهم السابقة تجاه الفلسطينيين. ولم يُعلِّق الأحمد على الموضوع المالي. ولكن عند الضغط عليه لشرح الانقطاع المفاجئ في الدعم السعودي لفلسطين، قال الأحمد: «أنا لا أتابع القضايا المالية، عليك أن تسأل وزير المالية».
ومع ذلك، قال الأحمد إن السعوديين تجاوزوا في الماضي الوفاء بالتزاماتهم. «وعلى مر السنين، تجاوزتْ السعودية بكثير المبلغ الذي التزمتْ به في قمة بيروت عام 2002». وبحسب قناة «العربية» الموالية للسعودية، «بين عامي 2000 و2018، قدَّمتْ السعودية أكثر من 6 مليارات و473 مليونًا و586 ألف دولار تقريبًا كمساعدات لدولة فلسطين، منها حوالي 250 مليون دولار خُصصت لوكالة (الأونروا)».
وأوضح زياد أبو عمرو السبب المعلن لخفض التمويل، فذكر «أنهم كانوا يقدمون لنا الدعم المالي، لكن هذا توقف مؤخرًا. وقالوا إن السبب أزمة النفط. وشكرناهم قائلين إننا نتفهم ظروفهم، ولكننا كنا نأمل أن يستمر كل الدعم العربي على النحو المنصوص عليه في الالتزامات التي تعهدت بها جامعة الدول العربية. فقد وعدنا العرب بشبكة أمان مالي للمساعدة في ضمان الاستقلال الفلسطيني».
تكامل لا تنافس على الأماكن المقدسة
وبالإضافة إلى الجوانب المالية، كانت هناك بعض المخاوف من أن الدولة الإسلامية الرائدة، مهد الإسلام، (السعودية) ستحاول تنحية الهاشميين الأردنيين جانبًا عن أداء دورهم بصفتهم الوصي على الأماكن المقدسة في القدس. لكن الموقف السعودي عبَّر عنه العاهل السعودي في بيان القمة الختامي الذي أيَّد الأردن «بصفته الجهة الوحيدة المسؤولة عن إدارة المسجد الأقصى وصيانته والوصول إليه».
ويبدو أن دفع إدارة ترامب للدول العربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل كوسيلة لمساعدة كل من ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتهت دون الإدِّعاء بالفوز بالجائزة الكبرى ونعني بها السعودية.
ولم يتزحزح السعوديون، لكنهم حاولوا صرف الضغط عنهم. ويُعد قرار البحرين باتباع خطى الإمارات محاولة لصرف الضغط الأمريكي عن السعودية. وتعتمد البحرين إلى حد كبير على السعودية، حيث ساعدت القوات السعودية في قمع الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحكومة البحرينية في عام 2011.
وهذا يجعلنا نقول بمنتهى الاطمئنان أن البحرين، وهي دولة ذات أغلبية شيعية، لم تكن لتوافق على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون موافقة السعودية. ومن بين الإشارات الأخرى الموالية لإسرائيل من جانب السعودية فَتْحها المجال الجوي أمام الرحلات الجوية التجارية الإسرائيلية.
ويختتم الكاتب مقاله قائلًا: في الوقت الحالي: «وطالما لم يزل الملك سلمان في السلطة، فمن غير المرجح أن تتعرض المواقف السعودية التقليدية المؤيدة للفلسطينيين للخطر، حتى لو قُدِّمت بعض الإشارات للإسرائيليين وإدارة ترامب. أما الفلسطينيون الذين اعتمدوا لسنوات على الدعم السعودي، فلن يَقْدُموا (في الوقت الراهن) على انتقاد السعودية».