الغضب يلف شوارع مصر: ضرائب بلا خدمات
أزمات عدة واجهها الشعب المصري خلال السنوات الماضية، زادت حدتها خلال الأشهر الأخيرة من عام 2020 مع زيادة الأسعار وغلاء المعيشة، حتى وصلت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية داخل البلاد إلى حالة مزرية، وسط ارتفاع كبير للضرائب في مقابل تردي الخدمات.
هذه التراكمات دفعت المواطنين المصريين إلى كسر حالة الخوف مجدداً، وتحدي القبضة الأمنية المفروضة عليهم منذ سنوات، والخروج بمظاهرات شبه يومية في أكثر من 19 محافظة منذ يوم 20 سبتمبر/ أيلول، استجابة لدعوات الاحتجاج في الذكرى الأولى لأحداث 20 سبتمبر 2019، التي دعا إليها الفنان والمقاول السابق محمد علي الموجود في إسبانيا. ولأول مرة تخرج مظاهرات واسعة في قرى صعيد مصر ضمن “ثورة الجلاليب” (الجلباب زي الرجل الصعيدي)، وهي سابقة لم تعرفها مصر حتى أيام ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، وتدعو هذه التحركات إلى رحيل الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وأسباب نزول المصريين من جديد إلى الشوارع تكاد تكون “كل شيء”. فالمصريون وفق عدد من متابعي التحركات، يرزحون تحت الظلم الاقتصادي من ارتفاع الأسعار والغلاء وتردي الأوضاع المعيشية، إضافة إلى الأزمة الكبيرة التي لم تحدث من قبل في تاريخ الدولة المصرية، وهي فرض “جباية” على العقارات السكنية.
وقد وصل الأمر إلى إزالة المساكن خاصة الموجودة في القرى والأرياف، مما أدى إلى حالة من اليأس، وصلت إلى مواجهة بعض ضباط الشرطة بـ “العصي والطوب” في بعض قرى محافظات الصعيد، ردت عليها القوات بالغاز المسيل للدموع والاعتقالات.
فما هي أبرز الأسباب التي تدفع المصريين اليوم إلى الشارع وفق رصد “العربي الجديد”؟ غرامات وضرائب
من القرارات الظالمة التي حركت بركان الغضب لدى الشعب، فرض قانون التصالح المعروف باسم “قانون البناء” الذي تم العمل به منذ بداية العام الحالي. ويفرض هذا القانون على أصحاب العقارات المخالفة لقانون البناء غرامات باهظة، تفوق قدرات الغالبية العظمى من سكان تلك العقارات، وإلا فالإزالة هي الخيار البديل.
الأمر الذي أثار حفيظة الكثير من المواطنين، كما أدى توقف البناء إلى وقف أعمال ما يقرب من 5 ملايين عامل، الذين لا يدخلون في قائمة المستفيدين من العمالة غير منتظمة بصرف 500 جنيه لهم كل ثلاثة أشهر.
وأمام انخفاض مواردها المالية، اتجهت الحكومة المصرية للبحث عن موارد جديدة لزيادة دخلها، لتشمل زيادة الرسوم خدمات الشهر العقاري، وعمليات الشراء من الأسواق الحرة، الحفلات والخدمات الترفيهية التي تقام بالفنادق والمحال السياحية، أجهزة المحمول ومستلزماتها، وفرض رسوم بنسبة 2.5 في المائة على فواتير الإنترنت للشركات والمنشآت، ورسوم على التبغ الخام.
ومن ضمن الرسوم المستحدثة، أيضا رسم بنسبة تصل إلى 10 في المائة من قيمة عقود انتقالات الرياضيين، ورسوم على تراخيص شركات الخدمات الرياضية وأغذية الكلاب والقطط والطيور الأليفة، وفرض رسم على البنزين بأنواعه بواقع 30 قرشا للتر المبيع و25 قرشا للتر السولار…
أسعار الوقود والمواصلات
ومن الإجراءات التي أثرت كثيراً على حياة المصريين، رفع أسعار الوقود وصولاً إلى تحرير سعره بالكامل في العام الماضي، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار عدد كبير من السلع مع زيادة كلفة النقل. وفي مقارنة بين أسعار الوقود عام 2013 وعام 2020، ارتفع سعر لتر البنزين عيار 80 ليسجل 6,25 جنيهات العام الحالي بدلاً من 1,60 قرشا.
ووصل سعر لتر بنزين عيار 92 إلى 7,5 جنيهات بدلاً من 1,85 جنيه. وزاد سعر اسطوانة البوتاجاز للاستخدام المنزلي من 5 جنيهات في العام 2013 لتصل إلى ما بين 75 و100 جنيه اليوم، كذا ارتفع سعر الأسطوانة في المحلات والمطاعم لتسجل ما بين 130 و150 جنيهاً اليوم بدلاً من 10 جنيهات، فيما زاد سعر لتر السولار من 70 قرشاً في 2013 ليسجل حالياً 6,75 جنيهات.
كما زاد سعر الغاز الطبيعي للاستعمال المنزلي الذي حددته وزارة البترول، خمس مرات من عام 2014 حتى عام 2020، ليصل سعر متر الاستهلاك حتى 25 متراً في الشريحة الأولى إلى 2,35 جنيه بدلاً من 40 قرشاً في الماضي…
وترتب عن ارتفاع أسعار الوقود زيادة كلفة المواصلات داخل المحافظات المصرية. وشهدت أسعار تذاكر مترو الأنفاق ارتفاعا على مدار ثلاثة عقود. إلا أن الارتفاع الكبير جاء في عهد السيسي، حيث كان سعر التذكرة جنيهاً واحداً، ليرتفع في العام 2017 إلى جنيهين، وفي عام 2018 استمرت الزيادات لتراوح بين 3 إلى 7 جنيهات وفق عدد المحطات، وصولاً إلى 12 جنيهاً اليوم، وهذه الزيادة أدت إلى اشتعال الأحداث ومظاهرات وتم اعتقال العشرات من المواطنين.
كما ارتفعت أسعار تذاكر القطارات بين المحافظات، وأتوبيس القاهرة الكبرى من جنيه واحد إلى ما بين خمسة إلى ثمانية جنيهات حسب المسافة…
ارتفاع تكلفة الدواء والغذاء
وبعد مرور أربعة أعوام علـى قرار “تعويم الجنيه” عام 2016، والذي بمقتضاه حصلت الحكومة المصرية على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، ارتفعت أسعار السلع الغذائية بكافة أنواعها، بموازاة ضعف الأجور الذي يلتهمها التضخم.
ونالت الأدوية نصيبها الأكبر من هذا القرار، خاصة الأصناف التي تمس الفقراء ومحدودي الدخل، وسط حالة غضب وغليان في الشارع المصري.
كما واجهت أسعار السلع الغذائية ارتفاعاً كبيراً، بسبب ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء وتعويم الجنيه، خاصة الدقيق والزيوت واللحوم والأسماك والدواجن والبيض، فضلاً على ارتفاع أسعار الأرز والبقوليات والعدس، وارتفاع أسعار الخضروات والفواكه. و
كان سعر كيلو اللحوم الحمراء عام 2013، 60 جنيهاً، ليسجل اليوم ما بين 140 و150 جنيهاً حسب كل منطقة، واللحوم البيضاء ارتفعت مما بين 10 إلى 12 جنيهاً للكيلو لتسجل حالياً 28 جنيهاً، وكرتونة البيض من 12 جنيهاً إلى أعلى من 30 جنيهاً، حتى كيلو الفول زاد من 9 جنيهات إلى 30 جنيهاً.
ما بين الكهرباء والمياه
ومن الأزمات التي يواجهها المواطن المصري خلال حكم السيسي، ارتفاع أسعار شريحة الكهرباء التي مست كل مواطن. وقامت السلطات بالزيادة السابعة على فاتورة الكهرباء في يوليو/ تموز الماضي تفي عهد السيسي، لتسجل الزيادات التي طرأت في الكهرباء فقط ما بين 2014 حتى 2020 حوالي 660 في المائة.
أما مشاكل مياه الشرب قبل عام 2011 فتكاد لا تذكر، وكان يتم تحصيل بضعة جنيهات كل 6 أشهر إلى أن كانت أولى الزيادات التي أقرتها الحكومة المصرية، ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي في 2016. إذ تم رفع الشريحة الأولى التي لا تتخطى 10 أمتار مكعبة يوميًا، من 23 قرشًا حينها لتتوالى الزيادات وتصل اليوم إلى 65 قرشاً، ارتفعت الشريحة الثانية (ما بين 10 أمتار إلى 20 متراً مكعباً يوميًا) من 50 قرشا إلى 1.60 جنيه، ورفعت الشريحة الثالثة من 105 قروش للمتر إلى 2.25 جنيه…
وتأتي تلك الزيادات رغم انقطاع مياه الشرب بالمحافظات المصرية لساعات وأحياناً لأيام، وبدأت طوابير من مواطنين يحملون قوارير المياه الفارغة تمتد أمام سيارات تعبئة مياه الشرب، فضلاً على انقطاع المياه في الترع، ما أثر في ري الأراضي الزراعية، ودفع أهالي قرى الصعيد للخروج باحتجاجات متواصلة.
ولم تسلم الأسمدة الزراعية من ارتفاع الأسعار، ونقصها بعدد من الجمعيات الزراعية، وتواجدها بوفرة في السوق السوداء. ومرت الأسمدة الزراعية بمراحل خطيرة في زيادة أسعارها، بدأت عام 2014 واستمرت حتى اليوم، ليرتفع سعر الطن الواحد من أسمدة اليوريا من 1500 جنيه الى 5200 جنيه اليوم، وطن النترات من 1400 جنيه إلى 4200 جنيه.
الاحتجاجات مستمرة
وحمل المواطنون المصريون ممن خرجوا في تظاهرات صاخبة، نظام “السيسي” المسؤولية الكاملة عن غلاء المعيشة وتدهور الاقتصاد، مؤكدين لـ “العربي الجديد” استمرار مظاهراتهم الغاضبة ضد النظام بأكمله.
حيث قال المحامي محمد فتحي إن إغلاق المصانع وارتفاع حدة البطالة تعد أزمة جعلت الشباب يتصدرون مشهد المظاهرات، إذ لن يصبر الشعب على سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتراجعة كثيرا. وأشار إلى أن نظام السيسي يفرض على الشعب فاتورة فشله وفساده، لذا من المتوقع استمرار تصاعد الاحتجاجات، “فالشعب يعلم أنه لا بديل عن الثورة لاسترداد حقوقه إلا بإطاحة النظام”.
بينما رأى المهندس حسام ربيع أن هناك موجة غضب حقيقي ضد النظام في مصر، لا علاقة لها بالفنان والمقاول محمد علي، وإنما مردها إلى ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة والجباية المفروضة حالياً على العقارات السكنية، والتردي المتواصل في مستوى الحياة.
وأوضح أن الاحتجاج الشعبي وحالة الغضب على مواقع التواصل، مؤشران على استمرار الشعب المصري في مسار التغيير، “الأمر قد يستغرق بعض الوقت، لكن التغيير سيحدث بكل تأكيد”. وأوضح الموظف سامي رزق أنه يتقاضى راتباً شهرياً من أحد المصالح الحكومية وهو 1500 جنيه ولديه ثلاثة أولاد في مراحل تعليمية مختلفة، قائلاً: “كيف أعيش بهذا الراتب الضعيف؟ فالأسعار زادت مع رفع أسعار الوقود والكهرباء والمواصلات”، مبيناً أن الشعب مستمر في الاحتجاجات حتى إسقاط النظام.
أما الموظفة نجوى صابر وهي أم لأربعة أولاد، فقالت:” لأول مرة أدفع أولادي إلى التظاهر والنزول إلى الشارع لتغيير النظام”، مؤكدة أن الظلم الواقع على الشعب المصري كبير جداً، إلا القليل منهم الذين يستفيدون من قربهم لهذا النظام.
وشرحت: “لم نعد نستطيع مواجهة الغلاء، فالأسعار ترتفع كل يوم لدرجة أن الملايين من الشعب المصري لا يستطيعون الذهاب إلى عيادات الأطباء وشراء الدواء، والبعض يستبدل العلاج بالأعشاب الطبيعية، بينما حالة المستشفيات الحكومية حدث ولا حرج. كما لم نعد نستطع دفع فواتير الكهرباء والغاز والمياه لكونها تقريباً تعادل ميزانية بيت بالكامل، ووصل الأمر إلى قيام البعض بيع أجزاء من أجسادهم مثل الكلى، لمواجهة ظروف الحياة”.