أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

في ظل كورونا احفظ الأمانة

سوسن محمد مصاروة
ما أكثر الأمانات التي نحملها، قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (الأحزاب-72). فالذين غلبهم الظلم والجهل، خانوا أماناتهم فحق عليهم عقاب الله، ولكن أهل الإيمان والأمانة هم أهل التقوى وأهل المغفرة.
وهذه أعظم الأمانات، لأنها تدعو إلى الدين والتمسك به، وتبليغه، فقد وُصف جبريل بأنه أمين السماء ووصف النبيّ صلى الله عليه وسلّم، بأنه أمين الأرض. فكل مَن جاء يعلّم الناس ويدعوهم لطاعة الله هو أمين بل مؤتمن على دعوته تعالى. ما أعطاك الله من نعمة، أمانة لديك يجب حفظها واستعمالها وفق ما أراد منك المؤتمن، كالبصر، والسمع، واليد، والرجل، واللسان، والمال، والأهل، والولد، فلا ينفق إلا فيما يرضي الله.
العَرض أمانة، فعليك أن تحفظ نفسك وأهل بيتك من الوقوع في الفاحشة، العَمل أمانة، والسر أمانة، وتضييعهما خيانة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها). البيوت أمانة، استرعاك الله على مَن فيها، الولد أمانة، حفظه ورعايته وتربيته، الزوجة أمانة، حفظها ورعايتها، والله سائلك عما استرعاك: أحَفِظت أم ضيَّعت!!
فيا خسارة مَن ضيّع الأمانة، وأساء التربية! ويا فرح مَن حفظ وأحسن!
يقول الأمام الغزاليّ رحمه الله تعالى :(إن الطفل أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما ينقش فيه ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عوّد الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عوّد الشر وأُهمل إهمال البهائم، شقي وهلك وكان الوزر في رقبة مربيه والقيّم عليه).
وأكّد ابن القيم هذه الأمانة والمسؤولية فقال: (قال بعض أهل العلم: إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة، قبل أن يسأل الولد عن والده، فكما أن للأب على ابنه حقًا، فللابن على أبيه حق، قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ً) (العنكبوت:8). وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ..). (التحريم:6)، فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم، فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسُننه، فأضاعوهم صغارًا فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارًا، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال: يا أبتِ إنك عققتني صغيرًا، فعققتك كبيرًا، وأضعتني وليدًا فأضعتك شيخًا.
فأين نحن أيها الآباء، أيتها الأمهات، من تلك الأمانات التي أُنيطت بنا لنرعاها وتكون لَبِنات خيرٍ في مجتمعنا؟ أين نحن من تلك المسئولية التي سنُسأل عنها في الدنيا، وسؤال الآخرة أولى بالاهتمام! وكيف هو حالك مع زوجتك؟ كانت تراقبه وهو يلاعب طفلته الصغيرة، والصغيرة تضحك وتقهقه سعيدة بأبيها، تحتضنه وتقبله، فقالت الزوجة: كم تحبها؟ فقال: إلى حد الجنون، طفلتي غاليتي حبيبة قلبي. اقتربَت منه وقالت له مازحة: غدا تكبر وتتزوج، ترى ماذا ستفعل إن أساء زوجها معاملتها. فقال بجدية: سأقتله. فنظرت إليه وقالت: كنتُ طفلة في سنّها، وكان أبي مغرمًا بي، سعيدًا بضحكتي، حريصًا على سعادتي وتربيتي تربية صالحة، تمنى لي الخير، فعندما جئتَ لخطبتي وافق عليك، لأنه اعتقد أنك الذي سيصون ابنته الحبيبة ويسعدها، أبي كان مثلك، أحبَّ ابنته التي هي أنا، وخاف عليّ وجعلني في قلبه ليحميني من لسعات النسيم العليل، كنتُ المدللة في بيته…كيف يكون شعورك لو أن زوج ابنتك الذي أمّنته عليها يتركها وحيدة، يستولي على راتبها ليصرفه على رفاق السوء، يحرمها حقها الشرعي ويهينها ولا يجالسها، وكيف ستفعل لو علمت أنه يضربها ويهينها كل يوم. إن كنت تخشى على ابنتك فصُنْ أمانة أبي، فإن الجزاء من جنس العمل. وإني لأخشى على ابنتي من انتقام الله من أبيها الذي خان الأمانة، وأخشى أن يريه الله العبرة في ابنته، فهل تحبها يا زوجي، هل تحب ابنتك؟
قد يكون هذا حال الكثير من الزوجات اللواتي يعانين سوء المعاملة والتهميش في الحياة الزوجية، وهو حال كثيرٍ من الأزواج الذين لا يُبالون بمشاعر زوجاتهم ويحسبون أن الأبناء هم كل الحياة، لا أيها الزوج، تزوجتها بأمانة الله فاحفظ العهد وكن أمينًا.
وتذكر أن تضييع الأمانة يعني قيام الساعة، جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يسأله: (متى الساعة؟ فسكت. فأعاد السؤال، وسكت، وبعد برهة قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: أين السائل؟ قال: ها أنا يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إِضاعتها يا رسول اللَّه؟ قال: (إِذا أُسند الأَمرُ إِلى غير أَهلِه فانتظر السَّاعة).
إن بيوتنا تشكو القيَم، فنحن فقراء في عالم الأخلاق، أنظروا إلى بيوتنا، مَن يُربي أبناءنا في الغالب؟ أتظن أنت أو زوجتك؟ كلاكما له دَور نعم، ولكن المربّين الآخرين كُثر، أسندنا أمر التربية إلى غير أهله فضاعوا، بل أضعناهم.
صارت الهواتف الذكية والبرامج التافهة والألعاب القاتلة للوقت والشخصية، والفضائيات بكل ما فيها من مسلسلات وبرامج قِبلة أبنائنا وبناتنا، نهلوا منها الكثير من القِيم التي لا ترتبط بأصول ديننا أو مجتمعنا ولا حتى عاداتنا. الانترنت بكل ما يشمل من مواقع، والإبحار فيه دون حدود، صفحات الفيسبوك والتويتر والتغريدات والتِك توك، وغيره مما لا نعلمه.. كيف يستثمرونها وقد غدت هذه من أكثر مَن يؤثر في أبنائنا.
الصحبة والرفقاء والزميلات، هل سألنا عنهم لعلمنا أن الصاحب ساحب وإذا قلتَ لي: من تُخالل، قلتُ: لك مَن أنت!!
أيها الآباء والأمهات، نعيشُ تحدّيات كثيرة، قبل كورونا ومع كورونا، وفي معترك التحديات نبحث عن الفرص لننجو، وها هي الفرصة تأتينا رغمًا عنا دون سابقَ تخطيط، جائحة كورونا، توقُّف العمل، إغلاق المدارس والجامعات، وعدم الخروج من البيت إلا للضرورة، الوضع الاقتصادي، الوضع الاجتماعي الوضع النفسي، كلّ شيءٍ تغيّر، فهل بحثنا عن الطرق الأمثل لإدارة البيت ومعاملة شريك الحياة والأبناء؟؟
إنّها فرصتكم لتعرفوا أبناءكم عن قُرب، للانتباه لهم، والجلوس معهم ومحاورتهم، لغرس القيّم في نفوسهم، لإقامة الصلاة وقراءة الأذكار معهم، لتلاوة القرآن وتعلُّم السيرة النبويّة، لإقامة المسابقات والألعاب والرياضة في البيت وساحاته، يُمكنكم أن تُبدعوا من أجلهم لأنهم أمانة بين أيديكم. احفَظوا الأمانة …كونوا مع أبنائكم لا عندهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى