“كويتز” نتفليكس: دعوة إلى استباحة الأطفال
أحمد عمر
فيلم “الفاتنات”، أثار جدلاً وخصومات بين الدول، وليس الأول من نوعه، فقد مهّدت الطريق له عشرات الأفلام.
وكان الطفل مصاناً في الغرب، وله هيبة وعليه عطف في نصف القرن الآفل، لكن على طريقة الغرب، فيُمنع تقبيل الطفل، وتقبيله من الكبار فيه شبهة جنسية. وأفلام الكبار لا تبثّ إلا بعد الساعة الحادية عشرة ليلاً، حيث يصبح ما كان محرماً بثّه مباحاً. كان ذلك في زمن التلفزيون السعيد، والأطفال جميعاً لا ينامون في الغرب في العاشرة، فلا بد أن يتسرب منهم متسربون بسبب المناوبات الليلية للآباء، فتقع كوارث.
وما تزال مواقع التواصل تحجب أفلام البيدوفيليا، حيث الطفل هو موضع الشهوة، فالدخول عليه يستوجب بعض المعلومات للتأكد من عمر الزائر!
وسنعود إلى فيلم قريب من هذا الفيلم، هو والد فيلم الفاتنات غير الشرعي، عنوانه: “مس ليتل صن شاين”، وهو اسم دال، وهو فيلم أمريكي كوميدي، إنتاج 2006، تدور أحداثه حول عائلة تقصد براً كاليفورنيا لحضور مسابقة ملكة جمال البنات في الولاية، والمشاركة فيها.
ليتل مس صن شاين:
الأسرة في فيلم الطفلة المشرقة، هي أسرة تسابق الزمن في رحلة من أجل النجاح المعبود، وهي أقل تفكيكاً وخراباً من أسرة فيلم “جمال أمريكي”. فالجد ما زال يعيش في الأسرة، وهذا نادر في الأسرة الأمريكية، ولعل البيت هو بيت الجد، وأحفاده يعيشون عنده، والجد كثير الشتم والفجور، لا يني يتشهى النساء، ويرفث، وكلامه فاحش، ويحضُّ حفيده على الفجور أمام الأسرة على المائدة، وهو يتعاطى المخدرات والمجلات الإباحية.
وستكون المجلات “الكريمة” منقذاً للأب السائق من مشكلة مرورية، والحفيد الشاب نيتشوي النزعة.. ونيتشه هو صاحب إعلان موت الإله. شعار الابن: أهلا بك في الجحيم، وقد نذر الصوم عن الكلام حتى ينال شرف دخول معهد الطيران. الصوم عن الكلام عقوبة للذات أحياناً، وعقوبة للآخرين أحياناً أخرى، فهو إما وصف للآخرين بأنهم أعاجم وبهائم، وإما هروب إلى العجمة والحالة الحيوانية بالإضراب عن النطق، وهي مسابقة جسدية في الجمال والرشاقة والرقص، وليست مسابقة علوم أو جري أو ذكاء، فالجسد الذي كان مدنّساً في الأحقاب الماضية أمسى جسداً مقدساً بشهواته ونزواته.
في الطريق يموت الجدّ متخماً بالطعام، وسيعتبر هذا نوعاً من الاستشهاد، فقد تمتع بالدنيا حتى أقصاها. يؤجلون دفنه ويسرقون جثمانه من المشفى، فهناك هدف مجيد هو المسابقة، يفكُّ الابن المكتئب إضرابه عن الكلام بتحدي المسابقة، وينخرط في معركة أخته الصغيرة من أجل إشراكها في المسابقة، وتأتي لحظة نمرة الطفلة.
يحاول الأب والابن النكوص عن المسابقة الملعونة، فالطفلة ليست بمواهب المتسابقات، وهي أقل منهن موهبة، فالجدُّ هو من علمها الرقص الجنسي، لكن الأم تصرُّ بعد قطع كل هذه المسافة، فتقدم ابنتها عرضاً جنسياً لا تقدمه إلا عاهرات علب الليل، فتصيب أكثر المشاهدين بالذعر من حركاتها الفاجرة، لكن الأسرة تتدخل لنجدة الطفلة، وتتخفف قسوة اللحظة بالكوميديا، بمشاركة العائلة معها الرقص والكوميديا، ثم يعودون مسرورين بالرغم من الخيبة. لكن الفيلم الداروني النزعة، الكينزي (نسبة إلى داو كينز)، ينال جائزتين من أكبر جوائز الأوسكار، هما أفضل سيناريو وأفضل ممثل مساعد.
بيدوفيليا الفاتنات:
فيلم الفاتنات ليس بقوة حبكة فيلم صن شاين، بطلته طفلة مسلمة اسمها إيمي، ربما يكون تصغيراً لأمينة، وليس طفلة غربية هذه المرة. سنطلب من القارئ ألا يصفق، فبطلته سبيّة خطفها الغرب، وسبب منحها البطولة هو أن الغربية نجحت في تجاوز حاجز الجسد في مس صن شاين. إيمي أكبر سناً من صن شاين، إنها تقترب من سن البلوغ. الرقص هو ميدان الفيلم أيضاً، وليس العلم ولا الفيزياء ولا رمي الكلّة، وما أكثر أفلام الغرب التي تحضُّ على الرقص من أجل تجاوز التوتر.
أكثر شعب معروف بالرقص هو شعب أفريقيا، وأفريقيا أكثر القارات تخلّفاً على الأرض. في قائمة أفلام الرقص يجد المرء أسماء أربعين فيلماً أمريكياً، وهناك نسخة عربية لإيناس الدغيدي عنوانه: “ما تيجي نرقص”. الجسد الغربي محتقن ولا بد أن يرقص حتى يرضى الرجل الغربي ويروّح عن نفسه المثقلة بالسعي وراء النجاح المقدس.
في سبيل الوصول إلى هدف المشاركة في مسابقة رقص والفوز بالجائزة، تنتهك الطفلة المسلمة إيمي جنايات وجرائم، فهي تسرق هاتف قريبها من أجل تصوير رقصاتها مع زميلاتها، وتهمُّ بقتل زميلتها التي تفوقت عليها في الرقص لكي تحل محلها في الفرقة، فتقذف بها في النهر، بل إنها تصور سوأتها وتبثها على النت لجذب الانتباه، فتصير مشهورة بلقب العاهرة بين زملائها. وكانت تتدرب على الرقص الماجن الخليع بالحركات الشهوانية، وأداء الحركات الجنسية المثيرة، كتلك التي تؤديها عاملات الجنس في علب الليل، لكنها في نهاية الفيلم تعود إلى أمها في لحظة إشراق وتوبة إنسانية.
يريد الفيلم القول: إن طفلات الغرب أكثر رشداً من الطفلة المسلمة، فهنَّ يرقصن، لكن لا يصورن سوآتهن، السبب برأي الفيلم هو والدها الذي يريد الزواج من ثانية، فالغربي الطاهر لا يتزوج امرأة ثانية، إنه عفيف، حضاري.
يسخر الفيلم من معتقدات المسلمين، فالطفلة عند حضور مجلس الذكر والحديث عن الملائكة التي تحفُّ الذاكرين كما تقول العظة، ترفع رأسها وتتطلع بحثاً عن الملائكة فلا تجدهم. الفيلم ينتصر للطفلة التي تهبُّ أمها للدفاع عنها عندما تقرّعها عمتها بسبب ارتدائها زي العاهرات، وتحذّر العمّة من تعنيف طفلتها، وهي أعلى لحظات الفيلم وجداً وعاطفة! إنها دعوة للفردية وقطع أواصر الأسرة.
شهرزاد ترحل إلى الغرب وتعمل راقصة:
لفهم رسالة الفيلم الذي أباحته السعودية المسلمة، وحظرته تركيا العلمانية، نعود إلى كتاب “شهرزاد ترحل إلى الغرب”. إباحة السعودية للفيلم كانت مقابل حذف فيلم لحسن منهاج على منصة نتفليكس من منصتها، يسخر من ابن خادم الحرمين. فيفتي فيفتي. دول أخرى همّت بحذفه مثل الهند وسنغافورة..
كتاب المرنيسي واجب للقراءة، ترجم إلى لغات كثيرة، وهو لكاتبة مغربية عاشت في الغرب، وكتبته بالفرنسية، تبرهن من خلال الآداب والنصوص الأدبية أنَّ الحريم هو في الغرب المتعالي، وليس في الشرق المتّهم بظلم المرأة، فتعود إلى شهرزاد التي استطاعت بعقلها وحكمتها إنقاذ بنات جنسها من القتل في حكاية ألف ليلة وليلة الأولى والأساسية، وكانت قد “سُبيتْ” على يد أنطون غالاند أول مرة. إذ أحالتها الترجمة السردية الكلامية ثم السينمائية من عقل عظيم وذكاء وقّاد إلى جسد راقص، وانصرف الخيال الغربي عن بطولتها، إلى علاء الدين وعلي بابا، وستستقر صورتها في أفلام الغرب كامرأة راقصة!
والحريم يعني في الغرب الجنس والإغراء، شهرزاد عند الغرب امرأة متهتّكة، تتلوى، ثم صارت بعد “أب ديت” مصاصة دماء، وعن طريق شهرزاد دخل الكحل ومواد التجميل إلى الغرب. لم يكن الغربيون يعرفون الحمّام، تشهد بذلك مصنفات كثيرة، ولا يزال الحمّام بركة قذارة. أمس رأيت كاوبوي يحلم بطله بحمّام تركي بعد انتهاء عملية السطو! فالغرب يعترف للشرق ببعض الفضائل من غير قصد!
تنفي الكاتبة بدعة الحريم عن الشرق المسلم، فهو خيال استشراقي شاع في لوحات إنجر وماتياس وبيكاسو. فالحريم في لوحاتهم لا يركبن الخيول ولا يسهمن بالسهام، كما في منمنمات الشرق، بل إن الحريم الشرقي كان محجباً ومستوراً ومحرّماً لا يطال إلا من المحارم.
تذكر الكاتبة بأن هارون الرشيد الذي تنسب إليه الذكورية العربية كان يقول: “ما لي تطاوِعُني البَرِيّةُ كُلُّها.. وأُطِيعُهُنّ وهُنَّ في عِصْياني”. وأن الحريم هو في الغرب لكنه مقنّع بغلالة حضارية. وأن الصورة المثلى للمرأة في الغرب هي لوحة امرأة عارية محبوسة في اللوحة. تنعى الكاتبة الحكاية الشفاهية بعد أن هزم التلفزيون الأمهات العربيات وسرق منهن السيادة، وحكاية ما قبل النوم، فسادت الصورة وقهرت الكلمة، وتتذكر قول طه حسين الذي عزا سبب الحرب العالمية إلى غياب شهرزاد غربية!
تقول المرنيسي: إن المرأة الغربية مخدوعة، وهي أسيرة ومستعبدة، ولن تتحرر ما دامت تستخدم جسدها لا عقلها، وإن شهرزاد أدركت أن زوجها شهريار يربط الجسد بالألم وليس باللذة.
اختصر صحفي غربي عقيدة الغرب في الحريم الإسلامي العربي للكاتبة بقوله: إن عقيدة الحريم سبب وحدة أوروبا. تاريخ النسوية الغربية يلخص بهذه القولة: “الرجل يفعل والمرأة تتعرى”.
تمنيت لو لخصت الكتاب للقارئ، وهو واحد من أهم الكتب التي قرأتها. وأختم فأقول: إن الغرب كان قد سبى شهرزاد قبل قرنين وجعلها راقصة في الأفلام، وها هو ذا يغير بعد قرن على طفلة ويجعلها تعمل راقصة، ويحضّها وأمثالها على التمتع بجسدها قبل أوانه، فيشردها عن طفولتها، ويحثّها على التمرد على دينها وأسرتها.
تحارب قوانين الأمم عمل الأطفال، وهذا الفيلم يحثّ على النخاسة الجنسية قبل البلوغ، وستنال “اللطيفات” جوائز كثيرة، وهو فيلم جاد لا يتودد بالكوميديا مثل مس ليتل صن شاين، وقد نجد من يصفه بالجرأة!