استعمار وعي الشّباب العرب والمسلمين
محمد شباط
في زمننا المتقلّب، كثيرًا ما سمعنا وما زلنا نسمع وسوف نستمرّ بسماع صوتٍ ينادي الشّباب والشّابّات بالتحرّر. التحرّر من ماذا؟ وهل هذا التحرّر حقيقيٌّ أم مجرد وهمٍ يُباع ويشتريه من لم يُحصّن نفسه من الاستعمار الفكريّ؟
كلّ إنسانٍ دونَ استثناءٍ خاضعٌ للعُرف. والعُرف في العادة شيء قابلٌ للتّجديد والتّغيير مع الحفاظ على أسس متينة لا تقبل المساس بها. والعُرف هو المتعارف عليه بين مجموعةٍ من النّاس، نستطيع تسمية هذه المجموعة “بالمجتمع”.
يولدُ الإنسان طِفلًا فيخضع لما هو متعارفٌ عليه في مجتمعه الصّغير وهو أسرته، اِفعل كذا ولا تفعل كذا، وهذه الأوامر والخطوط الحمراء تصبح عُرف هذا المجتمع الصّغير، وتكون أوّل خضوع الإنسان له وأوّل اصطدامٍ له به.
يكبر الإنسان ويترك جيل الطفولة، ويتدرّج بين المجتمعات كطالبٍ مدرسيٍّ، ثم خِرّيجٍ ثم طالبٍ جامعيّ. وفي كل مرحلةٍ من هذه المراحل يكون خاضعًا لعُرف المجتمع الّذي هو جزء منه، المجتمع الكبير والمجتمع المصغّر.
ينهي دراسته الجامعيّة، ثمّ ينتسب إلى مجتمع الموظّفين، فيصبح جزءًا من هذا المجتمع، ويخضع لعُرفه من ساعات الوصول إلى العمل إلى ساعة المغادرة، مع المحافظة على القوانين في السّاعات التي بينهما، وإلّا فهو في خطر خسارة وظيفته.
ثمّ يخرج للحياة الاجتماعية، والتي لها عُرفٌ خاصٌّ بها من كلام ولباس وصفات مقبولة ومرفوضة في كلّ مجتمع.
ما نسمعه كثيرًا من ثورة ومن نداء للتحرّر، هو ببساطة محاولة جرّ هذا الإنسان من مجتمعه الّذي له عُرفه الخاصّ، والّذي لا يروق لأصحاب القرار في الغرب وأذنابهم في الوسط العربيّ. إلى مجتمعٍ له عُرفٌ مُختلف. في العادة وفي وقتنا عُرف المجتمع الّذي يحاول المجتمع العالميّ توسيعه والتّسويق له في رقعة المجتمع العربي؛ هو المجتمع الّذي يتّخذ السلاح والقتل، قلة الحشمة والدّناءة وسوء الأدب والأخلاق عُرفًا. فغلّفوا هذا العُرف سيّئ القوانين، مستغلّين الشهوة الإنسانيّة الّتي يضبطها عُرف المجتمع العربيّ الّذي يرتكز على أسسٍ متينةٍ كالخُلٌق الحسن والكرامة والمروءة والشجاعة وصلاحيّة الأب والأم كملكٍ وملكةٍ في بيتهما. وعلى الإسلام في أغلب الأحوال؛ من حلالٍ وحرامٍ وحشمةٍ وسماتٍ نبيلة. وقاموا بتلميع هذا الإنحلال وأعطوه اسمًا جميلًا فسمّوه “ثورة” تارةً وسمّوه “تحرّرًا” تارةً أخرى.
والإنسانُ كالإنسانِ لا يستطيع الحياة دون عُرفٍ وضوابط. وبدأنا نرى ميول البعض ليكونوا جزءًا من عُرف المجتمع العربيّ الجديد الّذي يقبل بالشذوذ وتغيير جنس الإنسان، ينادي باحترام الإلحاد وحرية التعرّي وحق الشّاب والشّابّة بالمُساكنة دون عقد زواجٍ يجمع بين الشخصين.
الحقيقة أنّنا جميعًا نرى هذا حتى أصبح منظرًا اعتياديًّا.. وهذا هو استعمار الوعيّ بأوضح تجلّياته، أنّ يركن العربيُّ عُرفه جانبًا كأنّه مركبةٌ مهترئة، ويتبنّى ما شاء له الغربُ أن يتبنّى ورضي له.
هذا لا يعني أنّ مجتمعنا مثاليٌّ طبعًا، هو أبعدُ ما يكون عن ذلك. ويحتاج إلى إصلاحاتٍ عديدة وإلى صبرٍ وتخطيطٍ ومعاينة ما وجب معاينته، ولكن دون عُرفنا وديننا، فنحن نتشبّه بالمسوخ الّذين لا تُعرف لهم مقدّمةٌ من مؤخّرة. وأوّل من سيعاني من تبعات هذا الإنحلال؛ هي القدس.
عافانا الله وإياكم.