التودد الإماراتي لمالطا.. مكايدة سياسية لتركيا أم توسيع نفوذ؟
أجرى وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي “أنور قرقاش”، قبل يومين، اتصالا هاتفيا بنظيره المالطي “إيفاريست بارتولو”؛ لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين، إذ تناول تطورات الوضع في شرق البحر الأبيض المتوسط والتوتر في المنطقة، وذلك في إطار مساعي أبو ظبي لتعزيز خطوات التقارب مع فاليتا.
ربما لم تشهد العلاقات الإماراتية المالطية توترًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، غير أنها في الوقت ذاته ظلت باردة، وخلال الأسابيع الماضية زادت وتيرة محاولات التقارب بين البلدين بشكل لافت للنظر، ولا سيما أنها تزامنت مع محاولات مشابهة من قبل مصر وفرنسا، حلفاء الإمارات في العديد من الملفات الإقليمية.
الملاحظ أن هذا التقارب جاء بعد دعم السلطات المالطية لحكومة “الوفاق الليبية”، المعترف بها دوليا، برئاسة فائز السراج، والتي وقعت معها مذكرة تفاهم، مايو/آيار الماضي، في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية وتعزيز العلاقات بين البلدين، الأمر الذي أثار حفيظة المحور الداعم للجنرال الليبي خليفة حفتر.
التزامن بين التقارب الإماراتي المالطي من جانب، ودعم الأخيرة لحكومة السراج وتوطيد علاقاتها مع تركيا من جانب أخر، أثار الكثير من التساؤلات حول مساعي أبو ظبي لإبرام العديد من الاتفاقيات التعاونية مع فاليتا، فهل يأتي الأمر نكاية في أنقرة أم رغبة حقيقية في تعزيز النفوذ الإماراتي إقليميًا؟
التقارب مع حكومة الوفاق
شهدت العلاقات بين مالطا وحكومة السراج خلال الفترة الماضية تنسيقًا كبيرًا فيما بين البلدين، حيث جاءت عملية “إيريني” البحرية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي، في 31 آذار/ مارس الماضي، والمتعلقة بمراقبة حظر توريد السلاح إلى ليبيا، لتقرب بينهما، بعدما أعلن الجانبان رفضهما لها.
وجاء الرفض من الجانبين بسبب أن تلك العملية لا تشمل مراقبة الأسلحة التي تصل إلى قوات حفتر، الأمر الذي يهدد الأمن القومي لمالطا من حيث تدفق الهجرة غير الشرعية، ومن جانب أخر يفرض سياسة الكيل بمكيالين وهي السياسة التي رفضتها مالطا في التعامل مع هذا الملف الحساس بالنسبة لها.
ونظرا لأن السواحل المالطية لا تبعد عن شواطئ العاصمة الليبية طرابلس سوى نحو 357 كلم فقط، ما يجعلها واحدة من أقرب المناطق الأوروبية إلى ليبيا، وعليه ستكون هدفا أساسيًا للمهاجرين غير النظاميين الذين ينطلقون من السواحل الغربية لليبيا لاسيما شواطئ زليتن والقره بوللي، وصرمان وصبراتة ومليتة، وزوارة، وأبو كماش.
الرفض الثنائي لتلك العملية الأوروبية ألقى بظلاله الإيجابية على العلاقات بين البلدين، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية المالطي، حين قال في تدوينة له على حسابه الشخصي على فيسوك، نهاية حزيران/ يونيو الماضي، إن “حكومة الوفاق تمكنت على الرغم من كل مخاوف الحرب التي سببتها، ووباء كورونا، وبوسائل محدودة للغاية، من منع المتاجرين بالبشر من إرسال 2000 مهاجر آخرين إلى مالطا”.
وبعد هذا الموقف المشترك تبادل الجانبان الزيارات المتبادلة، حيث استقبل رئيس وزراء مالطا روبيرت آبيلا، رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج، استقبالا باهرا في 6 يوليو/تموز/ يوليو، حيث افتتحا خلال هذه الزيارة المفاجئة، والتي لم يعلن عنها قبل موعدها، مركزا للتنسيق المشترك بين البلدين لمواجهة الهجرة غير النظامية بفاليتا.
وفي الخامس من أغسطس/آب الماضي زار وفد أمني من مالطا (ممثل عن رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع) العاصمة الليبية طرابلس لمناقشة العديد من الملفات الأمنية المشتركة على رأسها سبل مكافحة الهجرة غير النظامية، فيما يشير البعض إلى احتمالية توقيع الحكومة الليبية اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع مالطا، على غرار تلك الموقعة مع تركيا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
توطيد العلاقة مع تركيا
الأشهر القليلة الماضية شهدت هي الأخرى العديد من المؤشرات على تقارب المواقف التركية المالطية حيال العديد من القضايا والملفات الإقليمية المشتركة، وهو ما جسدته مخرجات اللقاءات التي جمعت مسئولي البلدين، كان أخرها لقاء وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو ونظيره المالطي إيفاريست بارتولو، في طرابلس، بداية أغسطس الماضي.
ويأتي لقاء طرابلس في إطار سلسلة اللقاءات التي عقدت خلال الأسابيع الماضية لتعزيز مسارات التقارب بين الجانبين خاصة في ظل السخونة التي تشهدها المنطقة جراء تصاعد التوتر على أكثر من جبهة، وعلى رأس تلك اللقاءات اجتماع وزير الدفاع التركي خلوصي أقار ورئيس أركان الجيش يشار غولر وعدد من قادة الجيش مع وزير الداخلية ورئيس أركان الجيش المالطيين بداية يوليو/تموز الماضي.
وقد أسفرت تلك المباحثات المكثفة عن التوافق على عدد من القرارات حيال بعض الملفات أهمها إعلان مالطا انسحابها من المشاركة في مهمة “إيريني” الأوروبية المنوطة بضمان تطبيق قرار مجلس الأمن بحظر توريد الأسلحة إلى أطراف النزاع الليبية، في مايو/أيار الماضي.
الأمر لم يتوقف عند مجرد الانسحاب بل اتهم وزير الخارجية المالطي الاتحاد الأوروبي بعدم دعمها في ملف الهجرة غير الشرعية، لافتا خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه ونظيره التركي أسباب هذا القرار قائلا: “بالتأكيد لا نؤيد وصول الأسلحة إلى ليبيا، ولكن يجب أن نكون منصفين، ينبغي أن لا نكون منافقين، وأن لا نكيل بمكيالين”.
كما شدًد على ضرورة أن يشمل قرار الحظر جميع الطرق البرية منها والجوية وهي المسارات التي تعتمد عليها مليشيات خليفة حفتر في جلب الأسلحة والعتاد، مؤكدا على أهمية السلام في الشرق الأوسط وثقته بإمكانية حلحلة الأزمة أيا كان تصاعدها، لكن بشيئ من الحكمة والتوازن والموضوعية وعدم الخلط بين الأوراق.
وزير الخارجية المالطي أشار خلال المؤتمر إلى عمق العلاقات مع أنقرة، موضحا أن الجانبين قطعا شوطا طويلا لتعزيز سبل التعاون في العديد من المجالات الأخرى كالتجارة والاستثمار والتعليم والسياحة والصحة، مبديا رغبته في تطوير المشروعات المشتركة بين البلدين خاصة وأن الشركات التركية تتمتع بصورة ذهنية جيدة في بلاده على حد قوله.
وكما هو الحال في إفريقيا، شمالها وشرقها، تسعى الإمارات إلى مناهضة الحضور التركي عبر تعزيز نفوذها بشتى السبل، مستخدمة في ذلك سلاح الإغراءات المالية عبر دعم أنظمة الحكم العسكرية في معظمها، وها هي تكرر المخطط ذاته أوروبيًا من باب “الاصطياد في الماء العكر”، مستغلة حالة التوتر المرحلي بين أنقرة والاتحاد الأوروبي.