أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الإسلام مثل الخشبة في الماء، لا يغرق ولا يحترق

الشيخ كمال خطيب
في ظل هذه الحرب السافرة والمستعرة ضد الإسلام والمسلمين مع اختلاف أسمائها ورموزها وراياتها يتساءل كثيرون، لماذا لا ينتصر الإسلام مع أنه دين الله الحق، ولماذا لا ينتصر الحق في جولاته ضد الباطل، بل ولعلّ في التساؤل أحيانًا بعض جرأة سببها صلف الباطل ووقاحة أعوانه حين يقال: لماذا الله يترك الباطل يصول ويجول، لماذا وهل تخلّى الله عن أهل الحق وتركهم وحدهم؟
ما أسهل الجواب وما أوضحه حين يكون: إن نجاة وانتصار الباطل في معركة من المعارك أو جولة من الجولات فليس معناه أن الله تاركه، ولا خروج للحق من إحدى المعارك أو الجولات مهزومًا أو مثخنًا وبقاؤه لفترة من الزمان تطول أو تقصر ضعيفًا، فليس معناه أن الله ناسيه، فمعاذ الله أن يترك الله الباطل يصول ويجول وأن يتخلى الله عن الحق، وإنما هي حكمة وتدبير حين يملي الله للباطل وأهله أن يوغلوا في جرمهم وحربهم ضد الحق وأهله ليميز الله الخبيث من الطيب، بل ليميز الله من ينتسبون إلى الحق. هل هم كذلك أم أن انتسابهم للحق فيه زيف وخبث.
وما أجمل ما قاله فضيلة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى: “فإذا احتدمت المعركة بين الحق والباطل حتى بلغت ذروتها، وقذف كل فريق بآخر ما لديه ليكسبها، فهناك ساعة حرجة يبلغ الباطل فيها ذروة قوته، ويبلغ الحق فيها أقصى محنته، والثبات في هذه الساعة الشديدة هو نقطة التحول، وهو الامتحان الحاسم لإيمان المؤمنين سيبدأ عندها، فإذا ثبت أهل الإيمان تحول كل شيء عندها لصالحهم، فيبدأ الحق طريقه صاعدًا، ويبدأ الباطل طريقه نازلًا، وتقرر باسم الله النهاية المرتقبة”.
وفي أوج هذه المعركة وهذا الصراع بين الحق والباطل فإنه لا حجة ولا كرامة لأولئك الذين يقفون على الحياد في أوقات المعارك الفاصلة. إنني أنا وأنت، لن نسأل فقط عمّا نقوله، بل سنسأل ونحاسب لما لم نقله أو لسكوتنا عن قول الحق حينما كان يتوجب علينا أن نقوله وننطق به. إن الرجولة واحتدام الذات لا تقبل لأحدنا أن يكون إمعة كالريشة تدور مع الريح حيثما دارت، مسلوب الإرادة متقلب التوجه. وإن الدين لا يقبل من أحدنا أن يكون متلونًا {لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ} آية 43 سورة النساء. ولا يقبل أحدنا كذلك أن يكون رماديًا بين السواد والبياض، بين الحق والباطل ينتظر الفرز ووضوح الصورة حتى يحدد موقفه، فإنه لا أقبح من ذلك، بل إنه الجبن بعينه أن تنتظر حتى آخر جولة من جولات الصراع فتصفق وتهتف فيها للمنتصر أيًا كان، بل الرجولة والشجاعة واحترام الذات أن تساهم في انتصار الحق منذ الجولة الأولى مهما كان الثمن ومهما كان تداول الجولات والأيام {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الْنَّاسِ}.
وما أجمل ما قاله الدكتور حسان شمسي باشا: “الصراع بين الحق والباطل له ميدانان، ميدان النفس البشرية, فالإنسان قابل للهدى والضلال: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} آية 7-8 سورة الشمس. وقوله {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} آية 3 سورة الإنسان. وأما الميدان الآخر فإنه ميدان الصراع على مستوى المجتمعات والملل كالصراع بين المسلمين وبين أعدائهم كما كان يومًا مع الفرس والروم والصليبيين وفرنسا وروسيا وأمريكا ومع المشروع الصهيوني وغيرها. فعليك بطريق الحق ولا تستوحش بقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل ولا تغترّ بكثرة الهالكين”.
وإذا كنا مطالبين في معركة ميدان الأعداء الخارجيين بالإعداد {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} آية 60 سورة الأنفال، ومطالبين كذلك باستخدام سلاح الدعاء والاستعانة عليهم بالله جلّ جلاله كما يفعل النبي صلى الله عليه وسلم في كل معركة، وموقفه ودعاؤه في يوم بدر مما يجب أن يعرفه ولا ينساه كل مسلم “اللهم انجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض”.
فبمثل ذلك بل أكثر منه فإننا مطالبون في معركة النفوس والقلوب أن نجتهد في رد السهام التي تستهدف قلوبنا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “المؤمن بين شدائد خمس، نفس تنازعه، وشيطان يضله، ومنافق يبغضه، ومؤمن يحسده وكافر يقاتله”،
لكنه مع الاجتهاد في رد السهام عن قلوبنا ونفوسنا فلا بد من الدعاء.
نعم إن القرآن الكريم وإن النبي صلى الله عليه وسلم في سنته الشريفة قد أرشدنا إلى ضرورة الدعاء لأهم عضو فينا، إنه القلب لإنه إن صلح صلح سائر الجسد وإن فسد فسد سائر الجسد. ولأنه هو أكثر من يتعرض من سهام الأعداء في معركة النفوس عامة، وبالذات في مرحلة الفتن والبلاء وسطوة الباطل، وعلوّ صوت النفاق وصولات التثبيط والتيئيس والإحباط والزعم بأن الإسلام قد مات وانتهى دوره وأن الدور هو للباطل وأهله.
ففي القرآن الكريم تخصيص للقلب بالدعاء من الزيغ عن الهدى {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} آية 8 سورة آل عمران.
وفي القرآن الكريم دعاء للقلب، لسلامته من الغل والأنانية {وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} آية 10 سورة الحشر.
وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “يا شدَّادَ بنَ أوسٍ! إذا رأيتَ النَّاسَ قد اكتنزوا الذَّهبَ والفضَّةَ؛ فاكنِز هؤلاء الكلماتِ: اللَّهمَّ إنِّي أسألُك الثَّباتَ في الأمرِ، والعزيمةَ على الرُّشدِ، وأسألُك موجِباتِ رحمتِك، وعزائمَ مغفرتِك، وأسألُك شُكرَ نعمتِك، وحُسنَ عبادتِك، وأسألُك قلبًا سليمًا، ولسانًا صادقًا، وأسألُك من خيرِ ما تعلَمُ، وأعوذُ بك من شرِّ ما تعلَمُ، وأستغفرُك لما تعلَمُ؛ إنَّك أنت علَّامُ الغيوبِ”.
وتقول أم سلمة رضي الله عنها، كان أكثر دعائه صلى الله عليه وسلم: “يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك”.
ويقول صلى الله عليه وسلم: “إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلِق الثوب الخَلَق، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم”.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: “اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، ومن أمامي نورًا، ومن خلفي نورًا، واجعل لي في نفسي نورًا”.
ويقول عبد الله بن مسعود: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا هذا الكلام: “اللهم أصلح ذات بيننا وألّف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام”.
نعم إننا مطالبون بالدعاء ليس على الأعداء فقط بل بالدعاء لقلوبنا، وقد قال أحد العلماء: ابحث عن قلبك في ثلاثة مواطن، عند سماع القرآن الكريم وعند قراءته، وفي مجالس الذكر والعلم، وفي الخلوات، فإن وجدت قلبك فاحمد الله على هذه النعمة، وإن لم تجده في هذه المواطن الثلاثة فاسأل الله أن يمنّ عليك بقلب لأنه لا قلب لك”.
وقد قال أحد الناس لصاحبه: “إن قلبي لا يرتاح لفلان، قال:ولا أنا، ولكن وما يدريك فلعلّ الله طمس على قلوبنا فأصبحنا لا نحب الصالحين، أي لعلّه هو رجل صالح ونحن قد فسدت قلوبنا.
إننا في الزمان الأغبر من الفتن كقطع الليل المظلم، ليس فتن تكالب الأعداء وإنما زاد عليها خيانة الأمراء وزادت أكثر ضلالة العلماء وفتاويهم وسوقهم في قطيع الظالمين سوقًا ومحاولة إضعاف معسكر الإيمان لصالح الكفر ومعسكر الحق لصالح الباطل. هنا وجب علينا أن نذكّر بعضنا بعضا ونقوي بعضنا بعضًا وأن نتعاهد على الحق بإذن الله ونتواصى بالحق وبالصبر والأمل واليقين بالنصر والفرج بإذن الله تعالى.
وما أجمل ما قيل في بيان زيف الباطل وزهوته من أن تمشّى الباطل يومًا مع الحق فقال الباطل: أنا أعلى منك رأسًا. قال الحق: أنا أثبت منك قدمًا. قال الباطل: أنا أقوى منك. قال الحق: أنا أبقى منك. قال الباطل: أنا معي الأقوياء والمترفون. قال الحق: وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلّا بأنفسهم وما يشعرون. قال الباطل: أستطيع أن أقتلك الآن. قال الحق: ولكن أولادي سيقتلونك ولو بعد حين.
إنه الحق حتمًا منتصر، وحتمًا فإن الباطل سيهزم بإذن الله، وإن مكر أعداء الحق مهما بلغ كما قال الله تعالى {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} إلّا أنه حتمًا مهزوم.
وإن الحق كما شبّهه أحد الصالحين فقال: “الحق مثل الخشبة في الماء لا يغرق ولا يحترق” أي أنه عصيّ على الغرق، لأن الخشب لا يغرق وإنه عصيّ على الحرق والنار لأنه مشبّع بالماء. فمهما حاول أهل الباطل أن يغرقوا سفينة الحق فلن يستطيعوا، ومهما حاولوا إحراق مراكب الحق فلن يكون لهم ذلك بإذن الله تعالى، ومهما حاولوا اقتلاع الحق من هذه الأرض فإنهم إلى بوار. فكيف وأنّى لهم ذلك فالحق والإسلام مثل الخشبة في الماء ومثل الشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء. وإذا كان الله تعالى قد نجّى إبراهيم من الحريق ونجّى موسى من الغريق، فكيف لا ينجي الإسلام الذي جاء به إبراهيم وموسى وختمه أخوهم محمد صلى الله عليه وسلم من الغريق والحريق.
‏فوحقّه لأسلّمن لأمره في كل نازلة وضيق خناق
موسى وإبراهيم لمّا سلّما سلما من الإغراق والإحراق
وليس أن الإسلام لن يغرق ولن يحترق، بل إنه هو وحده خشبة الإنقاذ وسفينة النجاة للبشرية التائهة في أمواج المادية وفي لهيب الضلالة تكاد تحرقها وتغرقها. وما أجمل ما قاله الشاعر أحمد مطر:
قطفوا الزهرة.. قالت من ورائي برعم سوف يثور
قطفوا البرعم.. قالت غيره ينبض في رحم الجذور
قلعوا الجذر من التربة .. قالت إنني من أجل هذا اليوم خبأت البذور
كامن ثأري بأعماق الثرى وغدًا سوف يرى كل الورى كيف تأتي صرخة الميلاد من صمت القبور، تبرد الشمس ولا تبرد ثارات الزهور.
تبرد الشمس ولا تبرد حرقة قلوبنا نحن المسلمين وغيرتنا على ديننا، وأن نعود نرى راياته تخفق في العالمين.
تبرد الشمس ولا تبرد هممنا ولا عزائمنا في أن نظل على العهد، فلا نقيل ولا نستقيل، وأن نظلّ للإسلام جنودًا أوفياء بإذن الله.
تبرد الشمس ولا يبرد شوقنا لليوم الذي فيه يعلو صوت الحق على الباطل وتعود للمسلمين الصولة والجولة، وأن يكون لنا بإذن الله دولة وخليفة وجيش وعاصمة وعلم به تنادي الدنيا كل الدنيا بل نتحدى الدنيا كل الدنيا ولسان حالنا يقول:
يا هذه الدنيا أصيخي واشهدي إنّا بغير محمد لا نقتدي
إسلامنا نور يضيء طريقنا إسلامنا نار على من يعتدي
فإلى الحق ومع الحق ومع الإسلام، فدوروا به ومعه حيثما دار حتى نلقى الله ونحن على ذلك، فيا ربنا {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى