الأسرة المسلمة بين مطرقة الانفتاح والتحرر وسندان المحافظة على الثوابت
أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
تعتبر الأسرة اللّبنة الأولى في تكوين المجتمع، بل أنها من أهم أساسات المجتمع الفاضل، فإذا صلُحت الأسرة صَلح المجتمع بأكمله، وإذا فسدت الأسرة فقد فسد المجتمع. كيف لا وهي تعتبر صمام الأمان والسد المنيع أمام الهجمات المتتالية من قبل أعداء الإسلام على الأسرة المسلمة بوجه الخصوص، لأنهم علموا علم اليقين أن الاحتلال العسكري لبلاد الإسلام والسيطرة على مقدرات وثروات بلادهم، سيكلفهم الشيء الكثير الكثير.
لذلك فقد أقام أعداء الأسلام مراكز للأبحاث، تم تمويلها بسخاء كبير، جُلّ همها العمل على تفكيك الأسرة المسلمة، وهدم القيم والثوابت الدينية والعرفية التي بُنيت على أساسها الأسرة المسلمة مثل، قيم الحياء، والعفة والاحترام المتبادل والقوامة …….. وإلخ، من قيم طيبة كانت ولا زالت أساس التعامل في الأسر المحافظة واستبدالها بمصطلحات محدثة، حيث أصبح التبرج والسفور، حرية شخصية، والعفة والحياء، تخلف ورجعية، والزنا والرذيلة، حرية شخصية. لذلكَ، أعلن أعداء الإسلام الحرب علينا، ولكنها حرب من نوع آخر غير الحرب التقليدية التي نعرف. إنها حرب القوة الناعمة التي تتغلغل في أعماق العقول الضعيفة الفارغة، التي يُبهرها الغرب بقشوره البراقة. نعم، إنها الحرب الأيديولوجية التي تعمل على تغيير الثوابت من القيم الأصيلة وتشويهها لدى أبناء المسلمين، فينشأ جيلٌ مسلم لا يعرف من الإسلام إلا اسمه، يردد كالببغاء ما يُقال أمامه، دون فهم، أو وعي لأبعاد ما يُطالب به.
وأهم هذه التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة (تسونامي الانترنت) الذي كسَّر وخلع الأبواب دون استئذان ودخل بيوتنا، شئنا أم أبينا، وقد وصفتُ هذه الثورة التقنية (الإنترنت) بتسونامي، لان جانبه السلبي ملموس أكثر من جانبه الإيجابي، وسيئاته لها وقع أكبر على أسرنا من حسناته، فيكفي أن تقنية الإنترنت ومن خلال الهواتف الذكية باتت مسيطرة على أفراد الأسرة بشكل كامل، فهي ملازمة لكل فرد كاسمه لا يستغني عنها لحظة!!!
نعم يا سادة، هذا واقعنا المرير الذي نعايشه!! وإلا ما معنى أن يجتمع أفراد الأسرة بغرفة واحدة، ولكن كل واحد منهم مشغول بعالمه الخاص، لا أحد يعرف عن الآخر شيئا. فلا أحاديث عائلية ولا مناكفات بين الإخوة ولا حوارات تدور فيما بينهم!
إنهم من رحم واحد صحيح لكنهم أغراب!!! يا لهول ما وصلنا إليه! تبا لهذه التقنية التي فكّكت أسرنا وأوسعت فيها الشرخ، والطامة الكُبرى أن الجميع يعلم عن هذا الوضع المزري الذي وصلت إليه أسرنا! ولكن الجميع يقول ماذا نفعل؟!، لا نستطيع التعايش في هذا الزمن من غير الإنترنت ومن غير هواتف ذكية، فهذا الشيء من متطلبات ومستلزمات العصر.
فعلا هذا من متطلبات العصر، وأنا لا أنكر ذلك، كما لا أقول إن هذه التقنية بكُلّيتها سلبية، فلها الإيجابيات الجمّة من تسهيل أمور الاتصال والتواصل عبر القارات حتى خلال ثواني معدودة وغيرها، ولكن ألا نستطيع لأجل أسرتنا الاستغناء عن هذه الهواتف بتقنيتها ولو ليوم واحد!! وأن نخصص يوما أو عدة ساعات حتى تجتمع فيها الأسرة بدون استعمال الهواتف والحواسيب ومشاهدة التلفاز، بل تجتمع العائلة الأب والأم والأولاد لمناقشة قضايا عائلية، أو مناقشة قضايا تخصنا كمسلمين أو زيارة الأقارب والأرحام، أو ربما نخرج في رحلة أو جولة لمكان قريب جميل، يغير لنا النفسية المرهقة من ضغط الحياة ومتطلباتها؟!
بالله عليكم، حاولوا تطبيق هذه الفكرة وتجربتها، وإني على يقين أنكم ستشعرون بالفرق الشاسع والراحة النفسية والذهنية ولو لسويعات.
أمّا التحدي الثاني الذي يواجه أسرنا المسلمة، فهو التحدي القائم منذ عقدين أو ثلاثة من الزمن مع بعض الجمعيات الحقوقية والنسوية التي تطل علينا، وتنادي وتطالب بحق المرأة في ممارسة الجنس والرذيلة مع من تشاء، وفي أي وقت تشاء، طالما كان هذا العمل المخزي المقرف الشائن بالاتفاق والتراضي.
كما أن هذه الجمعيات، تطالب بالسماح للمرأة الإنجاب إن أرادت خارج إطار العائلة، وكذلك السماح للمرأة بالإجهاض دون عقاب، وكأن هذه المطالب هي من سترفع مكانة المرأة علميا وثقافيا وتنمويا، وهنالك ممن يدّعون الإسلام، يطالبون السماح للشواذ والشاذات جنسيا، إقامة عائلة وإنجاب أطفال، وذلك من خلال زواج امرأتين ورجل، أو رجلين وامرأة، والأمر اللافت للنظر أن هذه المطالب الشائنة المجرمة بحق الإنسانية المخلّة بالقيم والأخلاق، تلقى صدى وتجاوبا منقطع النظير من قبل الجمعيات الصهيوأمريكية، ومن بعض المسؤولين الكبار في بعض الدول الإسلامية الذين يتلقون الدعم المالي الكبير من هذه الجمعيات، شريطة أن يكونوا جنودا مطيعين لتنفيذ أجندات هذه الجمعيات. وإن قمع المظاهرة الرافضة لهذه المطالب المقوننة ضمن اتفاقية (سيداو) في رام الله الأسبوع المنصرم، خير مثال على هذا التخاذل المخزي والانجرار وراء هذه الاتفاقية، التي تدعو بكل وقاحة إلى تفكيك الأسرة المسلمة بشكل خاص تحت مسميات عدة.
هم بذلك يريدون إثبات وتطبيق نظرية سارتر (الوجودي الملحد) بهدم الأسرة كليا في أي مجتمع كان، لأنه لا ضرورة لوجود رابط أسري وصلة نسب ومصاهرة بين أفراد المجتمع، أي باختصار العمل على تأسيس مجتمع (بهيمي) والعياذ بالله.
لذلك فإن هدفهم المباشر، أن يخرجوا المرأة من كل ما هو شرعي وتقليدي، فيجردوا المرأة من الحياء لأن (الحياء والإيمان قرناء) كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندما تتخلى المرأة المسلمة عن عفّتها وحيائها نصل لموصول: (إن لم تستح فاصنع ما شئت)، فيتم بذلك القضاء على الأسرة المسلمة الصالحة التي هي عِماد المجتمع المسلم الصالح، وبذلك يسهل على أعداء الإسلام السيطرة التامة على أرض الإسلام، لأنه عندها لن يكون فرق بين المسلم وغير المسلم (ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء).
نعم، يريد أعداء الإسلام أن نكون معهم سواء في التخلف الأخلاقي والاستغلال الحقيقي للمرأة، وسواء في العقوبات الدنيوية والآخروية.
كما أن هنالك العديد من التحديات المعاصرة التي تواجه الأسرة المسلمة، ولكنني اخترت أن أتطرق في مقالتي هذه لأهم هذه التحديات وأخطرها على الإطلاق على الأسرة، سواء على المدى القريب أو البعيد.
لذلك علينا كأبناء مجتمع مسلم محافظ أن نقف يدا واحدة بوجه هذه المخاطر، ونعيد بناء وترتيب أسرنا من جديد ووفق أسس إسلامية وعروبية ووطنية صادقة، علّ وعسى أن تعود للأسرة مكانتها وحيويتها ودورها الكبير في رقي المجتمع وتقدمه، ولأجل ذلك، سأحاول من خلال مقالات لاحقة أن أسلّط الضوء على بعض المشكلات التي تواجه أسرنا ومجتمعنا.