عرض سعودي إماراتي لمعاونة “فتح” على استعادة غزة من “حماس”.. فما المقابل؟ هذه كواليس الخطة الخليجية
كشفت أوساط صحفية إسرائيلية أن السعودية والإمارات عرضتا على الرئيس الفلسطيني محمود عباس جملة عروض مقابل موافقته على تطبيع علاقاتهما مع إسرائيل، ومنها مساعدة السلطة الفلسطينية في استعادة السيطرة على قطاع غزة، الذي تحكمه حركة حماس، لكن الرئيس عباس رفض هذه العروض.
لكن التساؤل هنا يطرح نفسه: ماذا قصدت الدول الخليجية بمساعدة السلطة على استعادة غزة من حماس؟ هل تدفع السلطة لشن عملية عسكرية على القطاع بقوات عربية؟ وما موقف مصر وموقف حكومة الاحتلال من هذه العروض؟ وكيف تنظر حماس لهذه الفكرة؟
محادثات سرية
بالتزامن مع حالة الهرولة الخليجية للتطبيع مع إسرائيل، واستمرار الموقف الفلسطيني الرافض لها، كشفت مجلة “غلوبس” الإسرائيلية أن محادثات سرية جرت مؤخراً بين دولة الإمارات ورئيس السلطة الفلسطينية من أجل إثنائه عن موقفه الرافض لإقامة علاقات عربية مع إسرائيل، كما عُرضت على الفلسطينيين حزمة من المساعدات الاقتصادية المميزة، ووعود بمليارات الدولارات مقابل الموافقة على التفاوض مع إسرائيل دون شروط مسبقة” إلا أنهم رفضوا هذه الوعود.
لا نحتاج المال العربي
من جهته قال عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لـ”عربي بوست”: “هذه العروض التي يتم الحديث عنها تسيء للفلسطينيين، فهي تظهرنا وكأننا نسعى للحصول على مقابل مالي اقتصادي للتنازل عن مواقفنا المبدئية السياسية”.
مؤكداً أن أي حديث عن مستقبل السيطرة على غزة مسألة مرهونة بالتوافق الفلسطيني الداخلي، بعيداً عن فرض أي وصاية خارجية وبغض النظر عن هويتها وجنسيتها، ولو أردنا الحصول على المال، كنا حصلنا عليه من الولايات المتحدة مباشرة خلال قمة البحرين الاقتصادية، وليس بطرق التفافية.
الكاتب الإسرائيلي داني زاكين ذكر في مقاله الذي ترجمه “عربي بوست” أن “الكشف الجديد يتعلق بما شهدته الأشهر الأخيرة من مفاوضات سرية بين الإمارات والسعودية والبحرين ومصر، مع رئيس السلطة الفلسطينية لتحجيم معارضته لإقامة علاقات مع إسرائيل.
وتتضمن عروضاً اقتصادية تمثلت في استثمارات ضخمة في البنية التحتية، وفتح قنوات تجارية مباشرة، وبيع النفط والغاز بأسعار منخفضة للغاية، وإنشاء مناطق صناعية متطورة، وتوظيف عشرات الآلاف من المهندسين والأكاديميين الفلسطينيين في الشركات الخليجية وغيرها.
الجديد في العروض العربية الخليجية أنها تضمنت “حديثاً عربياً خليجياً عن تطوير قطاع غزة، ومساعدة السلطة الفلسطينية على استعادة السيطرة هناك، رغم أن هذه ليست خطوة سهلة، لكنها مطروحة في ظل محنة حماس الاقتصادية، وكان الوعد أن توافق إسرائيل على هذه الخطوة”.
ليست المرة الأولى
من جهته قال باسم نعيم، عضو مكتب العلاقات الدولية في حماس، ووزير الصحة السابق، لـ”عربي بوست” إنه “لا يمكننا التأكد من صحة أو دقة ما كشفته المجلة الإسرائيلية، لكن على فرض صحته فإنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها طرح هذا الموضوع”.
وأضاف: “سبقتها محاولات أمريكية وإسرائيلية وعربية تتحالف معهما، لإنهاء سيطرة حماس على القطاع، ووضع حد لوجودها فيه، بسبب عدائها للإسلام السياسي، وقد شهدت غزة جهوداً عديدة كالحصار السياسي والمالي والمشاركة غير المباشرة في تأييد العدوانات الإسرائيلية على القطاع، وأحياناً تبريره، بل وتشجيعه، لكن حسابات الورقة والقلم تختلف عن الواقع الميداني”.
ويرى أن قبول أو رفض هذا العرض العربي الخليجي لاستعادة سيطرة السلطة على غزة، وإنهاء وجود حماس، مرتبط بمدى قدرة المقاومة على تصديها لهذه المخططات المعادية، وأن حماس أكبر من قبول أو رفض عباس.
ويؤكد أن الأمر يتعلق بالموقف الإسرائيلي المنقسم على نفسه، لعدم وجود توافق إسرائيلي على إعادة السلطة لغزة؛ لأن إسرائيل معنية بإبقاء حالة الانقسام الفلسطيني من جهة، ومن جهة أخرى إسرائيل غير قادرة على الإطاحة بحماس من غزة، لأسباب عسكرية وميدانية”.
ليس جديداً على الإمارات والسعودية تقديم عرض كهذا لإنهاء وجود حماس من غزة، لأنهما تعتبران محاربة الإسلام السياسي أحد محددات سياساتهما الخارجية منذ فترة طويلة، رغبة منهما في السعي لاستقرار الحكم فيها، بالحصول على الرضا والدعم الأمريكي والإسرائيلي، رغم أن استخدام القوة الخشنة ضد حماس في غزة ليس أمراً سهلاً، لكن حدوثه مرهون بشكل أساسي بتطورات المفاوضات مع المصريين، كما هو حاصل في ليبيا.
غزة ليست مختطفة
ترى حماس أن غزّة ليست مختطفة حتى تتم استعادتها، وليس منطقيّاً أن يتمّ التهديد باستخدام أيّ خيارات عسكريّة؛ لأن كل الرهانات على تغيير الأوضاع الأمنيّة في غزّة فاشلة، لكن الثورات المضادة التي شهدتها أكثر من دولة عربية وأشرفت عليها وموّلتها كلتا الدولتين “السعودية والإمارات”، قد يدفعهما لتكرار التجربة في غزة هذه المرة للإطاحة بحماس، رغم أن التدخّل العربي لاستعادة غزّة من سيطرة حماس تمّ طرحه في القمة العربيّة في مصر في مارس/آذار 2015.
محمد حمادة، أسير فلسطيني مُحرَّر وباحث في مركز السلام للدراسات الإسرائيلية، قال لـ”عربي بوست” إن “الدور الإماراتي والسعودي في سوريا واليمن وليبيا وغيرها يدفعني لأخذ تلويح السعودية والإمارات للسلطة الفلسطينية بمساعدتها في القضاء على حماس على محمل الجدّ، في ظل توفر وسائل تحقيق ذلك لاسيما المال والأدوات الخشنة”.
وأكد حمادة أن “المخطط يقضي بأن تضغط الولايات المتحدة الأمريكية على دولة قطر لوقف دعمها للقطاع، وزيادة تأزيم الحالة الاقتصادية فيه، وفي هذه الحالة تدخل السعودية والإمارات بدور المخلص والمنقذ، ولكن بشروط واضحة هي إنهاء حكم حماس، وإحلال السلطة الفلسطينية، أو عودة محمد دحلان”.
تهديد قديم باستعادة القطاع
منذ 14 عاماً، حين سيطرت حماس على غزة في 2006، بعد محاولات السلطة إجهاض تجربتها السياسية الوليدة، هدد عدد من القادة في حركة فتح باستعادة غزّة من حماس، ما ولّد مخاوف لدى الأخيرة من إمكان تعاون السلطة مع مصر، وربّما إسرائيل، لشن عمل عسكريّ ضدّها في غزّة.
دعوات إنهاء وجود حماس في غزة، بغض النظر عمن يطلقها، تنسف أي جهد لإنجاح المصالحة الفلسطينية، وتشكل رغبة بأن تأتي فتح إلى غزّة على ظهر دبّابة إسرائيليّة، لكن قراءة الواقع الميدانيّ فيها، يجعل تحقق هذه الدعوات مستبعداً، وليس مستحيلاً، لإحكام حماس سيطرتها الأمنيّة والعسكريّة على غزّة، وضعف البنية العسكريّة والتنظيميّة لفتح فيها، والرفض الشعبي الفلسطيني لأي تدخل خارجي بشؤونهم الداخلية.