هجوم سوسة التونسية.. إرهاب بأجندة سياسية
بعد ستة أشهر على آخر عملية إرهابية استهدفت دورية أمنية في قلب العاصمة تونس، في مارس/ آذار الماضي، عاد الإرهاب ليضرب من جديد، لكن في ولاية سوسة شرقي البلاد.
ودهس “إرهابيون” بسيارة عنصرين أمنيين، في سوسة الأحد، فقُتل أحدهما وأصيب الآخر، فيما قتلت قوات الأمن ثلاثة إرهابيية، بحسب وزارة الداخلية. وأفاد مصدر أمني بإلقاء القبض على رابع يشتبه بعلاقته بالهجوم.
وجاء الهجوم في وقت تسير فيه تونس بخطى حذرة نحو استقرار سياسي، بعد أيام من نيل حكومة هشام المشيشي ثقة البرلمان، الأربعاء، خلفا لحكومة إلياس الفخفاخ المستقيلة.
هذا الهجوم يتشابه من حيث التوقيت مع آخر وقع في 6 مارس/آذار الماضي، حيث فجر انتحاريان جسديهما قرب دورية أمنية بمحيط السفارة الأمريكية في منطقة البحيرة بالعاصمة؛ ما أدى إلى مقتل ضابط وإصابة أربعة آخرين وامرأة.
فهو الآخر، وقع هجوم مارس/ آذار بعد أيّام من نيل حكومة الفخفاخ ثقة البرلمان، في 27 فبراير/ شباط الماضي.
وأجمع خبيران سياسيان تونسيان، في حديثين منفصلين للأناضول، على أن هجوم سوسة، الأحد، ليس صدفة أو عملية عبثية منفردة، بل يكشف وجود أجندة سياسية للإرهاب تستهدف التجربة الديمقراطية التونسية.
وأطاحت ثورة شعبية، عام 2011، بالرئيس التونسي آنذاك، زبن العابدين بن علي. ويُنظر إلى تونس على أنها صاحبة التجربة الديمقراطية الوحيدة الناجحة بين دول عربية شهدت ما تُسمى بالموجة الأولى من ثورات “الربيع العربي” بداية من أواخر 2010، وبينها مصر، ليبيا، اليمن وسوريا.
** توقيت مقصود
حول دلالات هجوم سوسة، قال بولبابة سالم، كاتب صحفي ومحلل سياسي، للأناضول، إن “الإرهاب في تونس لا يختار توقيت صدفة، بل له عقل سياسي وفيه نوع من الرمزيات في تواريخه في كل العمليات الإرهابية”.
وتابع: “بعد تشكيل كل حكومة تحصل عملية إرهابية، ورأينا ذلك مع حكومة الفخفاخ وحكومة المشيشي، وقبل ذلك حصلت اغتيالات سياسية، تزامنا مع أحداث سياسية معينة”.
وأضاف أن “هناك دائما ربط بين التواريخ والرمزيات التي يختارها الإرهابيون، لذلك الإرهاب في تونس ليس عبثيا، هو سياسي وله عقل يدبّر، وله أهداف سياسية، وليست مجرد تحركات منفردة”.
وأردف سالم: “هناك أشخاص (لم يسمّهم) يستهدفون التجربة الديمقراطية في تونس، بالإضافة إلى ذلك هناك متطرفون يستغلون مناخات الحرية”.
وقال إنه “في الفترة الأخيرة بتونس تم القضاء على الكثير من الإرهابيين واعتقال آخرين، في عمليات نوعية للأجهزة الأمنية والاستخباراتية، بالتنسيق مع دول شقيقة وصديقة في الجانب الأمني والاستخباراتي، خاصة بالنسبة للإرهابيين العائدين من سوريا باتجاه ليبيا”.
واستطرد: “هناك أحداث كثيرة تقع على الحدود التونسية- الليبية، حيث يتصدى الجيش التونسي للإرهابيين والمهربين، نظرا للعلاقة الوطيدة بين الإرهاب والتهريب، وتمّت اعتقالات والقضاء على بعضهم”.
وزاد بـ”وجود قرابة 1200 عنصر إرهابي في تونس قيد البحث ومحل متابعات قضائية ومطلوبون للعدالة، وهم مرتبطون ربما بشبكات داخلية وخارجية، ويشتغلون ضمن أجندات إقليمية ودولية”.
ويقول تونسيون إن دولا عربية تقود “ثورة مضادة” تستهدف إفشال العملية الديمقراطية في تونس، خوفا على مصير الأنظمة غير الديمقراطية الحاكمة في تلك الدول.
وشدد على أن “هؤلاء (الإرهابيين) يستغلون أحيانا فترات الارتخاء الأمني أو الاشتباك السياسي، حين يكون الصراع السياسي حاد في تونس، فيجدون المكان مفتوحا للعبث واستهداف الدولة والتجربة الديمقراطية”.
وقلّل سالم من شأن هجوم سوسة واصفا إيّاه بـ”العملية اليائسة، فالأجهزة الأمنية التونسية قوية جدّا، والجانب العسكري والاستخباراتي قوي جدا، وهناك نجاحات كثيرة حققتها قوات الأمن والجيش ضد الإرهابيين، حيث تم القضاء على الكثير منهم واعتقال الكثيرين”.
وشدّد على أن “التعامل مع عملية سوسة الأخيرة تم بسرعة قياسية والقضاء عليهم (الإرهابيين)، وهذا يؤكّد جاهزية القوات الأمنية، وخاصة وحدات طلائع الحرس الوطني (الدرك)، وهي من أرقى الفرق الأمنية في العالم، وأكثرها احترافية ومهنية”.
** أطراف إقليمية
متفقا مع بولبابة، قال طارق الكحلاوي، أكاديمي وناشط سياسي، للأناضول، إن “اختيار الإرهابيين لهذا التوقيت ليس صدفة، وهو نفس ما حصل بعد تنصيب الحكومة السابقة (برئاسة الفخفاخ) في أيام عملها الأولى، ونفس الأمر حصل الأحد بعد تنصيب حكومة المشيشي”.
واستدرك: “ربما العملية السابقة (مارس/ آذار الماضي) تم التحضير لها بشكل أفضل من المرة الحالية، لكن التوقيت هو نفسه.. بعد أيام قليلة من بداية عمل الحكومة الجديدة”.
واعتبر الكحلاوي أن “هذا التوقيت يعكس أجندة سياسية للإرهاب، وهي عموما بمعزل عن كل الصراعات السياسية في تونس التي تبقى صراعات تحت مظلة الديمقراطية والدستور”.
وشدد على أن “الإرهاب خارج هذه المظلة، وهو معني بضرب التجربة الديمقراطية التونسية، وهذه دلالة توقيت العملية”.
وعن دلالة مكان الهجوم، أجاب الكحلاوي بأنه “حدث على ضفاف المنطقة السياحية، في أحد مفترقات الطرق القريبة من إحدى أهم المناطق السياحية في تونس (القنطاوي سوسة)، لكن خارج الموسم السياحي”.
وتابع: “رغم استشهاد أحد أعوان الحرس (عنصر أمني) خلال العملية، إلا أن الأجهزة الأمنية أظهرت استعدادها وفرقة قوات التدخل السريع في سوسة أبلت البلاء الحسن وقضت بسرعة على ثلاثة عناصر إرهابية، وألقت القبض على رابع في ظرف وجيز جدا، وهو ما يوحي بجاهزية كبيرة للأمن”.
ودعا الكحلاوي الحكومة الجديدة إلى أن “تولي كل ملف ما يستحقه، خاصة الأمني منه والاقتصادي والاجتماعي، وعدم الإنجرار وراء أجندة الإرهاب، لأنه أصبح لنا اليوم خبرة كافية على المستوى السياسي، بغض النظر عن الخلفيات السياسية لأي حكومة، للتعامل بشكل ناجع مع الإرهاب بما يحدّ من تأثيره”.
وحول الأطراف التي تقف وراء الإرهاب، رأى الكحلاوي أنها “أطراف تستهدف التجربة الديمقراطية، وهم أولا أجندة الإرهاب الداعشي وإرهاب القاعدة، وهم ضدّ تجربة الانتقال الديمقراطي، ورؤيتهم التخريبية تتقاطع مع أطراف أخرى إقليمية معنية أيضا بضرب التجربة”.
واستطرد: “لا يمكن الجزم بوجود تعاون بين هذين الطرفين، لكن هناك تقاطع في الأهداف ولا يجب الاستهانة بمكوّن الإرهاب الداعشي الذي له رؤيته واستراتيجيته وتصوّره وتكتيكاته”.
ومن حين إلى آخر، تشهد تونس، منذ مايو/أيار 2011، أعمالا إرهابية تصاعدت وتيرتها بدءا من 2013، وراح ضحيتها العشرات من عناصر الجيش وأجهزة الأمن وسائحين أجانب.
المصدر: الأناضول