د. أنس سليمان أحمد
بالنظر إلى واقع انتشار فيروس كورونا في المؤسسة الإسرائيلية والمناطق الفلسطينية نجد أنها تحتل مكانة متقدمة في مدى انتشار هذا المرض بين السكان فقد وصل إلى 120 ألف حالة مرضية، وتوفي حتى الآن قرابة 1000 من المرضى، والواقع سيشهد معدلات أكثر في نسبة المصابين في فيروس كورونا في الأشهر القادمة، حيث أن الانتشار جداً كثيف، والمعادلة في انتشاره هي معادلة أسية، وهذا ينقلنا إلى الخسائر التي لحقت الأسواق الإسرائيلية والأسواق الفلسطينية إذ وصلت نسبة الانكماش في السوق الإسرائيلي إلى أكثر من 8% والسوق الفلسطيني إلى أكثر من 20%.
وهذا ينقلنا إلى واقع مدينة القدس والبلدة القديمة من الناحية الاقتصادية التجارية، مع جزمي التام أن نتنياهو قد استغل جائحة كورونا لتعزيز الوجود الاحتلالي الإسرائيلي في القدس والمسجد الأقصى، في مقابل تفكيك الوجود المقدسي الإسلامي العربي الفلسطيني فيهما على الصعيد الديني والاقتصادي والصحي والتعليمي والاجتماعي والنفسي والسياسي.
تحت مبرر محاصرة انتشار كورونا قام الاحتلال الإسرائيلي بفرض إغلاق على كل المحلات التجارية المقدسية في القدس القديمة بخاصة وفي القدس المباركة بعامة، مما شكل ضربة اقتصادية غير مسبوقة لأصحاب هذه المحلات التجارية وأسرهم والذين يمثلون الطبقة المتوسطة في المجتمع المقدسي، والذين باتوا تحت خط الفقر ويتهددهم الإفلاس ثم الفقر والجوع.
فالقدس القديمة يسكنها نحو 43 ألف نسمة تحتوي على 1400 محل تجاري، 45% منهم يختصون بالتحف الشرقية، وبالتالي يعتمدون بشكل مباشر على السياحة.
ففي ظل غياب رواد المسجد الأقصى، عن البلدة القديمة، والسياحة الدينية من قبل النصارى، وإغلاق المسجد الأقصى لفترة طويلة بسبب جائحة كورونا، تأثرت الحالة الاقتصادية في القدس.
مما يعني اقتصادياً بالنسبة للتاجر المقدسي إغلاق محله التجاري للخروج بأقل خسائر ممكنة، وهذا بلا شك سيسبب خسارة تراكمية فادحة ومؤلمة على المدى البعيد، لأن شريان الحياة الاقتصادية في البلدة القديمة أساسي ومهم لحماية الناس فيها، وبالتالي حماية المسجد الأقصى المبارك، فكلنا متفقون على صعيد الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني أن المجتمع المقدسي، بداية من تواجده في كل القدس القديمة ثم في الحارات المقدسية اللصيقة بالقدس القديمة حتى آخر بيت من آخر حي مقدسي في كل رحاب القدس المباركة، هو الحامية الأولى والأساس للقدس والمسجد الأقصى المباركين، وكلما قويت إمكانيات صمود هذا المجتمع المقدسي يقوى دوره الذي لا ينافسه عليه أي مسلم أو عربي أو حتى فلسطيني، كحامية أولى وأساس يفوق في دوره اليوم كل جيوش الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني.
فالبلدة القديمة فيها أقدم سوق تجاري عرفه التاريخ، فهي بمساحة أقل من كيلومتر مربع، محاطة بسور تاريخي عظيم، وفيها 7 أبواب لدخول وخروج الناس، وفيها 1400 محل تجاري.
واليوم وفق الإحصائيات أغلق أكثر من 380 محل تجاري قبل الجائحة، بسبب تضييقات الاحتلال الإسرائيلي على سكان وتجار البلدة القديمة، واليوم تضاعف هذا العدد، لأن محال التحف الشرقية مغلقة بالكامل على سبيل المثال، إذ وصلت نسبة إغلاق المحال التجارية في البلدة القديمة ما نسبته 50% من مجمل عدد المحال بالبلدة القديمة.
ولأن المجتمع المقدسي هو الحامي الأول والأخير للمسجد الأقصى المبارك فواجب على كل مسلم وعربي وفلسطيني في كل الأرض أن يدعم إمكانيات صمود المجتمع المقدسي كي يبقى هو الحامية الأولى والأساس للقدس والمسجد الأقصى، وهكذا تبقى قضية القدس والمسجد الأقصى قضية حية لا تموت حتى يأتي أمر الله تعالى.
ولذلك أنا أقترح على كل غيور منا يحب القدس والمسجد الأقصى المباركين على صعيد الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني أن نقف عند هذه المقالة جيدا، وأن نحدد لأنفسنا الدور الواجب الفوري المطلوب لدعم صمود المجتمع المقدسي اقتصادياً واجتماعيا ونفسياً وتعليمياً وصحياً ومؤسساتيا، قبل أن نعض أصابع الندم أو قبل أن ندخل في تيه التلاوم.
لذلك يلزم الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني، اليوم وليس غداً، السعي الجاد لإقامة صندوق إسلامي عربي فلسطيني لدعم صمود المجتمع المقدسي في كل مقومات صموده المطلوبة.
ويلزم الأهل في الداخل تجديد الهمم وشحذ العزائم ودفع الإرادات لتجيد التواصل الراشد ما بعد مرحلة تقييدات جائحة كورونا مع القدس المباركة، على صعيد القدس القديمة وسائر أسواقها ومحلاتها التجارية وبسطات التجار البسطاء فيها، وعلى صعيد سائر حارات القدس المباركة ودعم حركة الحياة فيها في كل مقوماتها إلى جانب ضرورة تجديد التواصل اليومي الدائم مع المسجد الأقصى المبارك.