تقدير إسرائيلي: تطبيع الإمارات يُضعف السلطة الفلسطينية
قال جنرالات إسرائيليون إن “الاتفاق الأخير مع دولة الإمارات العربية المتحدة شكل الضربة الثالثة التي تلقاها الفلسطينيون على التوالي خلال الآونة الأخيرة، أولها صفقة القرن، وثانيها خطة الضم، وثالثها الاتفاق مع الإمارات، ما يتطلب من إسرائيل في الوقت الحالي تغيير نهجها، وتوسيع تعاونها مع السلطة الفلسطينية”.
وأضاف أودي ديكل وكوبي ميخائيل بورقة تقدير موقف نشرها معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أن “تطبيع إسرائيل والإمارات، جاء في واحدة من أهم لحظات الضعف الاستراتيجي للسلطة منذ إنشائها، ولذلك كان رد فعل مسؤوليها غاضبا وممزوجا بإحباط عميق، لأنها فقدت رصيدا هاما، ولم يعد لها حق النقض على تطبيع إسرائيل والعالم العربي”.
التنسيق الأمني
وأشار ديكل، الرئيس السابق لإدارة المفاوضات مع الفلسطينيين، وشغل وظائف عديدة بالجيش والاستخبارات والتعاون العسكري الدولي والتخطيط الاستراتيجي، إلى أن “هذه الظروف تدفع إسرائيل لمقاربة داعمة وموسعة للسلطة، لتحسين فعالية سيطرتها على الميدان، وتجديد آليات التنسيق المباشر مع الأمن الإسرائيلي، ودمجها بالمشاريع الاقتصادية والتكنولوجية التي سيتم تطويرها مع الإمارات لتكون جزءا من التعاون الإقليمي”.
وأكد ميخائيل خبير شؤون الحرب والأمن القومي، وأصدر عددا من الدراسات الخاصة بالصراع مع الفلسطينيين، أن “القضية الفلسطينية شكلت لسنوات عديدة مكونا مهما ومركزيا في أجندة العالم العربي، لكن الاضطرابات التي حدثت في الشرق الأوسط في العقد الماضي، وجهود إيران وتركيا لتوسيع نفوذهما الإقليمي، بجانب التحدي السلفي الجهادي، كلها عوامل انتقصت من أهمية القضية في الأجندة الإقليمية والعربية، وأدركت القيادة الفلسطينية الأثر السلبي لهذا التغيير في وضعها تجاه إسرائيل”.
وأوضح أن “الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي يعود إلى يناير 2020، حين قدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “صفقة القرن” لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتقديم خطوطها العريضة كنموذج جديد لحل الصراع، وتصميم هندسة شرق أوسطية جديدة، على أساس تحالف عربي أمريكي إسرائيلي، وتغيير المبادئ التي وجهت العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين خلال العقود الثلاثة الماضية”.
وأشار إلى أنه “مع الموقف الفلسطيني الرافض لصفقة القرن، بدا أنها للحظة ستنضم للبرامج الأخرى التي يعلوها الغبار على رفوف التاريخ، ولكن سرعان ما تم توجيه ضربة أخرى للحركة الوطنية الفلسطينية بإعلان رئيس الوزراء نتنياهو عن نيته ضماً أحادي الجانب لأراضي الضفة الغربية، وفقا لخريطة ترامب، ما دفع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لوقف التنسيق الأمني، وتأجيل استلام أموال المقاصة”.
خلافة عباس
وأضاف أن “القيادة الفلسطينية بذلت جهودًا لتعبئة المجتمع الدولي ضد خطة الضم، وهددت بشن نضال شعبي غير مسلح واسع، وبدأت رياح المصالحة تهب بين فتح وحماس، إلا أن الجمهور الفلسطيني ظل متشككًا، ثم جاءت الضربة الثالثة باتفاق الإمارات القائمة على فكرة استراتيجية لمخطط ترامب بإنشاء تحالف عربي إسرائيلي إقليمي ضد إيراني، وبذلك تم الإعلان بين الإمارات وإسرائيل عن علاقات رسمية وطبيعية”.
وأكد أنه “بالنسبة للقيادة الفلسطينية، شكلت هذه الضربة الأشد، لأنها حُرمت فعليًا من حق النقض على تطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية، طالما لم يتم التوصل لاتفاق شامل بإنشاء دولة فلسطينية على حدود 1967، وفي الوقت نفسه تبخرت المبادرة العربية، وحصلت إسرائيل على تطبيع للعلاقات مع دولة عربية مهمة ليس نتيجة حل الصراع مع الفلسطينيين، ما دفع لصدور مواقف فلسطينية غاضبة من الاتفاق”.
وأوضح أن “الاتفاق مع الإمارات له مجموعة متنوعة من التداعيات المحتملة على مستقبل السلطة الفلسطينية، أولها أنه ضربة قاسية لهيبة عباس، وتوضيح لفشل استراتيجيته في المواجهة ضد إسرائيل على الساحتين الدولية والإقليمية، وبالتالي يتوقع أن تتصاعد صراعات فتح على القيادة مع اقتراب نهاية ولايته، وقد يكون هناك مرشحون للقيادة يسعون جاهدين للإطاحة الهادئة به”.
ولفت إلى أن “الانعكاس الثاني يتمثل في زيادة مكانة الإمارات بنظر إسرائيل والإدارة الأمريكية، ففضلاً عن قربها من السعودية ومصر، التي لها موقف إيجابي من محمد دحلان، ما قد يحسِّن مكانتها، ويشجع تطلعاتها للعودة إلى صراع الخلافة، لذلك فإن من المتوقع أن يستمر النظام الفلسطيني في عدم الاستقرار”.
موقف حماس
وأضاف أن “النتيجة الثالثة تتمثل في موقف حماس، فرغم وقوفها بجانب عباس ضد اتفاق الإمارات، لكنها ترى في هذا التطور فرصة لقيادة الساحة الفلسطينية، لأن فشل السلطة يعني فشلا لاستراتيجيتها النضالية والسياسية، وتأكيدا على تبرير المقاومة والكفاح المسلح، وقد تدرك حماس أن الوقت حان لتحسين مكانتها بالضفة الغربية، حتى بالتعاون مع مقاتلي فتح الذين يدعون لاستئناف الصراع العنيف ضد إسرائيل”.
وأكد أن “العامل الرابع يتمثل في محاولة قطر وتركيا توظيف الحالة الفلسطينية، لزيادة انخراطهما فيها، عقب جهودهما لتعزيز مكانتهما كلاعبين إقليميين مؤثرين، ما يثير استياء الإمارات والسعودية، وتعمل قطر على ترسيخ موقفها تجاه إسرائيل بمساهمتها في تهدئة الوضع في غزة بتقديم 30 مليون دولار شهريًا لسكانها، فيما تعزز تركيا القاعدة العسكرية لحماس، وكلاهما يعزز نهج الإخوان المسلمين”.
وأشار إلى أن “الاتفاق مع الإمارات يعد إنجازًا استراتيجيًا مهمًا لإسرائيل، سواء لفوائده الاقتصادية والأمنية الكامنة في التعاون الإقليمي، أو فك الارتباط عن المأساة الفلسطينية وحق النقض الذي حال دون تطبيعها مع العالم العربي، ويجب على إسرائيل الانتباه لحقيقة أن الاتفاق يضعف السلطة الفلسطينية، التي تعاني وضعا هشاً سياسيا واقتصاديا، ويحتمل أن الاتفاق سيؤدي لتسريع انهيارها، بما لا يتفق مع المصلحة الإسرائيلية”.
الدولة الواحدة
وأوضح أن “تفكك السلطة سيشكل تحديات معقدة لإسرائيل في المجالين الأمني والاقتصادي، بسبب عبء المسؤولية عن 2.7 مليون فلسطيني في الضفة الغربية، فضلا عن تسريع الاتجاهات نحو واقع الدولة الواحدة بين البحر والنهر، ويتوقع أن تواجه إسرائيل تحدياً آخر إن تخلت حركة فتح عن قيادة المسار السياسي، وسارت على طريق حماس، واختارت العنف، ما يتطلب من المؤسسة العسكرية الاستعداد لهذا الاحتمال”.
ورأى أنه “من المهم لإسرائيل طمأنة القيادة الفلسطينية، وإعادة صياغة العلاقة معها، واتخاذ مقاربة داعمة تجاهها، مع تحسين حكمها وسيطرتها الفعالة على أراضيها، وتجديد التنسيق الأمني والمدني، بدلا من تجاوزها مع الفلسطينيين، ودمجها في المشاريع الاقتصادية والتكنولوجية التي سيتم تطويرها مع الإمارات، بحيث تكون السلطة جزءًا من التعاون الإقليمي، وعدم دفعها إلى الهامش”.