الشاهد الوحيد على العلاقة.. تكنولوجيا الموساد رسول الغرام بين إسرائيل والإمارات
شكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رئيس الموساد يوسي كوهين على مساعدة جهازه في توقيع اتفاقية السلام بين إسرائيل والإمارات، في إشارة واضحة على الدور الذي لعبه جهاز الموساد في هذا الاتفاق.
ويمكن القول إنه لولا تكنولوجيا التجسس المتقدمة التي زود الموساد الإمارات بها والتي عملت كحلقة الوصل التي من خلالها تم تحديد العلاقات السياسية والاقتصادية، لما كان يمكن لهذه العلاقة أن ترى النور.
فوفقا لعدة تقارير صحفية لم تستخدم الإمارات التكنولوجيا الإسرائيلية للدفاع عن أنظمتها ضد الهجمات الإلكترونية والقبض على الإرهابيين فحسب، ولكن استخدمتها أيضا لاستهداف النشطاء المحليين والحكومات الصديقة، بل وصل بها الحال لاستخدام التكنولوجيا للتجسس على مواطنين غربيين.
بداية التعارف
خلال العقد الماضي، قام تعاون أمني وثيق بين إسرائيل والإمارات. وقد ظهر هذا التعاون للمرة الأولى في عام 2007، عندما لجأت دولة الإمارات إلى شركة “فور دي للحلول الأمنية” (4D Security Solutions) التي تعود ملكيتها لإسرائيل ومقرها في الولايات المتحدة، من أجل تحديث دفاعاتها حول منشآت الطاقة الحساسة، وإنشاء نظام مراقبة “ذكي” على مستوى المدينة في أبو ظبي.
ووفقا لتقارير إعلامية متعددة، فازت شركة “إيه جي تي إنترناشونال” (AGT International)، وهي شركة سويسرية منفصلة يملكها صاحب شركة “فور دي” ماتي كوخافي، بعقد قيمته 6 مليارات دولار، مع تقديم شركة “لوجيك إندستريز” (Logic Industries) التابعة لها ومقرها في إسرائيل الخبرة الفنية الفعلية لهذا المشروع.
كما أن كوخافي كشف أن شركته استعانت بخدمات جنرالات في الجيش والاستخبارات الإسرائيلية في إدارة أنشطتها داخل أبو ظبي، مشيرا إلى أن كلا من رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق عاموس مالكا وقائد سلاح الجو الأسبق إيتان بن الياهو عملا باسم شركته داخل أبو ظبي.
ويُعتقد أن النظام الذي تم وضعه والذي غالبا ما يُطلق عليه “فالكون آي” (Falcon Eye) ويعني بالعربية “عين الصقر”، اكتمل عام 2016. ويشمل هذا النظام شبكة من الكاميرات وأجهزة استشعار ومنصات للذكاء الاصطناعي توفّر كافة أنواع البيانات، بدءًا من التحكم في حركة المرور إلى المراقبة اللصيقة. وأفادت التقارير بأنه في عام 2014 تم استخدام بعض عناصر هذا النظام للقبض على امرأة إماراتية بعد هجوم بالسكين على مدرسة أميركية.
وتشير عدة تقارير إلى أن الموساد الإسرائيلي قد يكون استخدم نظام “عين الصقر” لمراقبة القيادي في حماس محمود المبحوح وتصفيته في دبي عام 2010، مع علمه أن هذا سوف يؤثر على علاقاته مع الإمارات ولكنه كان مستعدا لهذه المخاطرة.
قربان الحب
وقال دان شابيرو، وهو سفير أميركي سابق في إسرائيل، إن الإمارات العربية المتحدة تلقت تكنولوجيا إسرائيلية في أعقاب اغتيال المبحوح عام 2010 في دبي، وسط محاولات في ذلك الوقت لإعادة بناء العلاقات السرية بين البلدين والتي يقول السفير إنها تضررت بعد مقتل المبحوح على الأراضي الإماراتية.
فوفقًا لشابيرو كانت هناك علاقات بين إسرائيل والإمارات منذ عدة سنوات، لكنها توترت عندما قُتل محمود المبحوح، القيادي المسؤول عن شراء الصواريخ في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في غرفته بالفندق في دبي.
ويقول شابيرو لموقع راديو جيش إسرائيل “بعد اغتيال المبحوح في دبي، كان هناك انقطاع دام حوالي عام ونصف العام، ثم ساعدنا الطرفان على التقارب مرة أخرى. بدؤوا يتحدثون مع بعضهم بعضا من خلال الولايات المتحدة بشأن ما هو مطلوب للعودة إلى العلاقات كما كانت قبل الاغتيال”.
وقال شابيرو، في إشارة إلى ولي عهد الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، “شعر بن زايد بالأذى شخصيا مما حدث مع التفاهمات في أعقاب الاغتيال، وطلب عددا من التقنيات التي لم توافق إسرائيل حينها على منحها إياه”.
ولكن سرعان ما قام الموساد بتعويض الإمارات عن طريق شركة “إن إس أو غروب” (NSO Group) في عام 2013 والتي يديرها عنصران سابقان في الموساد، قاما بمساعدة الإمارات في اعتراض الاتصالات من قبل كبار المسؤولين القطريين، وأحد الأمراء السعوديين، ورئيس الوزراء اللبناني، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.
وفي عام 2016، زعم أنه تم استخدام منظومة التجسس بيغاسوس (Pegasus) لاستهداف المواطن الإماراتي المنشق أحمد منصور. وعلى مدى العامين التاليين، وجد “سيتزن لاب” (Citizen Lab) التابع لجامعة تورونتو هجمات منظمة لبرنامج بيغاسوس في 45 بلدا، من بينها الجزائر والبحرين والعراق والأراضي الفلسطينية والسعودية.
عندما يضع الغراب الإسرائيلي بيضه في سلة الإمارات
توالت بعد ذلك العديد من النشاطات التقنية المشبوهة بين إسرائيل والإمارات والتي أدت إلى تفريخ عدد من المشاريع التجسسية التي لم تكن تستهدف أعداء الإمارات بل أبناءها وأصدقاءها.
فقد كشف تحقيق لموقع ذي إنترسبت (theintercept) أن الحملة ضد المعارضين والمنتقدين للحكومة الإماراتية، والتي أطلق عليها اسم مشروع رافين (ٍRaven) والتي تعني الغراب بالعربية، بدأت عام 2016.
ويحكي التقرير للمراسلة جينا ماكلولين كيف جمعت شركة أمن الحاسوب سايبر بوينت (CyberPoint)، ومقرها ولاية ماريلاند، فريقا من القراصنة الأميركيين لصقل قدرات القرصنة والمراقبة الناشئة في الإمارات.
وقامت شركة دارك ماتر (DarkMatter) لاحقا، وهي شركة لها علاقات وثيقة مع الحكومة الإماراتية، بالاستحواذ على مشروع الغراب.
وأوردت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية في تحقيق خاص لها أن عددا من الإسرائيليين الذين اكتسبوا خبرة في مجال الحواسيب خلال خدمتهم العسكرية في سلاح الاستخبارات، يعملون حاليا مقابل رواتب رفيعة على تطوير برمجيات “سايبر” هجومية لصالح شركة دارك ماتر في الإمارات.
وأفادت مصادر مطلعة في جهاز السايبر الإسرائيلي بأن وحدات الجيش التابعة لوحدة الاستخبارات الإسرائيلية “8200” والوحدة التكنولوجية في جهاز الاستخبارات، عملوا على تطوير برمجيات لشركات أجنبية وأخرى تملكها الإمارات.
وأوردت قناة 13 العبرية أن أبو ظبي عرضت عقود عمل على خريجي وحدة “8200” مقابل مبالغ مالية ضخمة وامتيازات هائلة.
وكشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن شركة أمنية إماراتية سعت إلى استدراج ضباط سابقين في الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) للعمل لديها، موضحة أن الشركة هي دارك ماتر التي تعمل لحساب المخابرات الإماراتية.
وكشفت الصحيفة عن إبرام أبو ظبي صفقة ضخمة مع إسرائيل بحيث تزودها الأخيرة بقدرات استخباراتية متقدمة، تشمل طائرتي تجسس حديثتين.
وفي يوليو/تموز 2016، نشر موقع ميدل إيست آي البريطاني تقريرا للكاتب روري دوناغي بشأن إعلان السلطات في أبو ظبي إطلاق نظام مراقبة على مستوى الإمارة، مشيرا إلى أن الشركة المنفذة للمشروع “إسرائيلية”.
وأشارت الصحيفة إلى أن العلاقات السرية بين أبو ظبي وإسرائيل توثقت قبل 15 عاما، مشيرة إلى أن المؤسستين الأمنية والاستخبارية في تل أبيب حرصتا على إحاطة هذه العلاقات بالكتمان الشديد.
وبحسب موقع “إمارات ليكس”، فإن صحيفة معاريف ذكرت في أحد تقاريرها أن أبو ظبي تشتري منتجات شركة فيرنت (Vernet) الإسرائيلية المتخصصة في إنتاج العتاد الاستخباري لا سيما تقنيات التنصت.
وذكرت الصحيفة أن الإسرائيليين اللذين يتوليان إدارة صفقات السلاح والاستشارات العسكرية مع أبو ظبي في الوقت الحالي هما: ديفيد ميدان الذي تولى في السابق قيادة شعبة تجنيد العملاء في جهاز الموساد “تسوميت”، وآفي لؤومي مؤسس شركة “أيروبوتكس” (airobotics)، المتخصصة في إنتاج الطائرات من دون طيار.
نتنياهو يشكر الموساد
ليس من المستغرب بعد كل هذه المعلومات أن يوجه نتنياهو الشكر لرئيس الموساد على جهود جهازه والتكنولوجيا التي يقدمها لحكام الإمارات لتوطيد العلاقة معهم حتى وصلت لمرحلة الإشهار العلني.
والآن بعد ظهور العلاقة بين الإمارات وإسرائيل للعلن وتوثيقها من قبل الطرفين، من هي العاصمة العربية القادمة التي سيكون الموساد شاهدا على علاقتها مع إسرائيل؟
المصدر: مواقع إلكترونية