كيف أصبح مارك زوكربيرج أخطر «أوليجاركي» في تاريخ البشرية؟
أجرى مارك سوليفان، محرر مجلة «فاست كومباني» المختص بمتابعة شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مقابلة مع الأستاذ في جامعة نيويورك، سكوت جالاواي، على هامش المؤتمر السنوي للتقنية الذي تنظمه شركة «CB Insights» لتحليل البيانات.
الأربعة الكبار: «أمازون» و«أبل» و«فيسبوك» و«جوجل»
هذا الحوار، الذي نُشِرَت نسخة منقحة منه على صفحات المجلة الأمريكية المتخصصة في شؤون التكنولوجيا والأعمال، يكشف مدى خطورة تأثير شركات التكنولوجيا الكبرى على المجتمع، وعزوف الحكومة عن إخضاعها للتنظيم أو تفكيكها كما فعلت مع شركات أخرى تعمل في مجالي النفط والاتصالات.
في ظل انتشار التضليل والكراهية على شبكات التواصل الاجتماعي، أثناء الجائحة وقبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2020، برز الأستاذ في جامعة نيويورك سكوت جالاواي، باعتباره أحد أشد منتقدي شركات التكنولوجيا الكبرى وشبكات التواصل الاجتماعي.
يُدَرِّس جالاواي إستراتيجية العلامات التجارية والتسويق الرقمي لطلبة السنة الثانية من ماجستير إدارة الأعمال، وهو مؤلف كتاب «الأربعة»؛ الذي يشرح كيف أصبحت شركات «أمازون» و«أبل» و«فيسبوك» و«جوجل» أربعًا من أكثر الشركات تأثيرًا على وجه الأرض.
وجزءً من المؤتمر السنوي الذي شارك فيه جالاواي عن طريق برنامج «زووم»، لمناقشة كيفية استجابة الشركات «الأربع» للجائحة، واستفادتها من حالة تفشي فيروس كورونا المستجد، تواصل معه سوليفان على أمل أن يحصل على تصريحات لاذعة، ولم يخيب جالاواي آماله.
العمل من المنزل.. سلاح ذو حدين
وردًا على سؤال ما إذا كانت ثقافة العمل قد تتغير في ضوء الحظر المنزلي المفروض بسبب الجائحة، وما إذا كانت ثورة العمل من المنازل يمكن أن تجعل شركات التكنولوجيا الكبرى أقوى بصورة ما، يجيب جالاواي بأن العمل من المنزل سلاح ذو حدين، ولكنه في الغالب أمر جيد بالنسبة لهذه لشركات، وإن لم يكن متأكدًا من أنه أمر طيب بالنسبة لموظفيهم.
وأوضح أن ما لا يدركه موظفي شركات التكنولوجيا الكبرى هو أنه إذا أمكن نقل وظيفتك إلى مدينة دنفر، فهناك فرصة طيبة أنها يمكن أن تنتقل إلى بنجالور في الهند. وهو يعتقد أن جينات الجشع لدى مارك زوكربيرج ستقول: نعم دعنا نرى كيف يمكن أن ننقل وظيفتك إلى شيكاغو. وسنتجه بعد ذلك إلى نقلها أبعد وأبعد باتجاه الشرق لخفض التكلفة.
ويعتقد جالاواي أن العمل عن بعد سيكون وسيلة لزيادة انعدام المساواة في الدخول. على سبيل المثال، إذا كنت تحصل على أكثر من مئة ألف دولار، فإن 10% يجرى تسريحهم، ويمكن أن يعمل 60% من أصحاب تلك الوظائف من المنزل. وإذا كنت تحصل على أقل من 40 ألف دولار، فإن 40% من أصحاب هذه الوظائف يجرى تسريحهم، ولن يعمل إلا 10% من المنزل.
كيف يؤثر زوكربيرج وترامب على طبيعة النقاش السياسي؟
وعندما سئل جالاواي عن علاقة مارك زوكربيرج بدونالد ترامب، أجاب بأن الجميع يفهمون أن زوكربيرج هو أكبر أعضاء حكومة الأقلية في التاريخ الإنساني، وأنه يستخدم قربه من السلطة بطرق فاسدة من أجل زيادة ثروته. وأعرب عن اعتقاده بأن حكاية زوكربيرج وترامب سيكون لها تأثير كبير على الطريقة التي يدار بها النقاش السياسي على شبكات التواصل الاجتماعي.
وأضاف إن هذه الشركات تحقر باستمرار من فكرة التعديل الأول للدستور الأمريكي. وعندما يقول التعديل الأول، فإن ما يعنيه حقيقة هو أنها تريد أن تتظاهر بأنها لا تريد أن تكون حكمًا فيما يتعلق بالحقيقة، وبذلك تظل شركاتهم تعمل بدون أي قيود. وهذا ليس له علاقة بالتعديل الأول؛ فهي شركات خاصة، وهم ليسوا ملزمين بالتعديل الأول. وليس هناك أي مؤشر يظهر تقديرهم أو احترامهم لحرية التعبير.
والأمر لا يتعلق بإتاحة منبر للأشخاص الذين لديهم وجهات نظر قد يجد البعض أنها مسيئة. بل ما تفعله هذه الشركات هي أنها أوجدت نموذجًا تترعرع فيه أكثر الأشياء إثارة للتحريض والغضب والجدل، وهي أشياء زائفة وضارة في الغالب ولا تستحق منحها هذه المساحة؛ لأننا كبشر لدينا نزعة قبليّة، وعندما يقول الناس أشياء تعد مثيرة للغضب فإننا نميل إلى الانخراط معهم.
مواقع التواصل تتغذى على غضبنا
كلما زاد تفاعل الناس على وسائل التواصل الاجتماعي مع هذا المحتوى المثير للجدل، زاد ثراء هذه الشركات. وكلما زاد الاهتياج العام زاد التفاعل الشعبي، وبالتبعية زادت إعلانات شركات مثل «نيسان».
ويوضح جالاواي أن هذه الخوارزميات استنتجت أنك إذا روجت للعلوم المعيبة التي يستند إليها رافضو التطعيم، فإن ذلك يزيد قيمة حملة الأسهم. صحيح أن هناك أشخاص يعتقدون أن التطعيم سيئ، ويتعين سماع أصواتهم، ولكن لا يجب أن يهيمنوا على أخبار الصحة العامة حتى تبدأ في الحصول على هذه الموضوعات من أصدقائك على «فيسبوك». ويحذر من أن ذلك يبدأ في إضفاء شرعية على ما يقولونه، ثم ينتشر الميل المناهض للتطعيم، ويزيد عدد الأولاد والبنات في سن العامين، أو الأعوام الثلاثة الذين تبتر أطرافهم بسبب تفشي الحصبة التي كنا نعتقد أننا هزمناها منذ 30 أو 40 عامًا.
ويستطرد جالاواي أن شركات التواصل الاجتماعي تعد من أكثر المنظمات إضرارا بالكوكب. ومارك زوكربيرج هو أخطر الأشخاص في العالم. لأنه أضفى الطابع المؤسسي على الاعتلال الاجتماعي، ولديه موظفة شهيرة مثل شيريل ساندبرج التي تمتلك ملياري دولار للتغطية على أعمال واحدة من أسوأ المنظمات في العالم.
المعلومات المضللة ترفع أسهم الشركات
والمفارقة التي يرصدها مارتين، باعتباره مطلعًا على دهاليز الصناعة، أنه عندما يسيء «فيسبوك» التصرف، مثل نشر المعلومات المضللة أو جمع المعلومات الشخصية أو شيء من هذا القبيل، في اليوم التالي ترتفع أسهم الشركة بدلًا عن أن تنخفض.
ويرد جالاواي بالقول إن في البداية كان الاستثمار في شركات التبغ رائعًا، وأعتقد أن الاستثمار في أسهم «فيسبوك» اليوم ما زال استثمارًا عظيمًا، كان هو شخصيًا يمتلك أسهمًا فيه حتى وقت قريب، لكنه أخيرًا قال: «حسنا، إذا كنت سأغضب على هذا النحو طوال الوقت، ربما يتعين على بيع أسهمهم».
ويستدرك: لكن السبب في أننا ندفع ضرائب للحكومة، هو أننا نتوقع منهم أن يفكروا من أجلنا على المدى الطويل. فسهم جنرال موتورز سيكون أعلى إذا سمح لهم بأن يصبوا الزئبق في النهر، وما لم يكن لديهم معايير تضبط مستوى الانبعاثات المسموح به في سياراتهم. ولكننا قررنا أن ذلك سيئ بالنسبة لأمريكا وللأمريكيين على المدى الطويل؛ ولذا ننتخب من يقولون: «إن الانبعاثات سيئة، وصب الزئبق في مياه الشرب سيئ».
ونحن لم نفرض شعورًا مماثلًا بالتعقل أو الحكم والتفكير طويل الأجل على شركات التكنولوجيا الكبيرة كما فعلنا مع كل شركة أخرى. ويضرب جالاوي مثالًا بقوله أنه إذا بدأت مجلة مثل «فاست كومباني» فجأة في قذف الأشخاص والطعن فيهم وتمزيق انتخاباتنا ونشر المعلومات المضللة عن الجائحة، وإذا بدأ الناس يحملون جدّاتهم إلى غرفة الطوارئ، وهن يعانين من أعراض كوفيد-19، ويقولون: إن ابنتي تعتقد أن كوفيد-19 ليس سوى خدعة بسبب المقالات التي قرأتها في مجلة «فاست كومباني»، فإن المجلة ستنهار وتتوقف عن العمل.
هذا ما تجنيه البشرية بسبب حبها الأعمى للمبتكرين
يستدرك جالاواي: لكن بسبب «القسم 230» من (قانون آداب الاتصالات)، وبسبب إعجابنا الأعمى بالمبتكرين؛ لأن هذه الشركات لديها الكثير من الأموال ولأنها قادرة على نشر جيش من المسؤولين عن التنظيم ولأنها قادرة على نشر أشخاص محبوبين للغاية، فإننا فعليا تعرضنا للغزو.
ويتابع: أنا لدى معيارين للأسهم. ليس هناك سبب لشراء سهم، إلا للاستثمار في شركة احتكارية وليست خاضعة للتنظيم. أنا امتلكت أسهمًا في أربع شركات خلال السنوات العشر الماضية، هي: «أمازون» و«أبل» و«فيسبوك» و«جوجل». ولذا إذا كنا ننتظر أن يثور حملة الأسهم، فلا يجب أن نعول على ذلك. كما لا يتعين علينا أن نعول على المستهلكين أن يستمعوا إلى صوت الضمير.
يضر جالاواي مثالا فيقول هناك ناس يريدون ذلك الفستان الأسود مقابل 9.99 دولار، وسوف يتحدثون حديثا خاويا عن سلسلة توريد غير أخلاقية، ولكنهم سيظلون يريدون هذا اللباس مقابل 9.99 دولار. هذا هو الاختبار الذي فشلت فيه الحكومة والمسؤولون عن التنظيم. وهو فشل القيادة، مثلما هو فشل مواطنينا في انتخاب أشخاص لديهم القوة للتعامل مع هذه الشركات مثلما عاملنا أية شركة أخرى في التاريخ الأمريكي.
الدوافع الرأسمالية لتفكيك شركات التكنولوجيا الكبرى
وحول قدرة واشنطن على تنظيم شركات التكنولوجيا، يرى جالاواي أن التنظيم الناجح يفعل شيئين اثنين. الأول، أن يقلص العوامل الخارجية، الزئبق الموجود في النهر، وانحراف ديمقراطيتنا، وتسليح هذه المنصات لبذر بذور الفوضى. ولكن في الوقت نفسه فهو لا يقوض (القيمة). بل ربما يمنح بعض القيمة لحملة الأسهم.
عندما فككنا شركة «أيه تي أند تي»، أصبح لدينا سبع شركات كانت إجمالا أكبر قيمة بكثير من الشركة الأصيلة. ولذا فالسؤال هو أي نوع من التنظيم الرائع… الذي يمكن أن يؤدي إلى المزيد من الابتكار، والمزيد من المنافسة، والمزيد من قيمة المساهمين؟ يعتقد جالاواي أن قيمة المساهمين هي شيء رائع.
وبينما يتركز الحديث في واشنطن حول كبح جماح هذه الشركات على قانون مكافحة الاحتكار وإمكانية تفكيك شركات التكنولوجيا، يرى جالاواي أن الكثير من المشاكل – وليس كلها – يمكن حلها إذا ما جرى تفكيك هذه الشركات. ويقول: إذا أصبح لديك محركَيْ بحث بين عشية وضحاها، وإذا أجبرت «يوتيوب» على إقامة شركة منفصلة، فسيقررون الدخول في عمليات البحث القائمة على النص. وستقرر جوجل الدخول في عمليات البحث القائمة على الفيديو.
حين تصبح الحكومات شريكًا في المؤامرة
ويضيف: قد ترفع واحدة منهما يدها وتقول لشركة «بروكتر أند جامبل»، لتعلنوا مع محرك البحث الخاص بالفيديو لدينا لأننا لن نسهم في تطرف الشباب أو يا شركة يونيليفر، أعلنوا معنا في محرك بحثنا لأننا قمنا بالاستثمار الضروري لضمان أنه عندما يكتب شخص عبارة «لتطيحوا بالحكومة»، فإنه يحصل على استمارة اقتراع، وليس معلومات حول كيفية تصنيع قنبلة قذرة.
لكن في الوقت الحالي ليس لدى هذه الشركات أي حافز لفعل أي شيء سوى ابتكار خوارزمية سوف تسفر عن المزيد من نقرات الماوس، والمزيد من الإدمان، دون أي اهتمام بالصالح العام. لأنه لا توجد هناك منافسة. لذا يعتقد جالاواي أنه من الأفضل تفكيك تلك الشركات ليس لأنها شريرة، ولا لأنها لا تدفع ضرائبها، ولا لأنها تدمر الوظائف، بل نفككها لأننا رأسماليون.
لقد تركنا هذه الشركات تنمو دون قيود بما يتجاوز ما قمنا به لتفكيك شركات الألمونيوم والنفط، وبما يتجاوز ما بدأنا عنده في التحقيق مع «مايكروسوفت». هذه الشركات لديها قوة احتكار مطلقة، سواء كانت ضريبة 30% على كل تطبيق تبيعه «أبل» في متاجرها، وسواء كانت 93% من القرارات تتأثر بمحرك بحث واحد، وسواء كانت هذه الشركة قد أصبحت هي الحكم الذي يقرر الحقيقة بالنسبة لنا عالميًا، وأصبحت أكبر عاهرة للكراهية في التاريخ الإنساني؛ بالطبع ما يقصده هنا هو شركة «فيسبوك».
في الختام ينعي جالاواي الفرصة الضائعة حين كان بإمكان وزارة العدل ولجنة التجارة الفدرالية، اللتين عانتا على الدوام من خفض ميزانيتهما، أن يقررا التحرك وتفكيك هذه الشركات. و«أمازون» الآن لديها أكثر من 100 عضو من أعضاء جماعات الضغط الذين يعملون طوال الوقت في واشنطن. ولم تعد الحكومة قوة عمل مضاد لقوة القطاع الخاص، بل هي شريك في المؤامرة.