“الردّ على اتفاقية سيداو الدولية”: دراسة جديدة للباحث الإسلامي د. محمود مصالحة
ساهر غزاوي
أصدر الباحث في الدراسات الإسلامية المعاصرة، د. محمود مصالحة دراسة يرد فيها على اتفاقية “سيداو” (الهوية الثقافية الغربية لجمعيات نسوية عربية) الدولية التي أعلن العالم الغربي بمؤسساته الدولية الحرب على الإسلام عقيدةً وشريعةً وتربيةً وثقافةً وفكرًا، وتُعلن الحرب على الأُسَرِ والمجتمعات والأمة والحضارة الإسلامية. كما يقول.
وتقع الدراسة في محورين إثنين هما، المحور الأول: في التعريف باتفاقية “سيداو” الدولية، وبصاحب الردِّ على الاتفاقية. والمحور الثاني: في الردِّ على اتفاقية “سيداو” من حيث فقراتها ومرجعيتها التاريخية الغربية، ومدى علاقة الجمعيات العربية التحررية بالاتفاقية، والدعوة إلى احترام عقيدة وشريعة الإسلام وحضارته. وانتهت الدراسة بخاتمة لخص فيها الباحث نتائج الدراسة.
ويّبين د. مصالحة في الدراسة التي أعدّها أن خطورة اتفاقية “سيداو” تكمن بأنها مشروع غربي ثقافي انتمائي هويّاتي، تسعى الدول الغربية لتنفيذه من خلال ما تؤمن به من تفوق الحضارة الغربية على سائر الحضارات، وبخاصة الحضارة الإسلامية، فالنظام الغربي يتدخل بافتعاله صراعات محاورية عالمية، وما مشروع سيداو الثقافي التغييري للأفراد والأسر والمجتمعات، إلا الحلقة الأساسية في صراع الحضارات وأخطرها، فهي تقوم على الذوبان الهوياتي في الهوية الغربية السيداوية الجندرية الإباحيّة، وإن الدول الغربية عازمة على تنفيذه تحت مظلة الأمم المتحدة، حيث إنها تأمر من خلال سيداو الدول بالإسراع في إبطال وتغيير القائم من القوانين والأعراف والأنماط والشرائع، وبخاصة الشريعة الإسلامية، بهدف الوصول نحو التغيير الأسري والمجتمعي، فتدعو لإلغاء الشرائع، خاصة أحكام الأحوال الشخصية التي تخص الأسرة والمرأة، وتغيير مرجعية الكتب التعليمية، لذلك تُعتبر هذه الاتفاقية اتفاقية استئصالية للشريعة الإسلامية، وذوبان المجتمعات الإسلامية في المجتمعات الغربية، بهدف الوصول إلى الاندثار الحضاري الإسلامي.
ويضيف مصالحة مستدركا: لكن مفهوم النظرة الإسلامية هو الأشمل والأرقى، فهي نظرة تكاملية في الوظائف في البنية الخَلْقية لطبيعة الإنسان الفطرية، التي خلق الله تعالى عليها آدم وحواء، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء، ومفهوم النظرة الإسلامية هي على نقيض من تلك النظرة الغربية بأغلب بنودها وأهدافها وتوجهاتها، إذ أن النظرة الإسلامية نظرة تباينية تكاملية مختلفة الوظائف في تأدية دورها في البناء الأسري والمجتمعي، وفقاً للبنية الخَلْقيّة التي تتناسب مع الفطرة التكوينيّة الذكرية والأنثويّة، وبذلك فالنظرة الإسلامية تحمل قيمة العدالة الوظيفية البنيويّة الإنسانيّة، الأكثر عدلاً وشمولاً من مبدأ المساواة العمود الفقري في اتفاقية “سيداو” التي تقوم على فلسفة الجندر التي تفترض انعدام التباين والاختلاف الخَلْقي الفطري بين الرجل والمرأة، ومع ثبوت حقيقة وجود الاختلاف الخَلْقي البيولوجي والاجتماعي الفطري، لذلك فعبثيّة “سيداو” تبدو قاصرة وغير إنسانية بمبادئها الوضعية الوظيفية، ذات النظرة الغربية المادية الليبرالية الإباحيّة الإلحاديّة، وتفتقر إلى قيمة العدالة الإنسانية،
ويوضح أن تكرار مصطلح “المساواة” بين الرجل والمرأة في سائر فقرات اتفاقية “سيداو”، حتى بات عمودها الفقري، متسائلاً: فأين هي الواجبات الملقاة على المرأة يا أتباع “سيداو” إذن؟! وهي حق للزوج والبيت والأبناء على الزوجة، لقد تعامت عنها اتفاقية “سيداو”، ولم تذكرها ولو مرة واحدة، ولقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وحذَّر من امتهانها والاعتداء عليها، والنصوص القرآنية كثيرة لا يسعنا ذكرها، وكفانا تعنيف النبي صلى الله عليه وسلم لمن يحاول الإقدام على فعل ذلك، فقال: “إنما النساء شقائق الرجال ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم”(43)، أما نظام العقوبات في الإسلام فهو النظام المتكفل بحماية المرأة المسلمة والحفاظ عليها وعلى البنية الأسرية وسلامة المجتمعات، ولن تترك المرأة المسلمة لعبث اتفاقية “سيداو” وأتباعها.
ويسلط مصالحة الضوء في الدراسة البحثية التي أعدّها، أن الإسلام قد كرَّم المرأة أيما تكريم، وأنصفها أيما إنصافٍ في حقوق، وأعلى من شأنها، فهي السكن والاستئناس والمودة والرحمة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ضربها وشتمها، ولقد جاء أحد الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللَّهِ، ما حقُّ زَوجةِ أحدِنا علَيهِ؟ فقال:” أن تُطْعِمَها إذا طَعِمتَ، وتَكْسوها إذا اكتسَيتَ، أوِ اكتسَبتَ، ولا تضربِ الوَجهَ، ولا تُقَبِّح” أي لا تشتم”. فكفاكم تجنِّي وتحامل على الإسلام، دين الرحمة والعدل والعلم والعفة والسلام والحضارة الانسانية، فيا أتباع “سيداو”، فإن الإسلام كالنخلة أصله ثابت وفرعه في السماء لن يطاله أحد مهما بلغ. كما يقول.
وفي نهاية الدراسة التي يرد فيها الباحث في الدراسات الإسلامية المعاصرة، د محمود مصالحة على اتفاقية “سيداو”، يلخص نتائج دراسته بالتوصيات التالية:
أولا: لا بد من التنبيه أنه على الأمة الإسلامية مجتمعات وأسر الحذر من هذا الخطر الغربي الداهم المدعو باتفاقية سيداو، ولابد لكل مسلم معرفته والإحاطة بهذا المشروع، ومن ثم اتخاذ وسائل الحصانة التربوية الانتمائية والسياسية والتوعية المجتمعية من أجل إفشال مخططات سيداو وأخواتها.
ثانيا: على الحكومات العربية والإسلامية التي جعلت الإسلام دينها ودين الدولة، وتسعى لرفعة شعوبها، التنصل والانسحاب من هذه الاتفاقية المخالفة للشريعة الإسلامية بأغلب بنودها، مُهينة للدولة ومجتمعاتها، وتنزل من مهابتها أمام شعبها وأمام العالم.
ثالثا: رابعا: يحذر الباحث من خطورة الانخراط في ثقافة اتفاقية سيداو المشروع الثقافي الجندري الغربي، الذي سيفضي حتما إلى الذوبان الثقافي والهوياتي في الثقافة والهوية الغربية، ومن ثم الاندثار الحضاري.
رابعا: لقد تبين أن جمعيات نسوية قد اندمجت بالفكر الجندري الثقافي الغربي الإباحيّ، وخطورتها على المجتمع المسلم تكمن بتنسيقها التام مع لجنة الأمم المتحدة، فتعمل عملا حثيثا متواصلا على تطبيق هذا المشروع الجندري الثقافي لتغيير المجتمعات العربية والإسلامية، فالواجب أخذ الحيطة والحذر منها، فهي الذراع المتقدم لتنفيذ اتفاقية سيداو، مشروع الغزو الغربي التغييري الأخطر على الأمة الإسلامية والعربية، لقوله تعالى: ” وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا “(45). هذه الآية الكريمة تبين حقيقة ما يريده الله للناس من تنظيم الأسرة وتطهير النفس والمجتمع، وما يريده الذين يتبعون الشهوات وهم الكافرون وأتباعهم، أن تحيدوا عن منهج الله المستقيم، عن شرعه وسنته إلى الميل العظيم الذي يريدونه، هو إطلاق الغرائز من كل عقال ديني وأخلاقي واجتماعي لينطلق السعار الجنسي المحموم بلا حواجز، نحو ثقافة الغرب الجندرية الزنا واللواط والسحاق، عن المنهج الإلهي القويم النظيف، ولا عاصم إلا منهج الله تعالى (46).
خامسا: وعلى الجمعيات والمؤسسات الإسلامية، أن تأخذ دورها التوعوي والارشادي للأفراد والأسر والمجتمعات، وأن ترتقي بنشاطها لمواجهة خطورة ثقافة اتفاقية سيداو(CEDAW)، الجندرية التغييرية، من خلال تبيان مكانة المرأة ودورها الرائد في الإسلام، ووضع استراتيجية عمل من برامج وندوات ومحاضرات تثقيفية.
سادسا: إن شهادة الكثير من المفكرين والمؤرخين والفلاسفة الغربيين والعدول، لدليل دامغ على ما قامت به الحضارة الإسلامية من الدور البالغ الأثر في بناء وتطور الحضارة الإنسانية، لذلك ندعو أصحاب مشروع سيداو، ومن يدور في فلكهم، بنبذ نزعتهم الأيديولوجية المعادية المتمثلة بمشروعهم “صراع الحضارات” المعادي للثقافات والحضارات الإنسانية، وكذلك ندعوهم لتعديل كل البنود في اتفاقية سيداو المعادية لدين الإسلام الحضاري، وندعوهم للحوار حول المشروع الإسلامي الأعدل والأرقى وهو “حوار الحضارات”، لنرتقي معاً بالإنسانية.
سابعاً: أما الذين يسعون للتغيير المجتمعي في المجتمعات الإسلامية من أتباع الجمعيات النسوية، ذات المنظور الثقافي الجندري الجنساني، والانجابي، والمرأة مالكة لجسدها، فإن الدين النصيحة، لا يبخل الباحث بها على أحد، وخاصة على كل من اعتقد بتلك الثقافات والسلوكيات الوضعية المحرمة، والأفكار الانحلاليّة، إيماناً بها وأخذ بترويجها، فإنه قد انخلع من الإسلام وارتدَّ على عقبيه، ولا نملك له من الله شيئاً، إلا أننا ندعو له أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا، وينبذ تلك الفلسفات العلمانية الجندرية، المتمثلة باتفاقية سيداو الجانب الثقافي الذي يشكل الهدف الأول لمشروع الدول الغربية صراع الحضارات.