الخليل والحرم الإبراهيمي على قائمة التراث العالمي
وفقا لقرارات منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، تعد المدينة القديمة في الخليل والحرم الإبراهيمي، المدينة الفلسطينية الرابعة التي تحظى بحماية أممية، وهي حماية نظرية لأن “اليونسكو” لا تملك القوة للوقوف في وجه الاعتداءات المتكررة للمستوطنين على المدينة وحرمها المقدس لدى المسلمين، وتحتاج إلى قرار مساند من مجلس الأمن الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية.
ففي السابع من تموز/ يوليو عام 2017، أدرجت “اليونسكو” المدينة القديمة في الخليل والحرم الإبراهيمي ضمن قائمة التراث العالمي، وهو القرار الذي أيدته 12 دولة في لجنة التراث العالمي، فيما أبدت 3 دول رفضها، وامتنعت 6 أخرى عن التصويت.
لتصبح البلدة القديمة في الخليل رابع موقع ثقافي فلسطيني على لائحة التراث العالمي بعد القدس (البلدة العتيقة وأسوارها) وبيت لحم (مكان ولادة السيد المسيح: كنيسة المهد ومسار الحجاج) وبتير (فلسطين أرض العنب والزيتون: المشهد الثقافي لجنوب القدس).
القرار فسر فلسطينيا بأنه يدحض الادعاءات الإسرائيلية التي طالبت صراحة بضم الحرم الإبراهيمي إلى “الموروث اليهودي”، بالإضافة إلى حماية الحرم الإبراهيمي ومحيطه من الاعتداءات الإسرائيلية والتهويد المستمر منذ فتره طويلة.
واعتبرت السلطة الفلسطينية أن تصويت “اليونسكو” يشكل “نجاحا” للدبلوماسية الفلسطينية و”سقوطا لإسرائيل”.
من جانبه، رفض وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان وقتها القرار واتهم “اليونسكو” بأنها “منظمة منحازة سياسيا ومخجلة ومعادية للسامية “.
وقال إن: “القرارات التي اتخذتها مشينة ومن شأنها أن تضر بحقنا التاريخي على الحرم الإبراهيمي وحقنا بالأرض”، مؤكدا أن “صلة اليهود بمدينة الخليل تعود لآلاف السنين” والمدينة “موقع يهودي منذ الحقبة التوراتية (…) وأي تصويت لن يغير هذه الحقيقة”.
القرار يسلط الضوء على مدينة الخليل التي يعيش فيها 200 ألف فلسطيني مقابل بضع مئات من المستوطنين، كموقع تراث عالمي يستحق الزيارة لما يحتويه من قيم وعناصر جذب سياحي بالإضافة لاستقطاب مشاريع تطويرية من خلال “اليونسكو” تستهدف الحفاظ على الموروث الثقافي في الخليل وتأهيل البنية التحتية السياحية وبناء القدرات في مجال الحفاظ على الموروث الثقافي.
وهو يحمل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مسؤوليته في الحد من الانتهاكات الإسرائيلية التي تهدف إلى طمس الهوية العربية والإسلامية وتزوير تاريخها ومعالمها وإجبار الاحتلال على الالتزام بالقوانين الدولية التي تتعلق في الحفاظ على الموروث الثقافي الذي يشكل أساسا لتطوير السياحة في فلسطين.
وتعد مدينة الخليل واحدة من أقدم المدن العريقة التي مازالت مأهولة في العالم، ويمتد تاريخها إلى أكثر من 6000 عام. وأصبحت رابع أقدس مدينة إسلامية بعد مكة والمدينة المنورة والقدس.
وتقف المدينة التاريخية بهندستها المعمارية، المملوكية والعثمانية، والتي تم الحفاظ عليها وصيانتها، شاهدا على قيمة ورمزية المدينة وتعدديتها الثقافية على مر العصور.
فيما يعتبر الحرم الإبراهيمي الشريف من أهم المعالم الحضارية للمدينة والذي منحها مكانتها المميزة، وجعلها مقصدا دينيا وللرحالة العرب والأجانب الذين أفاضوا في الحديث عنها وعن معالمها الدينية والحضارية.
وينسب المسجد الإبراهيمي، أو الحرم الإبراهيمي الشريف، إلى النبي إبراهيم “خليل الرحمن”، ويعتبر أقدم بناء مقدس مستخدم حتى اليوم دون انقطاع تقريبا، وهو رابع الأماكن المقدسة عند المسلمين بعد الحرمين المكي والمدني والمسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين عامة. والثاني في فلسطين، يقال أنه بُني فوق مغارة مدفون فيها كلٌّ من النبي إبراهيم وزوجته سارة، وولدهما إسحق وولده يعقوب وزوجتيهما رفقة وليئة، كما تذكر بعض الروايات أن الأنبياء يوسف وآدم وسام ونوح مدفونون هناك أيضا.
ويقع في البلدة القديمة لمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية في فلسطين، وهو يشبه في بناءه المسجد الأقصى، ويحيط بالمسجد سور عظيم مبني من حجارة ضخمة يصل طول بعضها لـ7 أمتار، ترجع أساسته لعهد هيرودس الأدومي في فترة حكمه للمدينة ، بعدها قام الرومان ببناء كنيسة في مكانه، ثم هدمت بعد أقل من 100 عام على يد الفرس، لتتحول بعدها إلى مسجد في العصور الإسلامية الأولى.
ومع احتلال الخليل بعد حرب عام 1967 قامت سلطات الاحتلال بالسماح للمستوطنين بالتواجد والإقامة في المدينة وسط الأحياء والمجمعات السكينة للفلسطينيين. وانتشرت البؤر الاستيطانية داخل الخليل، وتزايدت المستوطنات حول المدن الفلسطينية الأخرى.
وتندلع مواجهات عنيفة بشكل متكرر في المدينة. ويتذكر الجميع المجزرة التي ارتكبها المستوطن الإسرائيلي الأمريكي باروخ غولدشتاين في الحرم الإبراهيمي في المدينة عام 1994 وارتقي فيها 29 شهيدا.
وقام الاحتلال إثر المجزرة بتقسيم الحرم الإبراهيمي الذي يتضمن بعدا رمزيا قوميا ودينيا إلى قسمين: واحد للمسلمين وآخر لليهود.
وعمق قرار إدراج المدينة القديمة في الخليل والحرم الإبراهيمي في قائمة التراث العالمي من حالة التنافر بين الاحتلال الإسرائيلي و”اليونسكو” الذي بدأ على خلفية مواقف “اليونسكو” بشأن القدس والخليل وانضمام فلسطين إلى المنظمة الأممية في عام 2011.
وعلى ضوء القرار أعلن الاحتلال انسحابه من “اليونسكو” بالتزامن مع دخول الانسحاب الأميركي حيز التنفيذ.
وكانت “الدولة العبرية” قد انضمت للمنظمة عام 1949، غير أنها طُردت منها عام 1974 إثر قيامها بحفريات في منطقة الحرم القدسي الشريف.
وفي عام 1979 عادت إلى عضوية “اليونسكو” بسبب تهديدات من الولايات المتحدة بوقف دعمها المالي للمنظمة الدولية.
وفي عام 2011 توقفت ومعها الولايات المتحدة وكندا عن دفع حصتها من ميزانية “اليونسكو” بعد قبول السلطة الفلسطينية دولة عضوا فيها.
وعلق حق تل أبيب في التصويت على قرارات المنظمة عام 2013 لتوقفها عن دفع حصتها المالية.
وفي عام 2016 صوتت “اليونسكو” على قرارين نددا بالسياسة الإسرائيلية في القدس المحتلة، كما اعترفت المنظمة بأن الحرم القدسي الشريف مقدس للإسلام فقط.
وفي عام 2016 أعلن البيت الأبيض انسحاب الولايات المتحدة من “اليونسكو” بذريعة أنها مناهضة لتل أبيب.
وفي عام 2017 صادقت على قرار ينص على أن “إسرائيل هي قوة احتلال في القدس”، وأعلنت “أن إسرائيل لا تتمتع بحق السيادة على هذه المدينة”.
وفي نفس العام قررت أن الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة في الخليل جزء من التراث العالمي وأن السيادة عليهما لفلسطين.
لقد كانت مجزرة الحرم الإبراهيمي الأبشع في تاريخ المكان الثاني المقدس في فلسطين بعد المسجد الأقصى، لقد تغير كل شيء منذ المذبحة، أصبحت الحياة صعبة في الخليل كل يوم، و لا تزال سلطات الاحتلال تعاقب الضحايا وتنغص عليهم حياتهم عبر 4 مستوطنات إسرائيلية داخل مدينة الخليل، أقحمت وسط المجتمع العربي الفلسطيني المتجانس بالكامل.