بدون حظر ولا ضرب.. تطبيقات وأفكار تقنية يمكنها مساعدة الدول على مواجهة جائحة كورونا
شاهدنا في الآونة الأخيرة كيف تسعى العديد من الدول إلى السيطرة على الانتشار السريع لجائحة كورونا باستخدام طرق مختلفة، بداية من التوعية والمناشدة بل وحتى الرجاء من قبل الجهات المختصة ونهاية بتطبيق حظر التجول، وصولا إلى ضرب الناس المخالفين للحظر وإيداعهم في السجون ببعض الدول.
وكأي أب كنت قلقا كيف يمكنني السيطرة على أولادي خلال هذه الفترة، وكيف يمكنني منعهم من الخروج واللعب مع أترابهم، ولكن بعد هذه المدة وجدتهم أكثر تقبلا بل واتصالا مع زملائهم منا نحن البالغين، بل ويمكنهم البقاء كذلك أكثر منا دون أن يشعروا بالملل.
طبعا هذا بفضل ألعاب الفيديو الجماعية التي تمكنهم من التواصل مع بعضهم واللعب دون الحاجة لأن يكونوا قريبين جسديا، ألعاب مثل “فورتنايت” و”روبليكس” التي كنا ننتقدها سابقا تساعدنا الآن على الإبقاء عليهم آمنين وفي نفس الوقت متصلين مع أصدقائهم، وكذلك منصات مثل نتفليكس وأمازون وغيرها تساعد الكبار على البقاء مدة أطول في منازلهم.
ألا يجب أن تفكر حكوماتنا ومؤسسات الدول باستخدام أفكار جديدة ومبتكرة تدعمها التكنولوجيا، سواء للحفاظ على المسافة الاجتماعية، أو قياس مدى التزام المواطنين بالحظر المفروض، أو حتى مراقبة الملتزمين بالعزل المنزلي.
طبعا لا أبرر مراقبة الأشخاص باستخدام التكنولوجيا ولا جمع بياناتهم الخاصة، ولكن ندعو من خلال هذه الأفكار للتفكير خارج الصندوق ومعرفة أن العصا والمطاردات البوليسية لمنتهكي الحظر انتهاك أكبر لكرامة الأشخاص من استخدام التقنيات للتأكد من التزام المواطنين بقوانين الحظر.
من الموظف والصديق المثالي إلى المدينة والحي المثالي
تعتبر لوحات الصدارة التي تعتمدها الشركات ونراها في المطاعم مزينة الجدران لتظهر الموظف المثالي وسيلة جيدة لتحفيز موظفي الشركات، ولكن تطبيق مشاركة الموقع “زينلي” (Zenly) المملوك من قبل سناب شات أخذ طريقة التحفيز هذه واستخدمها للتحفيز على ممارسة المباعدة الاجتماعية بنشر لوحة تقارن بينك وبين أصدقائك الذين يقضون معظم الوقت في المنزل بحيث يكون الفائز هو الأقل خروجا من المنزل.
التطبيق لم يكن في الأصل مصمما لهذه الغاية، بل لمشاركة موقعك عند الاجتماع مع الأصدقاء، ولكن لتشجيع البعد الاجتماعي والمساهمة في منع انتشار فيروس كورونا الجديد قامت زينلي بعمل لوحة جديدة تظهر الفائزين في تحدي عدم الخروج من المنزل بينك وبين أصدقائك أو زملائك في العمل.
يمكن للحكومات والمؤسسات الاستفادة من فكرة استخدام لوحة المتصدرين التي انتهجها التطبيق، بتشجيع الناس للبقاء في المنازل بواسطة الجوائز والحوافز للمتصدرين، بحيث تصبح مسابقة لمن يبقى في المنزل لأطول فترة ممكنة، مما يجعل العملية مسلية ومفيدة للجميع وبالتأكيد أقل تكلفة.
“زينلي” ليس الوحيد الذي انتهج مبدأ لوحات الصدارة، فقد كشفت شركة “يوناكاست” (Unacast) – وهي شركة بيانات تقوم بجمع بيانات موقع الهاتف المحمول وتحليلها لصناعات البيع بالتجزئة والعقارات والتسويق والسياحة- مؤخرا عن لوحة تسمى “لوحة النتائج الاجتماعية”.
ولوحة النتائج عبارة عن خريطة تفاعلية تعطي درجات لكل ولاية ومقاطعة في أميركا يمارس سكانها التباعد الاجتماعي بناء على تحليل معلومات الهواتف لسكان المنطقة.
ويعتبر هذا المنتج الأول من مجموعة أدوات بيانات الموقع الجديدة للشركة المصممة لمواجهة جائحة كورونا، وتخطط الشركة وعلى مدار الأيام والأسابيع المقبلة لإضافة المزيد من بيانات الموقع التي تأمل الشركة في أن تظهر الاتجاهات والأنماط لسكان المناطق.
أما غوغل فتقوم بعمل آخر عن طريق موقعها الذي أطلقته مؤخرا والمسمى تقارير تنقل المجتمع كوفيد -19 والذي يستخدم بيانات موقع المستخدمين التي يتم جمعها من منتجات وخدمات غوغل المختلفة، لإظهار مستوى التباعد الاجتماعي الذي يحدث في مواقع مختلفة مثل البيت والعمل.
ويعرض الموقع على شبكة الإنترنت اتجاهات البيانات السكانية مقسمة إلى ست فئات، هي محلات البيع بالتجزئة والترفيه، ومحلات البقالة، والصيدلية، والحدائق، ومحطات النقل العام، وأماكن العمل والسكن.
وستقوم البيانات بتتبع التغيرات على مدار عدة أسابيع، وتغطي مبدئيا 131 دولة بالإضافة إلى مقاطعات فردية داخل ولايات معينة.
وتقول غوغل إن البيانات تجمع بشكل عام وليس فرديا، ولا تعرض الأعداد المطلقة للأشخاص الذين يظهرون في المتنزهات أو متاجر البقالة، وتتمثل الفكرة في تحديد نسب مئوية تسلط الضوء على الزيادات المحتملة في أماكن معينة.
وعلى سبيل المثال، تشير تقاريرها الأولى إلى أن دولة قطر شهدت انخفاضا بنسبة 51٪ في تجارة التجزئة والترفيه، وزيادة بنسبة 22٪ في بقاء الناس في منازلهم في الفترة بين 16 فبراير/شباط و29 مارس/آذار الماضي.
بينما كانت النسبة أكبر في دول فرضت حظر التجول مثل الأردن الذي تراجعت فيه تجارة التجزئة والترفيه إلى نسبة 74%، بينما وصل التزام المواطنين بالبقاء في بيوتهم إلى 27% فقط، بحسب تقرير غوغل.
الإنسان كائن اجتماعي تفاعلي
يتساءل البعض: أين تكمن المتعة في مشاهدة فيلم لوحدك؟ أو لعب الورق بدون الأصدقاء؟ وقد يفتقدون الأنشطة مع أصدقائهم، لكن توجد أنشطة ومواقع حاليا تقدم هذه الخدمة بحيث يمكن لمجموعة من الأصدقاء الانضمام لمشاهدة فيلم على نتفليكس بارتي، وتجاذب الآراء دون الحاجة لأن يكونوا في نفس المكان.
وتقدم نتفليكس هذه الخدمة حاليا مجانا على الحواسيب وأجهزة التلفاز، كما توجد تطبيقات عدة تسعى للقيام بتقديم خدمات مماثلة.
وأثناء بحثي لإعداد المقال وجدت موقعا عربيا يقدم خدمة لعب مجموعات ورق اللعب افتراضيا، ويتيح موقع “جواكر” (Jawaker) للمستخدمين دعوة أحبائهم لمشاركتهم في ألعاب الورق المختلفة، كالطرنيب والتركس والباصرة والبلوت وغيرها.
هناك حلول تقنية للمخالفين أيضا
في كل مجتمع هناك فئة لا يمكنها الالتزام بالقوانين، ولا نتحدث هنا عن المجبرين على الخروج سعيا للقمة عيشهم، بل عمن يخالفون القوانين جهلا واستهتارا، هؤلاء بأفعالهم يغامرون ليس بأرواحهم فحسب بل بأرواح غيرهم أيضا.
كما أوجدنا بالتكنولوجيا طريقة لمكافأة الملتزم عن طريق لوحات الصدارة يمكن استخدام التقنية لمعاقبة المخالفين كالتي استخدمتها سنغافورة لتتبع المصابين بالفيروس حال ظهور نتائجهم.
فقد أطلقت الدولة تطبيق “تراس توغاذر” (Tracetogther) الذي يهدف لمراقبة المصابين ومعرفة مع من يختلطون، أو عند قيامهم بمخالفة أوامر الحظر المنزلي واختلاطهم بأشخاص آخرين، ليس هذا فحسب بل إن هذا التطبيق يرسل تحذيرا للأشخاص غير المصابين عند اقتراب أحد المصابين المسجلين لدى الدولة بالفيروس.
ويستخدم التطبيق تقنية البلوتوث، وقد حاز على إشادات من قبل العديد من الدول، مع ملاحظة أنه يقوم بمشاركة السجلات الصحية للمرضى، وهو ما يعتبر مخالفا لقوانين الخصوصية، لكن دولة مثل ألمانيا -التي تعتبر من الدول الشديدة التدقيق في مسائل انتهاك الخصوصية- سمحت للشركات بمحاكاة هذا التطبيق واختباره والذي يتوقع إطلاق نسخة ألمانية منه تحت اسم “أصحاء معا” بالألمانية.
عقد المؤتمرات التقنية (الهاكثون) بدل الضرب
قيام السلطات الهندية بضرب مواطنيها المخالفين هو في الحقيقة أمر مضحك مبكٍ، فهذه الدولة التي تصدر العقول في مجال التكنولوجيا إلى دول العالم ليست عاجزة عن عقد مؤتمر يجمع المطورين والشركات التقنية من أنحاء البلاد لإيجاد حلول لمواجهة الأزمة دون الحاجة لاستخدام هذه الأدوات البدائية.
وقد دعت شركتا مايكروسوفت وفيسبوك إلى تنظيم مؤتمر تقني عالمي لإيجاد حلول تقنية لمواجهة المشاكل الناتجة عن جائحة كورونا، كما علمت مؤخرا أن دولة قطر-عن طريق بنك التنمية- قد دعت المواطنين والمقيمين ممن لديهم الأفكار التقنية للمشاركة في مؤتمر تقني خاص بكوفيد-19، لإيجاد حلول تقنية لمكافحة الجائحة تتناسب مع ظروف الحياة هناك.