لا للإسلام الأمريكاني
الشيخ كمال خطيب
لم يعد خافيا على أحد أن السياسة الأمريكية ضد المسلمين، لم تعد تعتمد فقط استخدام الصاروخ والمدفع والقنبلة أي الخيار العسكري، وإنما راحت تستخدم كل أسلوب وكل إمكانية ووسيلة متاحة لديها في هذه الحرب، إنها الحرب المفتوحة.
ولعلّ آخر وأخطر هذه الوسائل هي وسيلتها في تفسير مفاهيم الإسلام وفق رؤية ومعاني ومصطلحات تتساوق مع سياستها ومصالحها. إنها وعبر حرب صريحة ومباشرة ضد الإسلام، فإنها تجعل المسلمين في حالة استقطاب ورفض بل وردٍ عنيف على هذه الحرب، ولكن ومن خلال استخدام واستغلال بعض المسلمين والتأثير عليهم ليقوموا هم بمهمة طرح الإسلام بمضامين جديدة ومصطلحات جديدة هي بعيدة كل البعد عن مقاصد الشريعة وعمّا فهم المسلمون الإسلام طوال أربعة عشر قرنا.
وإن ما تقوم به العائلة المالكة في السعودية في هذه الأيام، وتحديدا بعد انقلاب ليلة القدر في رمضان الأخير 2017 /1438 وتولي محمد بن سلمان ولاية العهد بدلا من ابن عمه محمد بن نايف، ثم استكماله ذلك بزلزال السبت الأخير 4/11/2017 بعزل ابن عمه الآخر متعب ابن عبد الله واعتقاله مع عشرات الأمراء والوزراء ورجال الأعمال الذين يمكن أن ينافسوه على ملك آل سعود، ثم قيامه أي محمد بن سلمان بسلسلة مبادرات ومشاريع وسياسات خارجية وداخلية تتراوح بين تواصل مباشر مع إسرائيل لتطبيع العلاقات معها وبين إقامة مناطق سياحية وفق المعايير العالمية ( اختلاط الرجال بالنساء، ولبس النساء والرجال لملابس البحر وغير ذلك ). ثم سياسته في ملاحقة العلماء وسجنهم واعتقال الكتّاب والصحفيين ومخالفي الرأي، وإطلاق يد ولسان علماء السلاطين لتبرير هذه الإجراءات ومباركتها، بل واعتبار ما كان الأمر عليه سابقا أنه شكل من أشكال التطرف والغلو ولا بد من العودة للإسلام الوسطي كما قالوا، مع العلم أنهم هم كانوا يقفون على رأس الهرم الديني في أكبر مؤسساته وكانوا يعتبرون ذلك الإسلام هو الإسلام هو إسلام السلف وكل ما غيره هو الإسلام المبتدع.
إن ما تقوم به الإدارة السعودية حكامًا وعلماء يعملون تحت أيديهم، هي الخطة التي أرادت أمريكا أن تحارب الإسلام من خلالها عبر طرح الإسلام بهذه المفاهيم والمضامين الجديدة، فهو ليس الإسلام الأصولي ولا حتى الوسطي، إنه الإسلام الليبرالي الذي لن تتردد أمريكا بدعمه ومباركته، بل واعتباره النموذج الذي لا بد أن يقتدي ويحذو حذوه المسلمون، كل المسلمين.
إنه الإسلام الأمريكاني، رحم الله الشهيد سيد قطب والذي وقبل أكثر من ستين سنة قد ألف كتابه الرائع ” دراسات إسلامية ” والذي تضمن فصلا بعنوان ” إسلام امريكاني” وفيه يشرح طبيعة الإسلام الذي ترضى عنه أمريكا وتتقبله بل وتروّج له، أما الإسلام الآخر فإنه الإسلام الذي تحاربه وتحرض عليه، يقول رحمه الله في صفحة 119: ( والإسلام الذي يريده الأمريكان وحلفاؤهم في الشرق الأوسط، ليس هو الإسلام الذي يقاوم الاستعمار، وليس هو الإسلام الذي يقاوم الطغيان، ولكنه الإسلام الذي يقاوم الشيوعية، إنهم لا يريدون للإسلام أن يحكم. لأن الإسلام حين يحكم فإنه سينشئ الشعوب نشأة أخرى، وسيعلم الشعوب أن إعداد القوة فريضة، وأن طرد المستعمر فريضة، وأن الشيوعية كالاستعمار وباء، فكلاهما عدو وكلاهما اعتداء. الأمريكان وحلفاؤهم إذن يريدون للشرق الأوسط إسلاما أمريكانيًّا ).
ويتحدث الشهيد سيد قطب خلال ذلك الفصل الرائع الأكثر من الروعة، كيف تحرك أمريكا وحلفاؤها وعكاكيزها ووسائل الإعلام لتروج لذلك الإسلام، حيث ينبري كتاب وإعلاميون لم يُعرف عنهم حبا للإسلام ولا التزاما بأحكامه للحديث بإعجاب، وللترويج لهذا الإسلام الجديد وفق المقاييس والمعايير الأمريكية، فيقول في صفحة 120: ( إن الإسلام يجوز أن يُستفتى في منع الحمل ويجوز أن يُستفتى في دخول المرأة البرلمان، ويجوز أن يُستفتى في نواقض الوضوء ولكنه لا يُستفتى أبدا في أوضاعنا الاجتماعية أو الاقتصادية أو نظامنا المالي، ولا يُستفتى أبدا في أوضاعنا السياسية والقومية، وفيما يربطنا بالاستعمار من حالات. الديموقراطية في الإسلام والبر في الإسلام والعدل في الإسلام، فمن الجائز أن يتناولها كتاب أو مقال، ولكن الحكم بالإسلام والتشريع بالإسلام والانتصار للإسلام فلا يجوز أن يمسّها قلم ولا حديث ).
ويستمر الشهيد سيد قطب في بيان هذه المهزلة التي اسمها الإسلام الأمريكاني ومحاولة ترويجه ونشره، لكن بالمقابل فإنهم المخلصون من أبناء الإسلام الذين يرفضون هذا الإسلام بل ويعملون لفضحه عبر رفع راية الإسلام الحقيقي الناصع، فيقول رحمه الله في صفحة 123: ( إنها مهزلة بل أنها المأساة.. ولكن العزاء عنها أن للإسلام أولياءه، أولياؤه الذين يعملون له وحده ويواجهون الاستعمار والطغيان والشيوعية سواء، أولياؤه الذين يعرفون أن الإسلام يجب أن يحكم كي يؤتي ثماره كاملة. أولياؤه الذين لا تخدعهم صداقة الصليبيين المدخولة للإسلام، وقد كانوا حرباً عليه تسعمائة عام .
إن أولياء الإسلام لا يطلبون باسمه برًا وإحسانًا، ولكن يطلبون باسمه عدالة اجتماعية شاملة كاملة؛ ولا يجعلون منه أداة لخدمة الاستعمار، والطغيان. ولكن يريدون به عدلًا وعزةً وكرامةً؛ ولا يتخذون منه ستارًا للدعاية، ولكن يتخذونه درعًا للكفاح في سبيل الحق والاستعلاء ).
ما أشبه الليلة بالبارحة، فهذا المقال الذي صدر في العام 1952 أي قبل 65 سنة، فلكأنه يتحدث عما يجري في أيامنا هذه في العام 2017 عبر هذا الإسلام الجديد الذي يروج له ابن سلمان، إنه الإسلام الأمريكاني في حلته الجديدة وتقليعته الجديدة، إنه إسلام موضة وموديل 2017 والذي تم إنتاجه في دور أزياء واشنطن ولكن أنّى لإسلام واشنطن، الإسلام الأمريكاني أن يلوث صفاء ونقاء الإسلام الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة؟!
واشنطن من مكة ذرة ولندن من طيبة كالهباء
فمن طيبة شعّ نور الهدى ومن واشنطن شاع سفك الدماء
ولكنها ليست مكة ولا المدينة تحت حكم ال سعود التي باتت
هي اليوم الأداة الرئيسية في الترويج للإسلام الأمريكاني الجديد.
ليس فقط أن آل سعود كانوا دائما الحليف والتابع للإدارة الأمريكية خلال عقود طوال في القضايا السياسية ويسيرون على خطاها شبرا بشبر وذراعا بذراع في السياسات الاقتصادية والنظريات الأمنية، ولكنهم اليوم أصبحوا الأداة الرئيسية لأمريكا في حرب الإسلام الذي يرى في أمريكا عدوا ظالما ومستعمرا لئيما.
نعم لقد غضّت أمريكا الطرف يوما عن بعض الجماعات الإسلامية لأنها حاربت الشيوعية، وهذا يحقق مصالحها بشكل غير مباشر، لكن وبعد أن نشأت جماعات إسلامية ترى الشيوعية وأمريكا وحديثا ترى روسيا وأمريكا في ميزان ومنظور واحد، وبعد أن تحالفت روسيا وأمريكا في أكثر من موقع أو صمتوا عن سياسات بعضهم البعض ضد هذه الجماعات، فكان لا بد لأمريكا أن تبحث عن إسلام جديد به تواجه وتحارب هذا الإسلام الذي ما عاد يقبل سطوة ولا بطش أمريكا وظلمها للمسلمين في كل مكان وخاصة انحيازها السافر للاحتلال الإسرائيلي والمشروع الصهيوني.
لقد وجدت أمريكا ضالتها في آل سعود ليكونوا هم وعبر الخلفية التاريخية وعبر سطوتهم على أرض ومهد الإسلام والمكانة الدينية المميزة لبلاد الحرمين الشريفين، ليكونوا هم من يروّج لهذا الإسلام الأمريكاني الجديد.
إنه الإسلام الأمريكاني الذي وصفه المرحوم الشيخ محمد الغزالي لمّا قال: ( إن أعداءنا يريدون لنا إسلامًا مُقلّم الأظفار، منزوع الأنياب، مسحوب العظم، مقطوع اللسان، مشلول الأركان ) وهذا اسلام لا محل له إلا للتسول على قارعة الطريق أو في دور العجزة أو في المقابر، وهو اسلام لا نريده ولن نقبل به.
إنه الإسلام الأمريكاني الجديد الذي يروّج بل هو من يقف خلف مصطلح الإرهاب الإسلامي، ليرتبط الإسلام بالإرهاب والإرهاب بالإسلام.
إنه الإسلام الأمريكاني الذي يعتبر حركات المقاومة التي تواجه الاحتلال والبطش الإسرائيلي حركات إرهابية، كما صرح بذلك عادل الجبير وزير خارجية آل سعود.
إنه الإسلام الأمريكاني الذي يعلن الحرب السافرة على الحركات والجماعات والتيارات الإسلامية الوسطية ويمنع وصولها إلى الحكم ولو عبر صناديق الاقتراع، كما حصل في مصر لأنه يعلم علم اليقين أن هذا سيكشف زيفه ويزيل القناع عن حقيقة كونه يتستر بالإسلام لتحقيق مصالح عائلية، كما حصل في دعم آل سعود لانقلاب السيسي على الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي ، فقط لكونه ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
إنه الإسلام الأمريكاني الذي يريد لكل العلماء والدعاه أن يتحدثوا عن إسلام آل سعود بالاعجاب والثناء، ومن يلوذ بالصمت فإنه يعتبر معارضا لا بد أن يسجن ويعتقل أو أن عليه الهروب مسبقا خارج الوطن.
إنه الإسلام الأمريكاني الذي يروّج لأن تصبح إسرائيل وبعد أن كانت دولة معادية لتصبح دولة صديقة بل دولة شقيقة، حيث يتم التواصل معها سرا وعلنا ويتم التمهيد لخلق واقع جديد ليس ضحيته إلا الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وفي مقدمتها القدس والمسجد الأقصى المبارك.
وليس بعيدا عن الإسلام الأمريكاني الذي تريده أمريكا وتتقبله، بينما تعادي كل إسلام آخر. فإنها إسرائيل التي حاربت المشروع الإسلامي والنهج الذي سارت عليه الحركة الإسلامية فقامت بحظرها وأغلقت عشرات المؤسسات واعتقلت العشرات من أبنائها وما يزال منهم من يقبع في السجون الإسرائيلية وفي مقدمتهم الشيخ رائد صلاح شيخ الأقصى.
إن المؤسسة الإسرائيلية تريد إسلاما إسرائيليا لا يزعجها ولا يغضبها ولا يحرجها ولا يصطدم مع مشروعها، ولا حتى يعترض على سياساتها ولا يفضح مخططاتها.
إن كل مشروع أو تيار يفعل ذلك فإنه سيصبح مغضوبا عليه وستطاله يد البطش الإسرائيلية والملاحقة والحظر والتضييق، وإلا فإنه الرضى والقبول وغضّ الطرف في بعض الأحيان.
إن الإسلام الإسرائيلي هو الصورة المصغرة عن الإسلام الأمريكاني الذي تريد أمريكا أن تفرضه على المسلمين عبر عكاكيزها ومن يسيرون في ركابها من قطيع أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة والسمو حيث يجدون أصحاب السماحة العلماء من يلبس هذا الإسلام الهجين الممسوخ العباءة الدينية ليخرج إسلاما أمريكيا بامتياز، موضة وموديل 2017 /1439.
لا للإسلام الإسرائيلي.
وألف لا للإسلام الأمريكاني.
ومليون لا لإسلام آل سعود.
نعم، وألف نعم ومليون نعم للإسلام الذي يعلم أبناءه العزة والكرامة، و ألّا تكون القيادة إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم ولمن يسيرون السير الصادق على طريقه ونهجه { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون }.
رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي ولوالدي بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون