أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةأدب ولغة

الإسلاميون لم يبلوروا مفهوما واضح المعالم للدولة المعاصرة

يواصل الكاتب، والباحث الفلسطيني، أحمد الدبش، في الجزء الرابع والأخير، من قراءته لكتاب “إشكالية الدولة الإسلامية تصور الحركات الإسلامية المعاصرة”، للباحث معين محمد الرفاعي، حيث يتناول هذا الجزء، إشكالية تأصيل الدولة الإسلامية في الفكر السياسي المعاصر، وخلاصة الباحث حول هذا الموضوع.

الفصل الثامن: إشكالية تأصيل الدولة الإسلامية في الفكر السياسي المعاصر
يستعرض المؤلف في الفصل الثامن، والأخير، أبرز النتائج التي توّصل إليها استقراء الأدبيات السياسية للحركات الإسلامية المذكورة، “هناك خلاف بداية حول وجوب الدولة الإسلامية، ومصدر شرعيتها(…) وهناك خلاف حول نظام الحكم فيها(…) وهناك خلاف حول طبيعتها(…) هناك خلاف حول أسلوب الحكم فيها(…) وهناك خلاف أيضاً على الموقف من الحريّات في ظلّها(…) ويطال الخلاف كذلك طريقة إقامة الدولة(…) ثمة شبه اتفاق بين الحركات الإسلامية على تبني بُنية الدولة الحديثة” (ص 649- 650).
ويحلل المؤلف، مضمون خطاب الحركات الإسلامية حول مسألة الدولة، الذي يري فيه أن صورة الحركات الإسلامية للدولة “أقرب إلى أن تكون مُتخيَّلة، لا يدعمها الواقع القائم، ولا حتى النظريات السياسية. تغيب عن الأدبيات السياسية للحركات الإسلامية عموماً دراسة ظاهرة الدولة، وظروف نشأتها، كمفهوم بلورته النظريات الغربية الحديثة، وما رافق ذلك من بروز لمفهوم القوميّة)” (ص 653).
القرآن الكريم قد ميّز بين الحُكم والمُلك بوضوح تام؛ وسياق النّص القرآني يوضح أنّ ما نعبر عنه اليوم بالسلطة يندرج في مجال الحقل المعجمي للملك، لا في مجال الحقل المعجمي للحُكم
يرى المؤلف أن “العلوم السياسية، الحديثة نسبياً، تقدم لنا صورة مختلفة لمفهوم الدولة، حتى على المستوى النظري. فالدّولة، في العلوم السياسية الحديثة، تقوم على ركائز ثلاث، هي: الإقليم، والشعب، والسلطة، إضافة إلى العلاقات التي تنظم وفقها هذه الرّكائز في فترة تاريخية معيّنة” (ص 654).
تشكّل السّلطة الرّكيزة الأساسيّة للدولة الحديثة، فـ”الحكومة لها وحدها حق ممارسة السّلطة في إقليمها، وحمل الأفراد، والجماعات على احترام سيادة القانون، والرّضوخ له، ولو بالقوّة إذ لزم الأمر” (ص 655).
يحاول المؤلف الإجابة على السؤال التالي: هل أجاز الإسلام قيام مثل هذه السلطة، سواء كانت فردية أم جماعيّة؟ وهل خوّل أحداً (فرداً أو هيئة) مثل هذه الصّلاحيّات الواسعة؟! (ص 656).
يتطرق المؤلف، إلى لفظتي الحكم، وأولى الأمر في الآيات القرآنية، للتدليل على أن الاستخدام المعاصر لهما، ليس هو ذاته الذي فهمه المسلمون الأوائل.
يتوصل المؤلف إلى أن “لفظ الحُكم في القرآن الكريم لا يفيد شيئاً آخر سوى تبيان الأحكام، ولا يتضمن اللفظ بذاته، أي تفويض باستخدام القوّة لتنفيذ الحكم” (ص 658). فالحُكم في لغة العرب، وكما عرفه المفسّرون، بحسب المؤلف، “لا يدور حول السّلطة، ولا القوّة، ولا التفويض، وإنما حول الحكمة، والمعرفة، والعلم” (ص 661).
يذهب المؤلف إلى “أن القرآن الكريم قد ميّز بين الحُكم والمُلك بوضوح تام؛ وسياق النّص القرآني يوضح أنّ ما نعبر عنه اليوم بالسلطة يندرج في مجال الحقل المعجمي للملك، لا في مجال الحقل المعجمي للحُكم” (ص 662).
أما معنى أولي الأمر، يرى المؤلف، أن “القرآن الكريم تحدّث عن أولي الأمر، ولم يتحدث عن وُلاة الأمر، ولا عن أولياء الأمر، كما لم يتحدث عن الأمراء، ولا عن السّلاطين أيضاً” (ص 663). بحسب المؤلف، “غاية القول، هي أنّ الاستناد إلى لفظ أُولِى الأَمرِ، في القرآن الكريم لتبرير وجود السلطة السياسية، وصلاحياتها المقيدة، أو المطلقة، لا يصمد أمام نصوص القرآن، ولا أمام سُنّة النبي (صلي الله عليه وسلم). بل إنّ نصوص القرآن، وما ورد في السّنّة الصحيحة الثبوت يفتح أمامنا الباب لحلّ إشكالية تتعلق بآلية اتّخاذ القرار بين المسلمين. فالمسألة في القرآن بيّنة، وهي أنّ أيّ أمر (= حادثة) تنزل بالمسلمين، أو تطرأ في حياتهم، في شأن من الشؤون (الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو العسكرية، أو الأمنية، أو الثقافية، أو الإعلامية..الخ)، فإنه لا بدّ من إرجاعها إلى أهل كلّ اختصاص مجتمعين، لا فرادى؛(…) والحكم الذي يصدره أولي الأمر هؤلاء بطريقة الاستنباط إزاء الأمور الحادثة، تُعرض على المسلمين للشورى بينهم، فيبيّن أهل الاختصاص ما توصلوا إليه من رأي، ويكون للمسلمين اتخاذ القرار المناسب بناء على ما تبيّن لهم من معرفة وعلم… وهنا يأتي الأمر للمسلمين عموماً أن يطيعوا أولي الأمر منهم. وأما في حال اختلف قرار أهل الاختصاص (أولي الأمر) عن قرار عامّة المسلمين (الشورى)، فعندئذ، يرجع الأمر إلى الله وإلى الرسول، ليُتخذ القرار النهائي، بناء على ما يحقق مقاصد الشريعة، ويكون أقرب للتقوى” (ص 666).
يتوقف المؤلف، من الاستقراء المستفيض للفظ (أولي الأمر) لدى جمهور المفسرين، إلى النتيجة التالية: “أنّ (أولي الأمر)، هم العلماء والفقهاء، وأهل الاختصاص. وعليه، فإنّ ارتكاز بعض المفكرين المعاصرين على آيات (أولي الأمر) لإضفاء الشرعية على نظام الدولة الحديثة، وتحديدهم لأولي الأمر على أنّهم الرؤساء أو الحكومة، أو ذوي المناصب السياسية من نواب، أو وزراء، أو غيرهم، هو ممّا لا يستقيم، لا في لسان العرب، ولا في نصوص القرآن، ولا السنة النبوية الشريفة، ولا مع فهم سلف هذه الأمة (ص 680).
يستخلص المؤلف، “أنّ أزمة الفكر السياسي الإسلامي المعاصر ليست أزمة ناتجة عن عجز في التشريع، بل عن عجز في الاستجابة لتحدّي ومتطلّبات الدولة الحديثة، وعدم الوقوف على حقيقتها. لقد تجلّى بوضوح أنّ غالبية مفكري الحركة الإسلاميّة المعاصرين ليس لديهم تصوّر مختلف (للدولة الإسلاميّة) ووظائفها، عمّا تقدّمه النظرّيات السّياسيّة الغربيّة، فأوكلوا إليها الوظائف ذاتها، وأثبتوا لها البُنية ذاتها، بعد أن أضفى عليها معظمهم صبغة إسلامية” (ص 681 ـ 682).
أزمة الفكر السياسي الإسلامي المعاصر ليست أزمة ناتجة عن عجز في التشريع، بل عن عجز في الاستجابة لتحدّي ومتطلّبات الدولة الحديثة،
يرى المؤلف، أن الأمة الإسلامية اليوم تدفع “ثمناً غالياً بسبب أزمة التأصيل التي يعاني منها الفكر السّياسي الإسلامي المعاصر، والتي تمظهرت في النتائج المختلفة، والمتناقضة أحياناً، لدى الحركات الإسلامية، وفي تصوراتها لمفهوم الدولة الإسلامية” (ص 682).
يقترح المؤلف، لتجاوز هذه الأزمة النظرية والسياسية في آن، “دراسة مفهوم الدّولة الحديثة في إطاراتها الزمانية والمعرفية(…) ثانياً: إعادة قراءة النّظام السياسي في الإسلام(…) وبعبارة أخرى، ينبغي دراسة موضوع الدولة في الإسلام، عبر الوقوف على الظاهرة في طورها التاريخي من جهة، والوقوف على موقف الإسلام من مفهوم (السلطة/ الولاية)” (ص 683).
يتطلب إنجاز ذلك، أموراً عديدة منها: “تنقية المفاهيم المتعلقة بالدولة، بناء على ما تقرره مصادر الشريعة، لتحديد الحُكم الإسلامي منها، وفق مقررات الشريعة، وقواعد الأصول الشرعيّة. ومنها أيضاً، إعادة قراءة النّظام الإسلامي، في بعده السّياسي، من مصادره كما وردت في السّنّة الشريفة، والسّيرة النبويّة المطهّرة، أخذاً في الاعتبار السّياق التّاريخي، وتحديد جوهر المفاهيم الأساسيّة. وكذلك، رفض كل محاولة لإسقاط مفهوميٍّ غربي على الأحكام والنصوص الإسلامية، وتبيان خطئها، انطلاقاً من مصادر الشريعة” (ص 684).

الخاتمة
في نهاية المطاف، يطرح المؤلف، السؤال التالي: ما الذي ينبغي على الحركة الإسلامية اليوم فعله؟ هل ينبغي لها اعتزال العمل السياسي، والعكوف على صياغة نظرية سياسية إسلامية؟
يجيب على ذلك، بقوله: “ينبغي للحركة الإسلامية أن تلتفت إلى ما هو غير مختلف عليه بين المسلمين، وهو تحقيق عزّة الأمّة، وكرامتها من خلال مواجهة المشروع الغربي(…) والخروج من كل وجه من وجوه الصراع على السلطة، والابتعاد عنه” (ص 687). و”يجدر بالحركة الإسلامية أن تجعل من أولى أولوياتها التصدّي للمشروع الصهيوني في فلسطين(…) وأن تجعل من الجهاد في فلسطين قبلة جهادها”، (ص 689).
وفي نهاية الكتاب، يؤكد المؤلف، على عده ضرورات هي: “إعادة بناء المجتمع المسلم، والالتفاف حول قضية فلسطين، كقضية جامعة للأمّة، وكأولوية إسلامية لا خلاف عليها، في انتظار بلورة رؤية سياسية إسلامية تخرج الأمّة من مأزق التغريب، والخضوع للهيمنة الغربية، مبنيّة على أصول سليمة من هَدْي القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة” (ص 690).
تميز هذه الدراسة الشاملة الانسجام بين عناصرها، كما قال الدكتور محمد سليم العوَّا، في تقديمه للكتاب، “إنها دراسة ناقدة، لا تقبل الآراء، والأفكار مُسَلَّمَا بها دون عرضها على الأصول الفكرية للحركات الإسلامية التي يتناولها الكتاب. يقع ذلك في جميع فصوله بحيث يشعر القارئ أنه يلم بمسائل الكتاب من داخلها لا من خارجها، ويقف على ما هو متسق من أفكارها وما هو متناقض أو متخاذل” (ص 14).
*كاتِب وباحِث فلسطيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى