أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

“إسلام لايت” ليس في حيِّنا

توفيق محمد

يلاحظ في الآونة الأخير ة هجوم كلامي غير مسبوق على الإسلام، وعلى الإخوة حملة الشهادات العليا في العلم الشرعي، وعلى الإخوة الدعاة من أبناء الصحوة الإسلامية، ويتذرع المهاجمون بكونهم مسلمين، وأن ليس لأحد؛ مهما بلغ من العلم الشرعي، أكثر منهم في هذا الإسلام العظيم، وأنهم هم أيضا مسلمون ويغارون على الإسلام ليس أقل مما يغار عليه الدعاة والمصلحون وحملة الدكتوراه في العلوم الشرعية، ويتذرعون بأقوال من مثل “الدين للجميع ويهمنا جميعا”، أو الدين لله والوطن للجميع”، أو يصفون الدعاة بقولهم: “بعاد كل البعد عن وصايا الرسول.. هذول بفصلو الدين على مزاجهم”، أو كأن يتطاول أحدهم على الشيخ مشهور؛ رئيس المجلس الإسلامي للإفتاء، ويتهمه بأن الكلام الذي صدر عنه في إحدى خطب الجمعة “غلط ومغالطة”!

إنهم يتحدثون بكل ذلك، وفي نفس الوقت فإنهم لا يقيمون من أمور الشرع والدين شيئا، فهم يريدون أن يبقوا على ما هم عليه من الهوى والمعاصي والمخالفات الشرعية، وفي نفس الوقت فإنهم يعتبرون أنفسهم المدافعين عن الدين والشرع والمسلمات والحدود الشرعية حسبما يصفها لهم هواهم وأهواؤهم.

أيها السادة، لست بصدد تحديد من هو المسلم من غيره، وليس هذا هو السؤال المطروح بتاتا، فكلنا مسلمون بداية، وكلنا نغار على هذا الدين، ولكن بدرحات متفاوتة ومختلفة، كل حسب درجة إيمانه والتزامه بدين وشرع الله، فتعالوا بنا بداية نتفق على هذا الأساس أولا، ثم نذهب سويا إلى بقية القضايا.

 عليه فإننا أمام ثلاثة أنواع من الناس:

الأول: مسلم ملتزم بدين الله وشرع الله عن علم ومعرفة وإيمان، يصيب ويخطئ ويذنب ويستغفر، ويتمثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”، يعلم أنه ليس منزها عن الخطأ والذنب، لكنه يعلم أنه ليس ملائكيا مطلقا، إنما يصبو أن يصيب دائما، وإن أخطأ فإنه يسترجع ويستغفر، وعليه فإنه يرى بنفسه مؤهلا أن يدعو الناس إلى الصلاح، بل إن دعوته الناس إلى الصلاح تصبح واجبا شرعيا عليه، لأنه إن رأى حرمات وحدود الله تنتهك وبقي صامتا فإنه يخشى عليه أن تصيبه؛ “به فابدأ” في قصة العابد الذي لم يغضب لله وهي كما ورد في الأثر : “بَلَغَنِي أَنَّ مَلَكًا أُمِرَ أَنْ يَخْسِفَ بِقَرْيَةٍ، فَقَالَ: يَا رَبِّ، فِيهَا فُلانٌ الْعَابِدُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ “أَنْ بِهِ فَابْدَأْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَمَعَّرْ وَجْهُهُ فِيَّ سَاعَةً قَطُّ”. وعليه فإن واجب الشيخ مشهور والدعاة أن يبينوا للناس حدود ما أحل الله وما حرم مشكورين مأجورين، وإن لم يفعلوا فإنهم سيأثمون.

الثاني: مسلم يقترف المعاصي، كأن لا يأتي بما فرض الله عليه من فرائض، أو أن يأتي ما نهى الله عنه، ولكنه في ذات الوقت لديه غيرة على الدين وعلى الشرع فتراه يدافع عنه، ولكنه على التراخي؛ يأتي بعض الممنوعات أو لا يؤدي الواجبات الدينية، وهذا هو حال الغالبية العظمى من أبناء أمتنا في هذا الوقت، وهم الذين نرجو لنا ولهم الهداية الكاملة والإلتزام الكامل التام بشرع الله تعالى.

الثالث: هم مسلمون مزاجيون، يحاربون الدين والعلماء، وهم الذين يحاولون إسقاط هيبة الدين من عيون الناس؛ عبر الإدعاء بأنهم مسلمون قبل أن يأتي “هؤلاء العلماء”، وأنهم يعلمون أمور دينهم، وأن الدين هين لين بسيط وليس كما يصوره “المشايخ”، فهم يسعون أولا إلى محاولة الإنتقاص من أهل الدين عبر انتقادهم المتواصل، وعبر تسفيه آرائهم، وعبر الدعاوى بأنه لا فرق بينهم (أي العلماء) وبين سائر الناس، وهي حقيقة مجردة؛ فكل الناس سواسية، لكنها تقال في سياق انتقاص أفضلية علمهم الشرعي على سائر الناس؛ كأن تقول ألا أفضلية للطبيب في علمه ومجاله على المهندس في هذا الجانب تحديدا وهو الطب، فهؤلاء القوم اذا يسعون بداية إلى نزع هالة العلم الشرعي عن أهل العلم الشرعي وعن العلماء، وجعلهم وسائر الناس متساوين في العلم الشرعي، وذلك من أجل

أولا: ضرب شخصية العلماء والدعاة والإنتقاص منها أمام الناس، ونزع مرجعيتهم الشرعية في عيون الناس، وبالتالي جعل الدين والفتيا مشاعا يدلي أي كان بدلوه في مياهه التي يسعون لتعكيرها.

ثانيا: ضرب الدين وحدوده وضوابطه ومسلماته، عبر الإدعاء بأن “الإسلام إسلامنا جميعا”، وعبر الإدعاء “قد تربينا جميعنا على الإسلام ونعرفه جيدا وهو ليس كما يقول المشايخ”، وعبر ادعاء “جايبين دين جديد” وغيرها من الادعاءات التي يسعى أصحابها إلى شرعنة أهوائهم وهواهم وميولهم النفسية وركونهم إلى الحرام وابتعادهم عن الفرائض. وباختصار شديد إنه الإسلام الأمريكاني “إسلام لايت” يعتقدون أنه مثل “المالبورو لايت” او “الكولا دايت”؛ أي الإسلام المخفف الذي يتيح لهؤلاء أن يأتوا بالمعاصي كلها فيما يبقون على مسماهم “بالمسلمين”، ويقولون: هذا الذي وجدنا عليه آباءنا.. مصداقا لقوله تعالى: “بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (22) الزخرف”.

إن الإسلام أيها السادة له ضوابط وله أصول وله أوامر وله نواه وله مسلمات، وإن علماء الشرع هم فقط المختصون وهم الأهل كي يعلمونا أصول ديننا، ومنهم وعنهم نأخذ ديننا، وما سوى ذلك فهو ليس إلا أهواء لا يعتد بها ولا يؤخذ بها.

ألا فلتصمت الأفواه عن الخوض فيما لا تعرف، وليتركوا شأن الفتيا وضوابط الشرع لأهل الشرع فقط.

ليس هناك “إسلام لايت”، بل هناك إسلام يؤخذ كلا، وليس جزيئات وأقساما

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى