بوتين الملاحق دوليًا يحتضن بشار الهارب من العدالة
الإعلامي أحمد حازم
يوجد مثل يقول “ان الطيور على أشكالها تقع”. وبالرغم من أن المتعارف عليه أن هذه المقولة هي مثل تداوله العرب قديما وتوارثته الأجيال، إلا أن باحثين في علم النفس من جامعة “ترير” الألمانية حاولوا التأكد من أن الإنسان أيضا يبحث وينجذب لمن يشبهه في شكله أو طباعه، كما تفعل الطّيور. والطير الهارب بشار انجذب الى شاكلته بوتين لتشابه الطباع والممارسات بين الاثنين.
بعد هروب بشار الأسد الى روسيا وقبوله “لاجئًا” فيها، هناك سؤال يطرح عما إذا كان من حق الجنائية الدولية محاكمة الأسد، وعما إذا كانت روسيا من ناحية القانون الدولي يسمح لها قبول لجوء الأسد على أراضيها. المحكمة الجنائية الدولية من الناحية القانونية لا تملك اختصاصًا قضائيًا على نظام بشار الاسد، لأنَّ سوريا ليست مصادقة على نظام روما، ولم تعلن حكومتها قبول اختصاص المحكمة، ولأن مجلس الأمن لم يحل الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية. وهنا تجدر الإشارة الى أنَّ نظام روما الأساسي، الذي اعتُمد في عام 1998، يعتبر بمثابة المعاهدة الدولية المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية.
في شهر يونيو/ حزيران العام الماضي، رفعت هولندا شكوى ضد نظام الأسد لدى محكمة العدل الدولية بتهمة “انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي” منذ اندلاع الحرب الأهلية في البلاد في عام 2011، ووقتها قال وزير الخارجية الهولندي فوبكه هويكسترا في بيان صدر في هذا الشأن إن مواطنين سوريين تعرضوا للتعذيب والقتل والاختفاء والهجوم بالغاز السام. في تلك الفترة نفى بشار الأسد وبكل وقاحة ضلوع نظامه في أية ممارسات تعذيب للخصوم السياسيين وأهلهم.
وما تم الكشف عنه بعد سقوط النظام من جرائم مخيفة ومرعبة يظهر كذب الاسد، علمًا بأن إحصاءات الشبكة السورية لحقوق الإنسان تفيد بأن 14،449 مدنيًا قضوا في سجون النظام السوري تحت الأرض وفوقها، نتيجة أساليب التعذيب الوحشية، بما في ذلك الضرب المبرح والصعق بالكهرباء وحرق أجزاء من الجسم وخلع الأظافر والأسنان والاغتصاب وغير ذلك من أشكال العنف الجنسي، فضلًا عن الحرمان الممنهج من الطعام والماء والأدوية.
المعلومات المتوفرة تقول إنَّ نصف مليون سوري راحوا ضحية الحرب الأهلية منذ عام 2011. ووفق تقديرات رابطة معتقلي صيدنايا، دخل هذا السجن حوالي 30 ألف شخص منذ عام 2011 وحتى عام 2020، خرج منهم سبعة آلاف فقط، أمّا البقية، فإما تعرضوا للقتل أو وقعوا ضحية الاختفاء القسري.
ولكن الأمر الغريب في هذه “الشكوى” الهولندية ان تقديمها تمَّ لجهة غير مخولة وغير مسؤولة عن محاكمة المجرمين وأن محكمة العدل الدولية لا اختصاص لها بالنظر بقضايا التعذيب، حسب رأي الحقوقي السوري أنور البني رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، وكان الأحرى بهولندا أن تتقدم بشكوى لمحكمة الجنايات الدولية ضد نظام الأسد كونها الجهة المخولة بمعاقبته وفق تخصصها، خصوصًا أن وجود ضحايا لجرائم الأسد على الأراضي الهولندية يمنحها الصلاحية لمثل هذا الطلب من الناحية القانونية.
الآن بشار الأسد موجود في روسيا التي بررت قبول لجوئه فيها “من ناحية إنسانية” وهذا طبعًا يعتبر انتهاكًا للقانون الدولي والاتفاقيات التي وقّعت عليها روسيا. المختص بالقانون الجنائي الدولي، المعتصم الكيلاني، يرى أنَّ روسيا ملزمة وفق القانون الدولي بمجموعة من الالتزامات الناشئة عن المعاهدات الدولية، وخاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، والتي تستوجب محاسبة أو تسليم المتهمين بالتعذيب للمحاكمة. هذا يعني بوضوح أن روسيا ستتعرض لانتقادات دولية ومطالبات قانونية باعتبارها متواطئة في حماية متهم بجرائم حرب، إذا عرقلت الجهود القانونية لمحاسبة بشار الأسد.
القوانين الدولية تقول ان الأشخاص المعرضين لخطر على حياتهم أو سلامتهم بسبب النزاعات أو الاضطهاد يحق منحهم اللجوء الإنساني والحماية وهذا لا يطبق على حالة بشار الاسد لأن الاتفاقيات الدولية تستثني المتهمين بجرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب من الحماية القانونية. ولكن هل هناك تبعات قانونية يمكن أن تتأثر بها روسيا جراء استضافة الأسد؟ تقول المحامية السابقة في المحكمة الجنائية الدولية، ديالا شحادة، ان التبعات “تظل محدودة في ظل غياب طلبات رسمية لتسليم الاسد حتى اللحظة”.
في حقيقة الأمر أن السلطات الروسية تكذب بوصفها قبول لجوء الأسد هو من ناحية إنسانية، فلو رجعنا الى أقوال مسؤولين روس لوجدنا أن سبب القبول هو “سياسي” وليس “إنساني” بدليل أن مساعد مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، أعلن أن موسكو طلبت عقد اجتماع طارئ ومغلق لمجلس الأمن الدولي بشأن سوريا، لبحث تداعيات الأحداث الأخيرة على سوريا والمنطقة، في حين غرّد المبعوث الروسي في فيينا، ميخائيل أوليانوف، قائلا إن “روسيا لا تخون الأصدقاء في المواقف الصعبة”. والمقصود بالأصدقاء هنا بشار الأسد. أليس هذا موقفًا سياسيًا؟ وليس مستبعدًا أن تلجأ روسيا لاستخدام نفوذها، خاصة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، لحماية الأسد من الملاحقات الدولية ومنع إحالته للمحكمة الجنائية الدولية.