الإعلامي أحمد حازم
وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليسا رايس، قالت ذات يوم، إنه لا توجد صداقة دائمة لأمريكا، بل المصالح هي التي تتحكم بالعلاقات. وللتاريخ الشرق أوسطي حكاية عمرها 24 سنة، وهي إحدى حكايات أمريكا في هذه المنطقة، التي لن يذكر بأية إيجابية، لما ألحقته بهذه المنطقة (وغيرها أيضًا) من مآس ودمار. فخلال مؤتمر روما الدولي حول الحرب في لبنان الذي انعقد في السادس والعشرين من شهر يوليو/تموز عام 2006، قالت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس خلال المؤتمر الصحفي، إن حرب لبنان هي “آلام الولادة القاسية للشرق الأوسط الجديد”.
ما قالته رايس لم يكن صدفة، بل هو حصيلة دبلوماسية أولى للحرب التي شنّتها إسرائيل في لبنان! فماذا قصدت كوندوليزا رايس حين قالت ذلك بعد زيارتها لإسرائيل في تلك الفترة الزمنية؟
لقد قيل وقتها، إنَّ الولايات المتحدة تطلّ على حرب لبنان بصفتها جزءًا من حرب أشمل أو على الأقل بكونها خطوة مهمّـة نحو إحياء مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الموسّـع.
وقيل وقتها أيضًا، إنّ الآفاق الإستراتيجية التي تتطلّـع إليها الولايات المتحدة لحرب لبنان في الشرق الأوسط، تتطابق إلى حد كبير مع آفاق تكتيكية تتعلق بالوضع الداخلي الأمريكي، وبالتحديد بمعركة الانتخابات التشريعية الحاسمة في تلك الفترة.
التاريخ يعيد نفسه. وقتها، وحسب المعلومات المتوفرة كانت إدارة بوش، قد أعطت نفسها مهلة ثلاثة أشهر لمحاولة ترتيب أوضاع الشرق الأوسط الجديد، لأنّ من شأن نجاحها في هذا المسعى أن يضمن لها حتمًا، مواصلة السيطرة الجمهورية على مجلسي الكونغرس من نواب وشيوخ، وبالتالي، على البيت الأبيض في انتخابات 2008.
هكذا كانت الحالة الامريكية، وهي نفس الحالة التي تعيشها أمريكا الآن، قبل أربعة أشهر من انتخابات الرئاسة الأمريكية بين مرشح مدان في المحاكم الأمريكية اسمه رونالد ترامب، فعل لإسرائيل ما لم يفعله غيره من الرؤساء الأمريكيين، وبين مرشح يريد اعتلاء كرسي الرئاسة الأمريكية مرة ثانية ليواصل دعمه اللامحدود لإسرائيل، التي تشن حربا شعواء على قطاع غزة منذ حوالي تسعة أشهر، بمعنى أنّ بايدن يصارع في الخارج إلى جانب إسرائيل، أملا منه في دعم يهود أمريكا له، ويصارع داخليا ضد منافسه. الحالة الإسرائيلية الحالية، شبيهة بالوضع الأمريكي.
نتنياهو يصارع على جبهتين، محلية وخارجية، من أجل البقاء في المنصب. لا يهمه كيف، بل يهمه الهدف. عشرات آلاف المتظاهرين الإسرائيليين يخرجون باستمرار، مطالبين بالمفاوضات مع حماس لاسترجاع المحتجزين، ومطالبة المعارضة باستقالة نتنياهو، الذي لا يزال مصمما على مواصلة الحرب، إضافة الى العزلة الدولية وقرارات محكمتي العدل والجنائية الدوليتين. كل ذلك لم يؤثر به.
حتى الجيش والدوائر الأمنية الأخرى ترى -كما تقول صحيفة “هآرتس”- أنّه “يجب على إسرائيل أن تحاول الدفع بصفقة لتحرير كل الأسرى إلى الأمام، حتى لو كان ذلك بثمنٍ باهظ بإجراءات من جانبها، وحتى لو تمكنت حماس من تقديم الاتفاق على أنه إنجاز لها”. وكان الرئيس السابق لشعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي، واللواء في الاحتياط الإسرائيلي يسرائيل زيف، قد أكد أنّ “الصفقة وحدها هي التي يمكنها إعادة الأسرى الإسرائيليين”. وهناك العديد مثله من القادة العسكريين والأمنيين.
الحديث الآن عن صفقة جديدة (قديمة) مطروحة أمريكيا وإسرائيليا أمام حماس للموافقة عليها، ويأمل بايدن في نجاح هذه الصفقة، لأنها تلعب دورا كبيرا ومهما في تقدمه في معركة انتخابات الرئاسة الامريكية التي يتم التحضير لها في هذه الأيام. لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، وحسابات بايدن تختلف عن حسابات حماس لكنها تتلاقى مع حسابات نتنياهو، لأنَّ الهم الوحيد للاثنين هو البقاء في الرئاسة.
ليس ما يريده بايدن أو ما يريده نتنياهو يجب أن يتم، لأنّ موقف السنوار من طرح أي مشروع تفاوضي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار. يحيى السنوار قالها بصريح العبارة فيما يتعلق بأية خطة تفاوضية مستقبلية، إنّه لا ضرورة لمراجعته في شأن كل عرض لوقف الحرب، فما يهمه: وقف إطلاق نار دائم، والنص على انسحاب إسرائيل الكامل من القطاع.
محلل سياسي لبناني صديق لي، أخبرني بأنّ آموس هوكشتاين مستشار الرئيس الأمريكي بايدن، طلب من رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي رئيس حركة أمل الشيعية التي تشكل الثنائي الشيعي مع حزب الله، أن ينقل رسالة للحزب ليلعب دورا مع حركة حماس كي توافق على خطة بايدن. وحين تبلّغ الحزب بذلك كان الجواب سلبيا.
على كل حال، تستطيع إسرائيل أن تقتل وتدمر في قطاع غزة، لكنها لا تستطيع (لا هي ولا أمريكا) فرض موقف على حركة حماس، إذا كان السنوار غير موافق عليه.