التاريخ يعيد نفسه: المشترك بين (اليهود) سابقًا وفلسطينيّي قطاع غزة حاضرًا
الإعلامي أحمد حازم
المجازر هي مجازر أينما وقعت، والمآسي هي مآسي أينما حلت، والكوارث هي كوارث أينما حدثت في التاريخ حيث علمنا عمّا جرى في هذا العالم المليء بالمجازر والمآسي والكوارث.
اسمعوا ما سجله هذا التاريخ: في الوقت الذي كان العالم يتعاطف كليا مع اليهود وضحاياهم في فترة النازية، وفي وقت لم تكن قد جفت بعد دماء هؤلاء الضحايا اليهود، كانت منظمتان إرهابيتان يهوديتان “شتيرن” و”هاغاناه” تنفذان خطط تهجير الفلسطينيين في عام 1948، وتمارسان أبشع أنواع الجرائم ضدّ الإنسانية من قتل وترويع وتدمير بيوت وإحراق مزارع وتهجير جماعي.
كانت عيون العالم وقتها متجهة ومركزة على معاناة اليهود، ولم يهتم أحد بما تفعله المنظمتان اليهوديتان بالفلسطينيين، ولم يجرؤ أحد عن التعبير عمّا ترتكبه هاتان المنظمتان من جرائم، لأن أيّ احتجاج أو معارضة في ذلك الوقت ضدّ ممارسات شتيرن والهاغاناه، يمكن أن يوضع في خانة معاداة اليهود والتي أدّت (على ذمّة التاريخ) إلى اضطهاد اليهود في المجتمعات الأوروبية.
رئيسة حكومة إسرائيل السابقة غولدا مائير، تقول في كتابها (مذكّرات غولدا مائير) إنّها بكت عندما رأت قوافل الفلسطينيين يحملون أطفالهم وشيئًا من أمتعتهم وهم يهاجرون تحت الرصاص والقنابل التي كانت تمطرهم بها القوات الإسرائيلية. لكن غولدا مائير تعترف من جهة ثانية بأنّ حزنها على المشاهد التي رأتها ليس عطفًا على الفلسطينيين، بل لأن ذاكرتها أعادتها إلى ما تعرّض له اليهود في دول، مثل ألمانيا وبولندا على سبيل المثال. لكن لو أمعنا النظر في قول غولدا مائير لوجدنا اعترافا واضحا منها بوجه الشبه بين ما يحدث للفلسطيني في غزة وما حدث لليهودي في الحرب العالمية الثانية. وشهد شاهد من أهله.
اليوم، تغيّرت الصورة كليا لدى الراي العام العالمي. إن هذا العالم يقف مذهولًا أمام حجم ونوع الجرائم ضدّ الإنسانية في قطاع غزة، ولهول ما يرى لم يعد مشهد اليهودي المضطهد في فترة الحرب العالمية الثانية في مخيّلة العالم بشكل عام، والأوروبي والأميركي بشكل خاص، لأنَّ مشهد الفلسطيني في قطاع غزة حلّ مكانه.
لست خبيرا عسكريا، ولكني أهتم بالأرقام التي يتحدث عنها المحللون العسكريون عن قطاع غزة. الدراسات العسكرية الإسرائيلية تقول إنّ نسبة الضحايا المدنيين إلى العسكريين هي اثنان إلى واحد. أي أنّه مقابل كلّ ضحيّتين من المدنيين هناك ضحية عسكرية واحدة. أمّا في غزة فقد تجاوز عدد الضحايا من أهاليها 36 ألف إنسان. وهذا يعني أنّ الحرب الإسرائيلية على غزة هي حرب عشوائية.
وهذه النسبة تعادل تلك النسبة التي ذكرها الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، عندما تحدث عن أعداد الضحايا المدنيين والعسكريين خلال الحرب الامريكية، التي شُنّت على العراق في عهد جورج بوش الابن، حيث ذكر في وصفه لضحايا هذه الحرب أن النسبة وصلت إلى 30 مدنيًّا مقابل عسكري واحد.
تاريخ إسرائيل ليس حافلا فقط بارتكاب مجازر ضد الفلسطينيين في العام 1948، بل مليء أيضا بأعمال السرقة والنهب للممتلكات والأموال التي تخص الفلسطينيين في تلك الفترة الزمنية.
المؤرخ الإسرائيلي آدم راز، يتحدث في كتابه “نهب الممتلكات العربية في حرب 1948” عن عمليات نهب السكان اليهود لأملاك الفلسطينيين الذين تمَّ تشريدهم إبان النكبة، ويكشف وقائع جرائم نهب جماعي منظم. واستنادا إلى اقوال راز، فإنَّ هذا الكتاب هو أول كتاب إسرائيلي يتحدث عن عمليات نهب اليهود للممتلكات العربية وكأن سرقة الوطن لا تكفيهم.
الكتاب وحسب صحيفة هآرتس، “يروي مشاهد أكبر سطو مسلح في التاريخ ويكشف مقدار السلب والنهب للممتلكات الفلسطينية من قبل الإسرائيليين في نكبة 1948 ويقدم اعترافات تاريخية عن الفضيحة المثيرة للخجل التي تعكس حضيضا أخلاقيا”.
مضمون الكتاب الذي أصدره راز يؤكد ما قاله دافيد بن غوريون -الرئيس الأول لحكومة الاحتلال- في 24 يوليو/تموز 1948، إن “معظم اليهود لصوص”. وأشار بن غوريون في مذكراته إلى قيام الإسرائيليين بسلب الفلسطينيين بالقول: “اتضح لي أن معظم اليهود هم لصوص، وأنا أقول ذلك ببساطة وعن قصد لأن هذه هي الحقيقة للأسف”.
لا أدري عن أي أسف يتحدث بن غوريون. هو يأسف لسرقة ممتلكات، ولكنه هو نفسه ساهم في سرقة وطن. فماذا ينفع الأسف؟ كلام فارغ.
وأُنهي مقالي بفقرة من مقال للمحلل الإسرائيلي في صحيفة معاريف العبرية، إيمانويل روزين، الذي قال فيه: “يبيعون الجمهور المصاب بالحزن والصدمة منذ أكتوبر الماضي وعودا رخيصة في ضوء حقيقة أنه ليس هناك نصر وما يسمى النصر الشامل ليس أكثر من هراء شعبوي ضحل”.