سنوات العار على النظام العربي الرسمي.. 76 عامًا على النكبة
الإعلامي أحمد حازم
لفت نظري في المقال السابق لفضيلة الشيخ كمال خطيب عن ذكرى النكبة، إشارته لما جرى في أعقاب ما كان إبان النكبة عام 1948، وما كان يوم النكسة عام 1967، معيدًا إلى الاذهان قول أحد جنرالات الجيش الإسرائيلي “لقد ارتكبنا أكبر خطأين في تاريخنا، أمّا الخطأ الأول، أننا لم نهجّر من بقي من الفلسطينيين خلال الحرب فيقال بعدها أنهم هُجّروا في ظروف حرب. وإننا لم نهدم المسجد الأقصى في حرب 1967 فيقال بعدها أنه هدم في ظروف حرب”. إشارة الشيخ كمال في غاية الأهمية، لأنَّ الجنرال يعترف انه كان من الأفضل لبني صهيون لو جعلوا الأرض الفلسطينية خالية كليا من الفلسطينيين لتكون دولة اليهود فقط. وليس من المستغرب إذا أن يسنّوا فيما بعد، قانون القومية الذي ينصّ على يهودية الدولة، وليس عجبا أنَّ “زعران” اليمين بشكل عام و”بن غفير” و”سموتريتش” بشكل خاص ينادون علانية (بتنقية) المجتمع الإسرائيلي من الفلسطينيين.
في الخامس عشر من الشهر الحالي مرّت 76 سنة على النكبة الفلسطينية الأولى، التي يعتبرونها “يوم الاستقلال” والفلسطينيون يرون فيها “يوم النكبة”. لا أدري عن أي استقلال يتحدثون وهم لم يكونوا يوما ما دولة مستعمرة، بعكس الفلسطينيين الذين كانت دولتهم فلسطين تحت الاحتلال البريطاني المسمى “انتداب” علمًا بأن بريطانيا نفسها كانت سبب وقوع النكبة.
لا اريد التوسع في مقالي تاريخيًا عمّا جرى في نكبة عام 1948 لأن الشيخ كمال “كفّى ووفّى” تاريخيا ودينيا في مقاله ما قبل الأخير عن النكبة وذكراها، وسأتطرق إلى حديث آخر عنها.
الفلسطينيون لم يعيشوا نكبة واحدة فقط، بل كل حياتهم نكبات ليس من الاحتلال فقط، بل من تعامل الأنظمة العربية معهم كشعب ومع نكبتهم الأولى سابقا.
التاريخ يشهد على أنَّ القضية الفلسطينية وصلت إلى أسوأ مراحلها بسبب غياب دعم جدي من النظام العربي وتآمره أيضا على القضية الفلسطينية. أليس التطبيع هو نكبة للفلسطيني؟ أليست اتفاقات أبراهام هي نكبة من نوع آخر؟ حتى النظام الفلسطيني الرسمي خذل شعبه، عندما شارك في دخول إطار التسوية والعملية السياسية التي بدأت مع اتفاقات أوسلو والتي لم تحقق أيَّ تقدُّم.
اختلفتُ مع الراحل ياسر عرفات في قضايا سياسية عديدة دولية وعربية وفلسطينية، ولم أكن يوما من المؤيدين لنهجه تأييدا مطلقا، بل شهدت علاقتي معه كصحفي مستقل “طلوع ونزول” لكني اتفقت معه في رأي واحد وهو قوله “نحن شعب الجبارين”. هذا الشعب الذي لم يذق فقط الأمرّين، بل كل أنواع المر، وعانى الكثير، وهذا الشعب الذي قالت عنه رئيسة الحكومة الإسرائيلية السابقة غولدا مائير، إن كباره يموتون وصغاره ينسون، بمعنى أنهم راهنوا على أن اسم فلسطين سيمحى من سجلات التاريخ، لكنهم فشلوا. فقد استطاع هذا الشعب (شعب الجبارين) الاستمرار في الحياة رغم المصائب. فكبر صغاره وأفهموا العالم أنَّ الشعب الفلسطيني لم يستسلم رغم كل النكبات. أي سر في هذا الشعب؟ مشكلة الشعب الفلسطيني في قيادته التي لم تحظ يوما بعد وفاة عرفات بإجماع فلسطيني حولها. حتى في أيام عرفات ماذا حصل؟ بعد 46 عاما من نكبة 48 خدعنا عرفات في اتفاق أوسلو وكذب علينا. ففي عام 1994 عاد عرفات إلى غزة ليتولى رئاسة السلطة الفلسطينية نتيجة اتفاق اوسلو. وفي نفس السنة حاز على جائزة نوبل للسلام بالمشاركة مع إسحق رابين وشمعون بيريز لدورهم في توقيع اتفاقية أوسلو للسلام.
لا أدري عن أي سلام يتحدثون. اسمعوا ما قاله “رجل السلام” إسحق رابين رئيس وزراء إسرائيل في خطاب للكنيست عام 1995 أي بعد عام من منحه جائزة نوبل: “قلت أمس وأكرر اليوم إنه لا توجد قدسان، بل توجد قدس واحدة. وما نراه هو أن القدس ليست مادة للتفاوض، القدس كانت ملكنا وستكون ملكنا وهي ملكنا وستظل كذلك إلى الأبد”. يعني لنفاق أوسلو كلام فاضي للاستهلاك فقط.
لو كان للشعب الفلسطيني قيادة وطنية حكيمة تحظى بالتفاف شعبها حولها لكانت القضية الفلسطينية في وضع آخر. تصوروا بعد 76 سنة على مرور النكبة التي أوقعتها إسرائيل بالشعب الفلسطيني، يتبجح رئيس السلطة محمود عباس دائما بتعاونه مع إسرائيل في ملاحقة أبناء شعبه؟ فأي رئيس هذا الذي لا يوجد لديه أي إحساس بشعبه.
وما دام الشيء بالشيء يذكر، فإنني أُريد الإشارة أيضا الى استضافة نقابة الصحفيين المصريين للشيخ رائد صلاح، خلال زيارته للقاهرة، ومحاضرته التي ألقاها هناك في منتصف شهر ابريل/نيسان عام 2002 والتي أكد فيها بكل وضوح، أنّ “النكبة هي تطبيق لفلسفة عنصرية أوجدتها الفلسفة الصهيونية المعاصرة التي رفعت فيه شعار: نريد أرضا بلا شعب لشعب بلا وطن وأن النكبة لا تزال مستمرة وكأنها حدثت بالأمس”. ولم ينس الشيخ الحديث عن دور الجيوش العربية عما جرى للفلسطينيين بسبب التآمر ضدهم. فقد أشار الشيخ في محاضرته إلى كتاب (مذكرات عبد الله التل) الذي وصفه الشيخ “بالمهم” عن نكبة فلسطين، وهو شاهد عيان على ما جرى خصوصًا أن التل، كان مسؤولا عن فيلق القدس في تلك الفترة، حيث يقول التل فيه كما ذكر الشيخ في محاضرته: “أُتيح للجيوش العربية أن تقضي على المشروع الصهيوني أكثر من 6 مرات، وفي كل مرة وفجأة تعلن الهدنة!! فيستعيد الصهاينة قوتهم وسلاحهم”. وهل يوجد بعد أكثر من هكذا تخاذل وتآمر؟!!