بين حظر الحركة الإسلامية والدعوة إلى حظر لجنة المُتابعة العليا
الشيخ رائد صلاح
قامت المؤسسة الإسرائيلية بحظر الحركة الإسلامية في أواخر عام 2015، ولكن سبق ذلك الدعوة إلى حظرها قبل خمس سنوات على هذا الحظر، فقد دعا إلى حظرها خلال هذه الأعوام أرئيل شارون ويسرائيل كاتس وسائر الجوقة الرسمية الإسرائيلية التي تبنت وِزر هذا الحظر!!، وفي المقابل ها هي الأصوات الرسمية الإسرائيلية بدأت تدعو علانية إلى حظر لجنة المتابعة العليا، ولذلك لا يجوز الاستهتار بهذه الأصوات، ولا يجوز الادّعاء أنها مجرد أصوات نشاز لا وزن لها، فهكذا كان الحال قبل حظر الحركة الإسلامية فقد كانت الأصوات الداعية إلى حظرها مُجرد أصوات فردية ثمَّ تحوّلت هذه الأصوات الفردية إلى قرار حكومي إسرائيلي أعلن عن حظر الحركة الإسلامية، ولذلك المطلوب هو العمل على احباط حظر لجنة المتابعة العليا منذ الآن، حتى لا نُلدغ من جُحر مرتين.
قامت المؤسسة الإسرائيلية بحظر الحركة الإسلامية في أواخر عام 2015، ولم يكن هناك أي مُبرر قانوني لحظرها، ولم تكن هناك أية تجاوزات قانونية تدعو إلى حظرها، ومع ذلك قامت المؤسسة الإسرائيلية بحظرها، بدافع الكيد السياسي وافتعال الأوهام واستغفال عقول الناس لدرجة أنَّ المؤسسة الإسرائيلية راحت تدّعي أنها حظرت الحركة الإسلامية لأنها ترفض وجود دولة داخل دولة، على اعتبار أن الحركة الإسلامية كانت بمثابة دولة وفق اعتباراتها الكيدية. ولذلك فإن ظنَّ البعض أنه لا يوجد مُبرر قانوني لحظر لجنة المتابعة العليا، ولذلك لن تقوم المؤسسة الإسرائيلية بحظرها، فإنّ هذا الظن لا يكفي، خصوصًا ونحن في هذه الأجواء التي بات الواحد منّا عرضة للمطاردة السياسية التي قد تصل مرحلة الاعتقال وتلفيق التُهم له ثمَّ الزج به في السجن لسنوات بناءً على افتعال تُهم كيدية واستنطاق شهود بادعاء أنهم خُبراء لإثبات هذه التُهم الكيدية في أروقة القضاء، مما يُلزمنا بضرورة التعاطي مع الدعوة إلى حظر لجنة المتابعة العليا ببالغ الأهمية والجدية وعدم الاكتفاء بالردّ الإعلامي.
قامت المؤسسة الإسرائيلية بحظر الحركة الإسلامية في أواخر عام 2015 ولعل أحد الدوافع من وراء هذا الحظر والذي لم تُصرّح به المؤسسة الإسرائيلية هو أنّ الحركة الإسلامية كانت قد نجحت ببناء شبكة علاقات عامة على صعيد الداخل الفلسطيني ثمَّ على صعيد سائر شعبنا الفلسطيني ثمَّ على صعيد عالمنا العربي ثمَّ على صعيد أمتنا الإسلامية.
لدرجة أنه كان للحركة الإسلامية لجنة علاقات خارجية تُدير كل شبكة هذه العلاقات، فأعلنت المؤسسة الإسرائيلية حظر الحركة الإسلامية، وحظرت بذلك كل هذه الشبكة من هذه العلاقات المحلية والدولية، ولعل المؤسسة الإسرائيلية اليوم باتت تُمهد لحظر لجنة المتابعة العليا لأنَّ لجنة المتابعة العليا نجحت حتى الآن بالتأسيس لشبكة علاقات على الصعيد المحلي والعالمي، فكان هناك يوم التضامن مع فلسطينيي الداخل كل عام، وكان هناك التواصل مع القدس المباركة ومع سائر شعبنا الفلسطيني، وكان هناك إصدار بيانات التضامن مع الكثير من قضايا عالمنا العربي وأمتنا الإسلامية، ويبدو أنه بات من المطلوب في المؤسسة الإسرائيلية حظر لجنة المتابعة العليا من أجل حظر كل هذه الشبكة من العلاقات، ولذلك فإنَّ الدور المطلوب الآن من لجنة المتابعة العليا للردّ على دعاوي حظرها يجب أن يكون على مستوى محلي وعالمي، ويجب تجنيد كل منبر محلي وعالمي كي يرفع صوته مُنددًا بهذه الدعاوي المُطالبة بحظر لجنة المتابعة.
قامت المؤسسة الإسرائيلية في أواخر عام 2015 بحظر الحركة الإسلامية بعد أن أصبح واضحًا للقاصي والداني أنَّ الحركة الإسلامية كانت تملأ مساحة واسعة من مسيرة أهلنا في الداخل الفلسطيني، وكانت العنوان الأول لهموم عشرات الآلاف من هؤلاء الأهل الكرام على اختلاف تعدُدياتهم الدينية والسياسية، مع التأكيد أنَّ الحركة الإسلامية كانت قد أدَّت هذا الدور بعصامية شفافة بعيدًا عن لغة الوعود الحزبية، وبعيدًا عن ربط دورها بالدخول إلى لعبة الكنيست، وبعيدًا عن التقوي المالي بصناديق دعم غربية عابرة للقارات، ويبدو أنَّ المطلوب في حسابات المؤسسة الإسرائيلية كان حظر هذا الدور ودلالاته، وحظر هذا النجاح ودلالاته، وحظر تنامي هذا الدور وامتداده، ويبدو أنه كان المطلوب في حسابات المؤسسة الإسرائيلية حظر الحركة الإسلامية وحظر هذا الامتداد النامي، من أجل إحداث فراغ في مسيرة مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، بهدف اتاحة الفرصة لأجسام أخرى قد تكون في ظاهرها سياسية أو اجتماعية أو خدماتية لملء هذا الفراغ، ويبدو أنه كان المطلوب إحداث هذا الفراغ لتوفير أعلى نسبة نجاح لأفكار سياسية جديدة طرأت فجأة على مسيرة مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، فبدأنا نسمع عن شخصيات سياسية مرموقة في الداخل الفلسطيني تُشرعن تلقي دعم مالي خيالي من صناديق دعم أمريكية صهيونية، وتُشرعن شدّ الرحال إلى أمريكا وإلى الكونغرس الأمريكي وإلى المؤتمرات الصهيونية في أمريكا، ثمَّ بدأنا نسمع من بعض هذه الشخصيات السياسية المرموقة شرعنة دعم حكومة إسرائيلية من الخارج، ثمَّ تطور الأمر وأصبحنا نسمع من هؤلاء البعض شرعنة المُشاركة في ائتلاف حكومة إسرائيلي أيًا كان هذا الائتلاف.
ويبدو أنَّ المطلوب اليوم في حسابات المؤسسة الإسرائيلية حظر لجنة المتابعة العليا لإحداث فراغ بهدف أن تملأه شبكة من الجمعيات المدعومة من صناديق دعم غربية لخصخصة مجتمعنا، وتحويل حاله كحال الأيتام على موائد اللئام، لا سيما وأنَّ لجنة المتابعة ظلت هي العنوان فوق الحزبي الذي نجح بتجميع كل القوى السياسية في الداخل الفلسطيني في إطار واحد وظلَّ هو العنوان الذي يُمثل الجميع، وقد ظنَّ البعض أنَّ (القائمة المشتركة) ستكون هي البديل عن لجنة المتابعة العليا وستنجح بتجميع كل قوانا السياسية في الداخل الفلسطيني في إطارها، ولكن أظن أن الجميع يُوافقني الرأي أن (القائمة المشتركة) فشِلت في ذلك وسُرعان ما انقسمت على نفسها، وهذا يعني أن حظر لجنة المتابعة العليا هو إلغاء هذا الاطار الوحيد الذي نجح بتجميع كل قوانا السياسية في الداخل الفلسطيني، وهذا يعني تلقائيًا بعثرة هذه القوى السياسية ثم تحويل مجتمعنا في الداخل الفلسطيني إلى شيع وقبائل ذات لافتات سياسية مُستهلكة، ولذلك كم هو واهم من يظن أن المُستهدف وراء الدعوة إلى حظر لجنة المتابعة العليا هو شخص رئيسها أبو السعيد محمد بركة أو أشخاص آخرين أو لجان فيها!! إن المُستهدف الأول والأخير من وراء هذا الحظر هو مجتمعنا ذاته في الداخل الفلسطيني، والإمعان في تقسيمه وهو المقسوم أصلًا، والإمعان في تفريقه وهو المُفرق أصلًا، وفرض مبدأ المُقايضة عليه، بمعنى أن يرضخ لتلقي الخدمات التي يطلبها بواسطة بعض الجمعيات المدعومة مُقابل تبنيه لقيم صناديق الدعم الغربية وخاصة الصناديق الأمريكية الصهيونية!! مما يعني أنَّ أمامنا أيامًا ذات أهوال لا يُعين عليها إلا الله تعالى، فيا أهلنا في الداخل الفلسطيني اثبتوا، فإنّ من ورائكم أيام صبر القابض فيها على ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية كالقابض على الجمر…