أيّتها القوى الظّلامية موتوا بغيظكم
الشيخ رائد صلاح
يريدون مجتمعنا أرضا محروقة، لا وجود للإنسان فيه ولا للمسكن ولا للمقدسات ولا للقيم ولا للحاضر ولا للمستقبل وعندها ما أسهل تفكيك هذا المجتمع وإشاعة العنف فيه ومصادرة شعوره بالأمن والأمان، وعندها سيتحول هذا المجتمع إلى كمّ من الأفراد متنافرين عن بعضهم، ولا يثق أحد بالآخر، بل سوء ظنّ الكل بالكل هو سيد الموقف واتهام الكل للكل هو سمة عيشهم، وبثّ الإشاعات وترويج الأكاذيب وصناعة الافتراءات وتشويه الأمل ووأد التفاؤل وتبجيل اليأس وتقديس الإحباط هو التجارة الرائجة في سوق أفراد هذا المجتمع وعندها ما أسهل ترحيل هذا المجتمع أو دفعه للرحيل طواعية عن الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية (عكا وحيفا ويافا واللد والرملة) بحجة أنه ما عاد يطيق العيش في هذا الجو القاتم المحكوم بالسوق السوداء والربا الأسود والخاوة وفوضى السلاح الأعمى ونشر الممنوعات وفتح الباب لكل منكر على مصراعيه، وها هي المقدمات الفاجعة تشير إلى ذلك، وبتنا نسأل: أين فلان؟ فيقال لنا هاجر إلى تركيا ولن يعود، أو هاجر إلى الإمارات واستوطن فيها، أو هاجر إلى أوروبا وعلى وشك أن يحصل على الجنسية الأوربية، أو بات يقال لنا عن زيد أو عمرو الذي سألنا عنه بعد أن افتقدناه: بات مقيما في البلدة اليهودية الفلانية وبات مكتوبا في بطاقة هويته أنه أحد مواطنيها.
ومع هذا الحال المتردي الذي وصل إليه مجتمعنا، لا تزال هذه القوى الظلامية التي كانت ولا تزال تمكر بمجتمعنا ليلا ونهارا لا تزال تدفع به نحو الهاوية، ولا تزال تلجأ إلى أحط الدسائس الشيطانية لفرض هذه النهاية المأساوية على مجتمعنا والتعجيل بإعدامه أو دفعه إلى الانتحار، وحتى تصل هذه القوى الظلامية إلى هذا المبتغى القذر في أقصر وقت ممكن وبأقل القليل من التكاليف، فهي التي ارتكبت ما يلي دون أن تؤنبها ضمائرها، لأنها لا تملك ضمائر أصلا:
1- هي التي غضّت الطرف عن تجارة السلاح الأعمى في مجتمعنا حتى بات يباع هذا السلاح الأعمى كما يباع الخبز والفواكه واللحوم والخضر، وحتى بات لكل صنف من قطع هذا السلاح سعرا خاصا به، وبالإمكان الحصول عليه بأسهل الطرق وعلى الفور.
2- هي التي غضّت الطرف عن امتداد السوق السوداء وما تحمل من كوارث فينا، حتى باتت هذه السوق السوداء تتغلغل في كل مفاصل مجتمعنا حتى النخاع، وكأنّ السوق السوداء وتوابعها باتت منهج حياة مقبولا لا غبار عليه، ولا ينكره الغالب منا، بل وتصالحوا معه حتى باتوا يظنون أنه أحد مقومات عيشهم، وهكذا فشا فينا كالسرطان وبات يضرب بلا رحمة البيوت والآباء والأمهات والأبناء والبنات، وباتت ضحاياه من أبنائنا تزداد يوما بعد يوم.
3- هي التي غضّت الطرف عن تجارة الممنوعات فينا بداية من المخدرات التقليدية وصولا الى المخدرات المستحدثة ذات الأسماء المبهمة والكثيرة والتي باتت تصل إلى قطاع شبابنا وفتياتنا وطلابنا وطالباتنا في البيوت والمدارس عبر نظام النقل السريع في بعض الأحيان وكأنّ المنقول هو شطائر فلافل أو بيتسا أو حلويات.
4- هي التي تتعامى عن السناجير الذين كانوا ولا يزالون يوقعون الأذى على مجتمعنا، وقد يكون هذا الأذى إحراق بعض بيوتنا أو سياراتنا أو إطلاق الرصاص على أقدام البعض منا أو قتل بعض أبنائنا عن سبق إصرار، ثمَّ تسجيل هذه الجرائم على اختلافها تحت اسم مجهول، حتى أصبحت ملفات هذه الجرائم بالآلاف، وأصبحت بحاجة إلى مخازن، ولا تزال تزداد كمّا وكيفا.
وحتى تتقن هذه القوى الظلامية فنّ خداعنا باتت تطل عبر وسائل الإعلام بين الحين والآخر مدعية أنها ألقت القبض على بضع من قطع هذا السلاح الأعمى!! أو أنها نجحت بفك لغز مقتل واحد من مجتمعنا متجاهلة أن هناك الآلاف من جرائم القتل التي خطفت الكثير من أهلنا لا تزال غامضة رغم أنها ارتكبت منذ عام ألفين فصاعدا، أو باتت تتظاهر بوقوع شجار فيما بينها، وأنّ البعض منها يوفر حماية لهؤلاء السناجير وتمنع البعض منها بالمساس بهؤلاء السناجير لا من قريب ولا من بعيد، حتى بات هؤلاء السناجير يشعرون أنهم محصنون من أية عقوبة مهما أحرقوا أو قتلوا أو روعوا الكثير من مجتمعنا. وهكذا فقد هؤلاء السناجير الشعور بأي رادع يردعهم، وهكذا باتوا يقتلون في أيام أعيادنا، وفي الأشهر الحرم وفي ساحات المساجد، وباتوا يقتلون الرجال والنساء والأطفال، وباتوا يقتلون الأب على مرأى زوجه أو طفله، وباتوا يقتلون فلانا لأنه قريب من يطاردونه، وباتوا يقتلون في المحلات التجارية، أو في محلات الحلاقة أو في مرآب السيارات، وهذا يعني أنهم قد أمنوا العقاب مهما كانت فظائع جرائمهم، وأن هذه القوى الظلامية، قد جعلتهم فوق القانون، وفوق الاعتقال والمحاكمة، مهما بالغوا في شرّهم، ومهما أزهقوا من أرواح، أو سفكوا من دماء أو انتهكوا من حرمات البيوت.
5- هي التي جعلت في الحالات الشاذة العقوبات الرادعة وهمية أو شكلية أو مطاطية في بعض الأحيان، وهكذا بدأنا نسمع عن سنجير حرق أو أطلق الرصاص أطلق سراحه بعد أيام من اعتقاله، وبدأنا نسمع عن سنجير قتل ثم أعلنت براءته بادّعاء عدم ثبوت الأدلة عليه، وبدأنا نسمع عن سنجير أدين بفعلته وحكم عليه حكما مخففا، وكأنه وقع في مخالفة عبور الشارع وإشارة المرور الحمراء. 6- هي التي جمعت كل هذه الموبقات وفرضتها على مجتمعنا وباتت تشكل حاضنة للعنف، وبات مجتمعنا أسيرا لهذه الحاضنة وضحية لها، وضاقت عليه الأرض بما رحبت.
7- هي التي باتت تواصل إتهام مجتمعنا وهو ضحية العنف أنه عنيف وأن العنف يجري في دمائه، وبذلك أحالت مجتمعنا الى رهينة لحاضنة العنف هذه، وتركت الكثير من أبنائه يلقى مصيره الفاجع ما بين قتيل وجريح وشريد ومطارد، وكانت ولا تزال تواصل إتهام مجتمعنا ظلما عن سبق إصرار- أن العنف جزء من ثقافته.
8- ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل هي التي باتت تواصل مطاردة كل جهد فينا نهض لمواجهة العنف والجريمة.
9- وعلى هذا الأساس باتت تمارس ضغطا قبيحا على بعض رؤساء السلطات المحلية العربية حتى لا يتعاونوا مع لجان إفشاء السلام ولجان الإصلاح.
10- وباتت تمارس ضغطا على الكثير من مدراء المدارس في مدارسنا العربية حتى لا يتواصلوا مع نشاطات لجان إفشاء السلام التربوية.
11- وباتت تمارس ضغطا إلى حد التهديد لبعض أعضاء لجان إفشاء السلام حتى لا يواصلوا انتماءهم إلى هذه اللجان.
12- وفجأة باتت تقع اعتداءات حرق سيارات وبيوت أو إطلاق رصاص على بعض أعضاء لجان إفشاء السلام.
13- وفجأة قامت حملة تشويه إعلامية لإعدامي معنويا ما كانت طوال حياتي إلا بعد أن أصبحتُ رئيسا للجان إفشاء السلام.
14- وفجأة بدأت المواقع الشيطانية تشيع أنه تمّ إطلاق الرصاص عليّ، ثم أشاعت مرة ثانية أنه تمّ إطلاق الرصاص عليّ، ثمّ أشاعت مرة ثالثة أنه تمَّ إطلاق الرصاص على الشيخ كمال خطيب.
15- إنَّ الذين يمارسون هذه القذارة هي هذه القوى الظلامية المفسدة في الأرض أو سناجيرها.
16- مع ذلك نحن ماضون في مسيرة لجان إفشاء وسننقل مجتمعنا بإذن الله تعالى إلى برّ الأمن والأمان ولو بعد حين، ولهذه القوى الظلامية وسناجيرها نقول: موتوا بغيظكم.