رمضان شهرنا والأقصى مسجدنا
الشيخ كمال خطيب
23/3/2023 أول رمضان وأول الربيع
هو قدر رباني، هي لطيفة أن يكون اجتماع والتقاء اليوم الأول من شهر رمضان المبارك مع اليوم الأول من فصل الربيع يوم الخميس القريب 23/3/2023، فلا شك أنه أمر ملفت للانتباه، وإن كان هذا الاقتران والالتقاء لا يحمل أي دلالة شرعية أو أي تفسير ديني لهذا الاقتران.
ولكن ولأننا مسلمون وعلى هدي وسيرة وسنة محمد ﷺ نسير، وهو الذي علّمنا التفاؤل في كل شيء. وكيف لا نتفاءل ولا نستبشر خيرًا من التقاء واقتران بداية شهر رمضان ببداية فصل الربيع.
رمضان موسم العبادات والقربات والأعمال الصالحات. رمضان شهر القرآن والقيام والإحسان، وفصل الربيع هو فصل الأزهار واخضرار الأشجار، هو فصل الجو الجميل والظلّ الظليل والنسيم العليل، هو فصل العصافير والفراشات والنحلات. وما دامت أجواء رمضان وأجواء الربيع كلها تريح النفس والقلب والجوارح، فكيف لا نكون معها متفائلين مستبشرين.
ولأن أول يوم في رمضان هو أول الربيع، ولأن أول يوم في الربيع هو أول رمضان، فليس لنا إلا أن ندعو الله جلّ جلاله أن يجعل رمضان القريب ربيعًا للأمة تتفتح فيه كل معاني الخيرية {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} آية 110 سورة آل عمران فنسأله سبحانه أن يجعل الربيع القريب ربيع خير ورفعة وبهجة، ويدخل السرور والأفراح على بيوت أمتنا المحزونة المكلومة.
ولأن رمضان وحده يخلق في الأمة معاني الربانية وصفاء الروح، زيادة على الأخوة وصلة الرحم والتذكير بالأمجاد الانتصارات. وإذا كان الربيع وحده يخلق معاني الأمل والسرور وعلوّ الهمة والنشاط، فكيف إذا التقى رمضان والربيع، بل وكيف إذا كانت بدايتهما في يوم واحد 23/3/23، أسأله سبحانه أن يهلّ علينا هلال رمضان باليمن والإيمان والسلامة والإسلام، وأن يجعله الله هلال رشد وخير وفرج وتمكين ونصر مبين، وأسأله سبحانه أن يجعل هذا الربيع ربيعًا إسلاميًا مباركًا به يتم استكمال ما بدأ في الربيع العربي الذي تآمر عليه المتآمرون من أعداء الأمة ومن عملائهم من أبناء الأمة.
رمضان والأقصى شرف الزمان وشرف المكان
إنه من فضل الله علينا نحن أبناء هذا الشعب الفلسطيني، فليس أننا سنعيش أجواء ونفحات رمضان المباركة التي سيعيشها كل مسلم حيثما كان وفي أي بلد من بلاد وأرض العالم الإسلامي، وإنما هي نعمة أنعم الله تعالى بها علينا أن جمع لنا مع إحياء وعيش نفحات وأجواء وبركات رمضان، بأن تكون هذه النفحات والأجواء الرمضانية في المسجد الأقصى المبارك وفيما حوله من الأرض التي باركها الله تعالى ببركة المسجد الأقصى.
لقد جمع الله تعالى علينا شرف الزمان الذي هو شهر رمضان، وجمع لنا معه شرف المكان الذي هو المسجد الأقصى المبارك، وأن صفة المبارك التي تقترن دائمًا بشهر رمضان فيقال شهر رمضان المبارك، وبالمسجد الأقصى فيقال المسجد الأقصى المبارك {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} آية 1 سورة الإسراء. إنها البركة إذن وقد أنعم الله عز وجل بها زمانًا ومكانًا، وهي مما لو أنها تشترى بكل مال الدنيا لكان يرخص ذلك في سبيلها، ولكنه فضل الله يؤتيه من يشاء.
ما أعظمهما من عبادتين نؤديهما لله تبارك وتعالى في نفس الوقت. إنها عبادة الصيام وعبادة الرباط، فلا أعظم من أن نجمع نحن أبناء هذا الشعب الذي أكرمه الله بأن يكون الأقرب إلى المسجد الأقصى المبارك دون باقي المسلمين، أن نجمع ونحن نشد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك، بين نية عبادة الصيام ونية عبادة الرباط والاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك.
إنها عبادة يحبها الله تعالى ويثيبنا عليها، وفي نفس الوقت فإنها عبادة يبغضها الاحتلال الإسرائيلي ويريد أن يعاقبنا عليها، ولكن ولأننا لا نسعى إلا لرضى الله تعالى ولا يهمنا أبدًا سخط وغضب الاحتلال، فإننا وكل أبناء شعبنا سنستمر بجمع النية صغارًا وكبارًا، رجالًا ونساء من جليلنا ومن مثلثنا ومن نقبنا ومن ساحلنا ومن قدسنا لأداء عبادة الصيام والإفطار في ساحات وأروقة المسجد الأقصى المبارك، ومعها نية عبادة الرباط في المسجد الأقصى المبارك، تكثيرًا لسواد المسلمين فيه وتأكيدًا على أنه مسجدنا وليس هو كما يعتقدون، إذ لم يكن ولن يكون يومًا هيكلًا ولا معبدًا لليهود.
رمضان رمضان…الأقصى الأقصى
منذ أسابيع، بل ومنذ أشهر بعيدة ونحن نستمع إلى سيمفونية الرعب يعزفها قادة سياسيون وعسكريون وإعلاميون إسرائيليون وهم يتحدثون عن سيناريوهات مرعبة لأحداث ستقع في شهر رمضان المبارك، وأن كل هذه التصريحات للتي تنضح بالكيدية والتحريض على أبناء شعبنا، وكل ذلك لتبرير تنفيذ مخططات سوداء في رؤوسهم وفي دواليبهم.
إنهم يصورون المسجد الأقصى المبارك بأنه وكر للإرهاب والعنف، وأن شهر رمضان المبارك هو شهر الإرهاب والدم والعنف، بينما نراهم يعدّون العدة ويحشدون إعلاميًا ودينيًا وبشريًا عبر دعوات متواصلة، ليس فقط لاقتحام المسجد الأقصى في رمضان، وإنما لإفراغه كليًا من المسلمين وتحديدًا خلال العشر الأواخر من رمضان ومنها ليلة القدر لتمكين اليهود من اقتحامه خلال أيام عيد الفصح اليهودي التي تتزامن مع العشر الأواخر من رمضان.
إنهم يتحدثون عن سيناريوهات العنف والرعب، وعن حشد عدد من كتائب الشرطة والجيش في القدس خلال رمضان، ثم يدعون لاقتحام المسجد الأقصى من خلال الجماعات الدينية اليهودية التي هي أذرع للأحزاب التي تتشكل منها حكومة نتنياهو.
فيا هؤلاء لا تقتحموا المسجد الأقصى لا في رمضان ولا في غيره من أشهر العام. يا هؤلاء لا تدنسوا الأقصى في رمضان، يا هؤلاء جنبوا صبيانكم وحمقاكم المسجد الأقصى في رمضان، يا هؤلاء اتركوا لأبناء شعبنا حرية تعظيم رمضان في المسجد الأقصى المبارك صيامًا وقيامًا واعتكافًا، يا هؤلاء امنعوا متطرفيكم ومجانينكم من استغلال تزامن عيد الفصح عندكم مع الثلث الأخير من رمضان لتبرير اقتحامهم للمسجد الأقصى المبارك.
أنا أعلم أن غروركم وأن صنم القوة الذي تعبدونه، قد جعلكم تتصرفون بما يخالف العقل والمنطق، فقد اقتحمتم المسجد الأقصى المبارك في العام 2014 في ليلة القدر واعتديتم على الرجال والنساء والأطفال، وبعدها بعامين اقتحمتم المسجد الأقصى المبارك بعد صلاة العيد المبارك مباشرة، وفي العام 2021 عدتم لاقتحام المسجد الأقصى في ليلة القدر الشريفة وفي يوم عيد الفطر، وها أنتم تعدّون العدة لنفس السلوك العدواني بينما أنتم تزعمون أن رمضان وأن الأقصى هما زمان ومكان العنف ضدكم، بينما نعتقد نحن المسلمين أن شهر رمضان هو شرف الزمان وأن المسجد الأقصى المبارك هو شرف المكان، فرمضان شهرنا والأقصى مسجدنا.
زلزال الأقصى وهزاته الارتدادية
ليس أن الإسرائيليين فقط يخشون من انعكاسات أي حدث قد يقع في المسجد الأقصى المبارك، ورغم ذلك فإنهم ووفق أيديولوجيتهم الدينية ماضون في استهداف المسجد الأقصى المبارك. أقول ليس قادة إسرائيل وحدهم ممن يتخوفون من آثار وانعكاسات ما يجري في المسجد الأقصى، وإنما مثلهم وأكثر منهم، فإنهم القادة والزعماء العرب الذين يخشون من تداعيات أي اعتداء سافر أو تطور نوعي في استهداف المسجد الأقصى على دولهم وتحديدًا على استقرار حكمهم سواء كان هؤلاء أصحاب جلالة وأصحاب فخامة أو سيادة.
نعم إنهم يعلمون علم اليقين أن استهداف المسجد الأقصى واستمرار مشاريع الحكومة الإسرائيلية لتهويده وهدمه وتحويله إلى هيكل ثالث مزعوم يقوم على أنقاضه، إن هذا الاستهداف ستكون له انعكاسات غير مسبوقة وأنه سيكون مثل الزلزال الذي سيؤثر على المنطقة بل العالم، وأنه سيكون لهذا الزلزال زلازل وهزات ارتدادية تؤثر بشكل مباشر على أنظمة وحكومات عربية وإسلامية، وأن القمة الطارئة التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية يوم 26/2/2023 بحضور وفود من مصر والأردن وإسرائيل وسلطة رام الله وبإشراف مباشر من بلينكن وزير خارجية أمريكا، إن هذه القمة لم تعقد إلا تحسبًا وتخوفًا من التصعيد الشعبي ضد استهداف المسجد الأقصى وضد جرائم الاحتلال في نابلس وجنين والقدس وباقي الوطن الفلسطيني.
لقد عرف الجميع أن من أهم ما تم مناقشته هو كيفية العمل على منع التصعيد خلال شهر رمضان، لأنهم جميعًا يعلمون أن استهداف المسجد الأقصى سيقود إلى زلزال، وأن ثورة بركان الأقصى وهزته الأرضية ستصل ارتداداتها إليهم، وستنعكس انعكاسًا مباشرًا على استقرار حكمهم.
نفسي فداء أمتي كم ألجموا فمها وكم عنت لذوي الألقاب والرتب
وألهبوا ظهرها من بعد عزتها حتى تقدس أبطالًا من الخشب
وهم أرانب إن داعي الجهاد دعا لا يحسنون سوى التدجيل والكذب
نحن الطليعة والتاريخ يعرفنا فكيف تجعلنا الأيام في الذنب
وأنت يا قدسنا لا تيأسي فلقد ضعنا بغطرسة الأنذال فارتقبي
يا هؤلاء كونوا حكماء ولا تكونوا أغبياء
إن من يرى ويسمع تصريحات القيادات السياسية والدينية الإسرائيلية تجاه المسجد الأقصى المبارك، وأن هؤلاء مندفعون متهورون بدون مكابح، فإنه يصل إلى استنتاج واضح مفاده أن هؤلاء قد افتقروا إلى الحكمة المنشودة والتي ضاعت تحت صخب وغرور ونشوة القوة التي يعيشونها. وقد أضيف إلى ذلك الغرور ذلك الدعم المعنوي الذي حظوا به بعد الإعلان عن الديانة الإبراهيمية من قبل حكام الإمارات والتي تنص على جواز وأن من حق اليهود الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وبمعنى أوضح أن المسجد الأقصى ليس مسجدًا للمسلمين، وإنما هو مكان ومعبد للمسلمين واليهود وهم فيه شركاء.
إن من أكثر الأمثال الشعبية اليهودية انتشارًا تلك العبارة التي وردت في التوراة وكانت وصية من شعيب عليه السلام لموسى عليه السلام التي تقول: ” אל תהיה צודק תהיה חכם-لا تكن صادقًا، كن حكيمًا” والمقصود أن معالجة أي قضية والوصول إلى نتيجة طيبة، فلا يكفي أن يكون صاحبها صادقًا ومحقًا، بل يجب أن يكون حكيمًا في تعاطيه مع تلك القضية.
إن استمرار تحريضهم ودعواتهم لاقتحام المسجد الأقصى المبارك في شهر رمضان عامة أو في العشر الأواخر منه خاصة، لا بل والدعوات لتقديم قرابين عيد الفصح في المسجد الأقصى بعد إغلاقه أمام المسلمين، إن هذه الدعوات للتي تصب الزيت على نار التأجيج والتصعيد المتواصل، وإنه التحدي السافر والسافل والوقح لنا ونحن 2 مليار مسلم ونحن 14 مليون فلسطيني.
فإذا كانت التوراة توصيكم على لسان شعيب عليه السلام أنه لا يكفي أن “تكون صادقًا وكن حكيمًا” فكيف وقد غابت عنكم الحكمة والعقلانية زيادة على أنكم لستم صادقين، بل إنكم كاذبون ومفترون بزعمكم وجود حق لكم في المسجد الأقصى المبارك. فلا أنتم صادقون في ادعائكم ولا أنتم حكماء في سياستكم، وإنما حلّ محلها الكذب والتهور والتطرف الذي سيقود حتمًا إلى ما لا تحمد عقباه، وهي نصيحة لكم مع علمي أنكم لا تحبون الناصحين.
يا هؤلاء كونوا حكماء ولا تكونوا أغبياء.
الأقصى ليس وحيدًا.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.