مودة ورحمة وليست ندية (2)
ليلى غليون
في زمن الشقلبة والانحدار المادي الرهيب، في الزمن الذي يصوّر فيه الحق باطلًا والباطل حقًا، لتشطب وبالقلم الأحمر كل القيم الفاضلة والمبادئ الراقية التي تسمو بالإنسان وتتوجه ملكًا على عرش الإنسانية، في هذا الزمن الذي تُوسد الأمور لغير أهلها، يصولون ويجولون حسب أهوائهم ومصالحهم ومصالح من يقفون وراءهم، يعطونهم التعليمات والأوامر التي يجب أن يطبقوها وينفذوها كما ينفذ الجندي الأوامر العسكرية، في هذا الزمن الذي تخربطت فيه كل الأوراق وكل المعادلات، برز الحديث عن المرأة بشكل واضح وجلي لإقحام هذا المخلوق في دوامة وصراع لا نهائي، لتظل المرأة حسب تخطيطاتهم ريشة في مهب ريحهم، مكبّلة إرادتها، تسير وفق إشارات المرور التي وضعتها في الطريق عقليتهم وما تفتق عنها من أفكار، لتضع في يد المرأة صكًا بالمطالبة بالحرية المطلقة من يوم ولادتها إلى آخر يوم في حياتها، تفعل ما تشاء، تلبس ما تشاء، تفكر كيف تشاء، توجه حياتها بالطريقة التي تراها هي مناسبة، ضاربة عرض الحائط كل التشريعات السماوية، والأعراف والتقاليد الاجتماعية والفضائل الأخلاقية، لتجرها جرًا إلى ميدان الصراع مع الرجل، وقلب العلاقة الفطرية الراقية بينهما المبنية على الرحمة والمودة إلى معركة حقوق وواجبات، لتشويه هذه العلاقة وتصويرها وكأنهما في حلبة صراع، كل طرف حريص على الانتصار لنفسه في معركة المنتصر فيها خسران في كل الأحوال.
إن هؤلاء الذين جرجروا المرأة إلى معركة خاسرة بل خطيرة مع الرجل، ما تركوا من فضيلة إلا وحاولوا طمسها، ولا رذيلة إلا وزينوها وزخرفوها، ولكن المرأة الواعية لا تنطلي عليها هذه الألاعيب الدنيئة، إذ كيف يمكن أن تكون العلاقة الفطرية بين الرجل والمرأة مبنية على التمرد والعصيان والندية والتمركز حول الذات ومعركة حقوق وواجبات، والله تعالى جعل تلك العلاقة علاقة تراحم متبادل، وعلاقة مودة متبادلة ووصفها بوصف تسقط أمامه كل المحاولات العقيمة لتشويه صورتها النقية الشفافة لقوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).
فهذه هي ثلاثية العلاقة بين الزوجة وزوجها التي بينتها الآية الكريمة والمكونة من: السكن، والمودة، والرحمة، فالسكن أن تكون الزوجة هي ملاذ الزوج الآمن الذي يأوي اليه بعد طول تعب فيسكن إليها ويطمئن بها، وهو كذلك بالنسبة لها، والمودة هي المحبة والألفة وتزداد بقدر ما في كل منهما من خصال الخير، والرحمة هي الشفقة والحنو وهي محصلة أو نتاج السكن والمودة. فهذه هي العلاقة التي رسم خارطتها الإسلام، وليست تلك التي رسمتها الشريعة النسوية والتي تسعى لبث روح العنصرية النسوية وتقسيم الأسرة إلى فسطاطين متنازعين وجعل الأزواج في البيوت كالديكة المتصارعة، البطل من ينتصر على الآخر وليس من يسعد نفسه ويسعد الآخر، ،إنه الإسلام الذي رتب ونظم تلك العلاقة الراقية ليضع كلا الزوجين في واحة السكن التي تنبت بذور الرحمة، فتخفف عن الزوجة ما تعانيه من رعاية الطفولة، ومن تهيئة كاملة لمطالب الأسرة، لتمتد هذه الرحمة وتتسع لتتحول إلى يد حانية تمسح من على وجه الزوج حبات العرق المتصببة على جبينه جراء كده لتأمين حياة سعيدة لأسرته.
إنَّ العلاقة بين الزوج والزوجة كانت وما زالت وستظل من أجمل وأرقى العلاقات الإنسانية، وهي في الرؤية الإسلامية تقوم في إطار تكاملي من المودة والرحمة وليس على الندية التي تنادي بها تلك الأصوات النشاز لتضع المرأة في بوتقة من التردد والارباك ليختل توازنها وتختل بذلك علاقتها مع زوجها ومع أسرتها على وجه العموم، والنتيجة فرط عقد الزوجية، وتمزيق النسيج الأسري، وتقويض بناء العلاقات والروابط الاجتماعية، كل ذلك تحت مسميات وشعارات فارغة من كل مضمون وهي في الحقيقة مسميات على غير مسمى.
إنها المودة والرحمة وليست الندية التي حطمت كل جميل في المنظومة الزوجية والأسرية، إنها المودة والرحمة، وليس التمرد والعصيان ولا أن تحمل المرأة عصا القانون والتهديد تلهب به ظهر زوجها إذا أخطأ بحقها ولو كان هذا الخطأ بسيطًا، كما يحاولون حشو دماغها.
فالمرأة قطعة من الرجل وجزء من كيانه، كما قال عز وجل: “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها …”.
إنَّ المناداة بهذا الفكر المدمر لهو جريمة ليس في حق المرأة فقط، بل بحق الإنسانية جمعاء، والمصيبة الكبرى ليست في ذات هذا الفكر فقط، بل الاستجابة له والعمل بموجبه من قبل العديد من النساء ممن جرفهن التيار وسرن في نفس المسار يحملن من هشيم الأفكار الذي يحرق الأخضر واليابس في المجتمعات.
وفي نهاية المطاف نقول لكل من يحاولون تشويه العلاقة الفطرية الجميلة بين الزوج وزوجته، ويدعون الزوجة إلى التمرد على زوجها بمطالبتها بالندية المطلقة والمساواة في كل شيء، نقول لهم ما جاء في محكم التنزيل في قوله تعالى: “فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله”.
كما نبشر كل زوجة تريد السعادة في الدنيا ورضوان الله تعالى في الآخرة بما بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: (إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها أدخلي الجنة من أي الأبواب شئت).
إنها طاعة نابعة من الحب والتفاهم، وليس الخضوع النابع من القهر والخوف، إنها طاعة مستنيرة من أجل البيت والزوج والأولاد بل من أجلها هي، وهي ترى نتاج هذه الطاعة من شفافية الحب والسكن النفسي والروحي والجسدي يعكس على كل الأسرة سعادة واستقرارًا وهناء لن تستطيع النسوية ولا شريعتها ولا عملاؤها أن تهبها ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا.