جولة حنين في أرضنا المباركة
الشيخ رائد صلاح
منذ أكثر من شهرين كنَّا ولا زلنا نقوم بجولات ميدانية في أرضنا المباركة، وقد اخترنا لهذه الجولات الميدانية هذا الاسم: (جولة حنين في أرضنا المباركة)، وحتى الآن زرنا وادي زلفة، واللجون، وجبال الروحة، وبيارات يافا، وزرعين، وسهل عين جالوت، وبلدة فقوعة المهجرة، ومنطقة الزعق ومنطرة الجمال في النقب، ولن نقف عند هذه المواقع، بل سنواصل التنقل بين كافة السهول والجبال والأودية والأغوار والأنهار والشواطئ في أرضنا المباركة على صعيد الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية (عكا وحيفا ويافا واللد والرملة)، وعلى صعيد أوسع مساحة من بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وخلال هذه الجولات سنقف عند أكبر قدر ممكن من القرى المهجّرة وما تحتفظ من بيوت ومقدسات وآثار، ولن يكون الهدف من وراء هذه الجولات السياحة والنزهة والنقاهة، بل سنجتهد من وراء ذلك أن نحقق جملة أهداف، وفي مقدّمة هذه الأهداف أن نوثق أكبر عدد ممكن من النباتات والأزهار والأشجار والشجيرات، طامعين أن نوثّق بالصورة والصوت والشرح أسماءها وطرق استخدامها حيث أنَّ البعض منها يصلح لإعداد الطعام أو إعداد المعجنات أو إعداد الأشربة الساخنة المنعشة أو إعداد الأدوية، وقد نجحنا حتى الآن بتوثيق أكثر من مائة اسم منها، مع التأكيد أننا لا زلنا في البداية، لا سيّما وأنّ بعض الرّحالة يؤكدون أنَّ أرضنا المباركة كانت تضم قبل نكبة فلسطين ألفين وخمسمائة صنف من هذه النباتات على الأقل، فأين ذهبت هذه النباتات؟! وأين ذهبت أسماؤها؟! وأين ذهبت طرق استخدامها؟! وهل طواها النسيان، وبتنا أجهل أهل الأرض بها ونحن أصحاب هذه الأرض المباركة، ونحن من جرت في عروق أجدادنا كل هذه النباتات كغذاء ودواء وشفاء وسقاء، وهل يمكن لنا أن نجدِّد العهد معها، كأساس من أسس انتمائنا إلى هذه الأرض المباركة، وكركن هام من أركان ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا في الأرض المباركة، وكشاهد حيّ وأبديّ يؤكد للقاصي والداني، أنَّ أكذب الكاذبين من ادّعى يومًا أنَّ أرضنا المباركة كانت أرضًا مهجورة بلا شعب ولا مدنية ولا حضارة ولا تراث قبل نكبة فلسطين. وهذا يعني أنَّ حرصنا على توثيق اسم (الخبيزة) و(اللوف) و(العكوب) و(الفقع) و(الكمأة) و(الهندباء) و(العوينة) و(الحماصيص) و(المتنان) و(الكلخ) و(الركبة)… وغيرها ليس بهدف أن نتعرف على شكلها ولونها وطريقة استعمالها فقط، بل بهدف أن نجدّد عهد التواصل معها، ثمَّ أن نجدد عهد التواصل مع أرضنا المباركة التي تُكنى باسم بيت المقدس وأكناف بيت المقدس. نعم، أن نجدّد عهد التواصل مع أرضنا المباركة جذورًا وانتماء وبقاء، وتاريخًا وحاضرًا ومستقبلًا، وتلاحمًا ووفاء وصمودًا، وإرثًا مباركًا يحمل كل هذه الكنوز الثمينة كأمانة ثقيلة ينقلها كل جيل إلى من بعده، بداية من جيل السلف، ثم جيل الخلف، ثم جيل الأجداد، ثم جيل الآباء، ثم جيل الأبناء، ثم جيل الأحفاد، ثم جيل أحفاد الأحفاد… وهكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهكذا ستتكلم الأرض المباركة لغتنا، وهكذا ستبقى شاهدًا ثقة على ميلادنا عليها ونمونا فيها وتآخينا معها وحبنا لها ودفاعنا عنها وبعثنا منها وفق علاقة جدلية حيّة لا تموت، عنوانها (من المهد إلى اللحد).
لكل ذلك، بدأنا نقوم بهذه الجولات تحت هذا العنوان (جولة حنين في أرضنا المباركة) ومع أننا قد نجحنا بحمد الله تعالى بتوثيق أكثر من مائة اسم ما بين نبتة وزهرة وشجرة وشجيرة، إلا أننا لا زلنا في أول الطريق، وهذا يعني أن الطريق طويل، ولا يمكن أن يتحقق بجهد فردي، وحتى ينجح لا بد له من جهد جماعي، ولذلك فإني أدعو عبر هذه المقالة إلى إقامة هيئة عامة قطرية ذات أعضاء يتمتعون بالهمة والعزيمة والعطاء والنفس الطويل والصبر على المكاره، وأن يتمتعوا بحب الأرض المباركة وحب ما تحمل في بطنها وعلى ظهرها من كنوز ورموز ومن ركاز وذخائر، ومن أسرار وأخبار، ومن طيبات ومكرمات وإشراقات، ومن أمجاد ورواد، فهي الأرض المباركة ولا فخر، وليست كأية أرض ولا فخر، فمن لها حتى يصدق معها فتصدق معه، ومن لها حتى يحفظها فتحفظه، ومن لها حتى يؤنسها فتؤنسه، ومن لها حتى يكلم كل ذرة تراب فيها وكل بذرة وكل جذر وكل فسيلة وكل درنة حتى تكلمه، ومن لها حتى يحيي تاريخها فتحيي حاضره، ومن لها حتى يحيي حاضرها فتحيي مستقبله، ولن يكون ذلك بلقلقة اللسان وسيل الترهات من الشعارات، بل هناك واجب وقت يملي علينا ضرورة تدارك تقصيرنا حتى لا نتفطن لهذا الواجب في الزمن الضائع أو بعد الدقيقة التسعين، بعد أن تكون قد انتهت مباراة التحدي بيننا وبين أعداء الأرض المباركة، وما أكثرهم، وما أكثر لغاتهم وراياتهم وأنسابهم وولاءاتهم وهرطقاتهم.
ولذلك نطمع بكل حر وحرة منَّا أن ينتصبوا على أقدام ثباتهم وسيرهم وإقدامهم، وأن يقولوا نحن لها وإن قل عددهم، واستوحشوا طريقهم لقلة السالكين فيه، فمِن أمثال هؤلاء يمكن أن تقوم هيئة عامة قطرية للقيام بهذه المهمة الثقيلة التي تهيض الجبال لو وضعت عليها، كيما يوثقوا لنا ولأجيالنا الحاضرة والقادمة كل نبتة وزهرة وشجرة وشجيرة في أرضنا كما سمّاها سلفنا وأجدادنا وليس كما سمَّتها قوافل المستعمرين والمحتلين والغاصبين والظالمين التي أناخت رحالها في أرضنا ثم قيل لها: أخرجوا من الأرض المباركة لأنها لا يعمر فيها ظالم. ولله ثمّ للتاريخ، فإن القائم على هذه الجولات المباركة في أرضنا المباركة والتي باتت تحمل هذا العنوان (جولة حنين في أرضنا المباركة) إن القائم على هذه الجولات هو الإعلامي عبد الإله المعلواني وطاقم العاملين معه في موقع (موطني 48)، ولا أتردد أن أتوجه إلى كل فرد فينا إذا ما كان يعرف جانبًا من أسماء ما تحمل أرضنا المباركة من نباتات وأزهار وأشجار وشجيرات أن يتواصل مع الإعلامي عبد الإله المعلواني وطاقمه حتى يثري هذ الجولات المباركة بما لديه من معرفة حول بعض هذه الأسماء، وبذلك ستلتقي كل الجهود المتفرقة في دائرة الجهد الواحد، وستلتقي كل المعارف المتفرقة في دائرة المعرفة الواحدة، وبذلك سنشد عضد بعضنا في هذه الجولات المباركة في أرضنا المباركة، وبذلك نكون قد وضعنا أقدامنا الأولى في طريق تحقيق هذا الواجب، وصدق من قال: من سار على الدرب وصل- ولو فرضنا جدلًا أننا نجحنا بتوثيق كل أسماء هذه النباتات والأزهار والأشجار والشجيرات وكيفية استعمالها، فإننا لم نحقق كل مهمتنا، بل ينتظرنا فيما بعد توثيق الجغرافيا المحكية التي سأتحدث عنها في المقالة القادمة بإذن الله تعالى.