صادرات تاريخية للزراعة بمصر.. كيف تحافظ عليها من الأزمات المقبلة؟
غاب الحديث عن صادرات مصر الزراعية، أقدم دول العالم التي عرفت الزراعة بفضل نهر النيل، لسنوات طويلة قبل أن يعود إلى الواجهة خلال العامين الماضيين بعد أن حققت صادراتها أرقاما غير مسبوقة لأسباب محلية وأخرى عالمية، في إطار برنامج لزيادة الصادرات رغم أزمة شح المياه.
وزير الزراعة المصري السيد القصير أعلن السبت الماضي، أن الصادرات الزراعية بلغت عام 2022، ما يقرب من 6.5 ملايين طن، بقيمة حوالي 3.3 مليارات دولار لأول مرة في تاريخها ومقارنة بنحو 5.6 ملايين طن بقيمة 3 مليارات دولار عام 2021.
تصدرت الموالح قائمة الصادرات المصرية تليها البطاطس، ثم البصل الطازج، والعنب، والطماطم الطازجة، والبطاطا الحلوة، والفراولة، والفاصوليا الطازجة، والجوافة، والثوم، والمانجو، والبطيخ، والرمان، بحسب تقرير وزارة الزراعة النهائي لصادرات مصر الزراعية خلال عام 2022 بزيادة قدرها 800 ألف طن.
ولكن هذه الأرقام سواء المتعلقة بالحجم أو القيمة، تبقى متواضعة مقارنة بالصادرات الزراعية عالميا لدول مثل رومانيا وأوكرانيا.
بلغ إجمالي الصادرات المصرية خلال الـ11 شهرًا الأولى من عام 2022 نحو 32 مليارا و575 مليون دولار بزيادة نحو 11% خلال الفترة نفسها من عام 2021.
كيف قفزت صادرات مصر الزراعية؟
وصف رئيس الإدارة المركزية للحجر الزراعي الدكتور أحمد العطار، زيادة حجم الصادرات الزراعية “بالطفرة”، وقال: “للمرة الأولى في تاريخ الصادرات الزراعية المصرية تبلغ الصادرات نحو 6.5 ملايين طن، وهو ما تكرر العام الماضي عندما بلغت الصادرات 5.6 ملايين طن، وهو ما يؤكد أن الحكومة تسير على الطريق الصواب”.
وأوضح، أن الحجر الزراعي نجح في زيادة حجم وقيمة الصادرات الزراعية رغم الأزمات العالمية مثل جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الحاويات العالمية والتضخم العالمي غير المسبوق، وانعكس بالإيجاب على الاقتصاد الزراعي وحياة المزارعين.
وأرجع أسباب القفزة في صادرات مصر الزراعية إلى عدة أسباب:
- نجاح الحجر الزراعي خلال السنوات الخمس الأخيرة في فتح 80 سوقا جديدا أمام الصادرات الزراعية المصرية.
- عمل منظومة جديدة للصادرات الزراعية خاصة “بتكويد” وتتبع المزارع التصديرية ما أسهم في إحكام الرقابة على الصادرات، وتحسين سمعتها.
- التزام المزارعين بتطبيق توصيات الحجر الزراعي والتزام المصدر بتجديد اشتراكات الحجر الزراعي.
على صعيد المعوقات التي تواجه وزارة الزراعة في تحقيق مستهدفاتها، بحسب العطار، وجود عجز كبير في حجم عمالة الحجر الزراعي.
كيف توفر مصر المياه بتصدير المحاصيل؟
تتفق خطة الحكومة المصرية بزيادة صادرات الفاكهة والخضر مع توصيات لدراسة صدرت عام 2021 لباحثين من قسم الهندسة المدنية والبيئية في “معهد ماساشوستس للتكنولوجيا” (Massachusetts Institute of Technology) المعروف باختصار “إم آي تي” (MIT).
تدعو التوصيات إلى “تحويل الإنتاج من المحاصيل التي تستخدم المياه بكثرة مثل الذرة والقمح إلى المحاصيل ذات الاحتياجات المائية المنخفضة القيمة مثل الفواكه والخضروات، والتي تعتبر مربحة للغاية في السوق ومناسبة بشكل أفضل لطرق الري عالية الكفاءة، ثم بيع هذه المنتجات من أجل الأرباح، لاستيراد الذرة والقمح”.
يقول البيان -الصادر عن الدراسة والمنشور على موقع “فيز دوت أورغ” (Phys.org)- تعتبر الزراعة قطاعا مهما في الاقتصاد المصري، وعلى مدى آلاف السنين كان نهر النيل يزود مصر بمياه أكثر مما تحتاجه، إذ يذهب ما يقرب من 90% من مياه نهر النيل إلى الإنتاج الزراعي في مصر.
كيف تحافظ الصادرات الزراعية على ارتفاعها؟
يعتقد أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، جمال صيام، أن استمرار حالة الانتعاش في صادرات مصر الزراعية مرهون بعدة عوامل “من بينها التغلب على أزمة ندرة المياه التي قد يعمقها اكتمال بناء سد النهضة دون التوصل لاتفاق مع مصر والسودان، واستمرار الدولة في زيادة الرقعات الزراعية والصوب الزراعية”.
وأشار، إلى أن أكثر تهديد لخطة الدولة هو:
- التغيرات المناخية.
- الزيادة السكانية (من المتوقع أن يصل عدد السكان 160 مليون نسمة في عام 2050).
- ندرة المياه، لا تتجاوز حصة الفرد 560 مترا مكعبا سنويا فقط.
واعتبر صيام أنه رغم إيجابية الأرقام الجديدة فقد كان يمكن مضاعفة حجم الاستفادة من الحاصلات الزراعية، فنحن نتحدث عن 500 دولار متوسط سعر الطن من الخضر والفاكهة وهو رقم متواضع ورخيص، والمستفيد الأكبر هم المصدرون لا المزارعون، وكان الأحرى تصنيع الجزء الأكبر من هذه الحاصلات ومضاعفة الإيرادات وليس بيعها طازجة خاصة أن 60% من مكوناتها هي من المياه العذبة أي أننا نقوم بتصدير المياه، لكن التصنيع يضيف فرص عمل جديدة ويزيد الإنتاج المحلي، لأنه ليست لدينا رفاهية المياه الوفيرة.
ورأى خبير الاقتصاد الزراعي أن مصر استفادت من الإغلاق الذي مارسته العديد من الدول المصدرة، وتعطل سلاسل الإمداد عام 2020، وزاد حجم صادراتها الزراعية، إلى جانب الإنتاج الخاص بـ40 ألف صوبة زراعية ضمن مشروع الـ100 ألف صوبة زراعية التابع للقوات المسلحة وزيادة الإنتاج مليوني طن، وإنشاء مشروعات زراعية في الدلتا الجديدة، وآخر في توشكى جنوب مصر وفي سيناء، وأخيرا هبوط الجنيه أمام العملات الأجنبية بأكثر من 60% ما ساعد على تشجيع الصادرات.
لماذا زادت صادرات مصر عموما؟
ترجع الزيادة في صادرات مصر بشكل عام إلى زيادة الطلب العالمي على المنتجات المصرية في مختلف القطاعات الإنتاجية، وهو ما أسهم فى الحفاظ على الأسواق التصديرية والنفاذ إلى أسواق جديدة.
جاءت الولايات المتحدة الأميركية في مقدمة الأسواق المستقبلة للصادرات المصرية، ثم السعودية بنحو ملياري دولار، وتركيا بقيمة 1.9 مليار دولار، وإيطاليا بـ1.8 مليار دولار، والإمارات بـ1.2 مليار دولار.
ما أهمية قطاع الزراعة للاقتصاد القومي؟
قطاع الزراعة هو أحد ركائز الاقتصاد القومي المصري ويُشكل نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي، ويبلغ عدد العاملين بالقطاع الزراعي نحو 5.2 ملايين عامل، أي نحو 19.2% من إجمالي العاملين.
وصلت نسبة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي نحو 15% العام الماضي، و17% من الصادرات السلعية بقيمة 3 مليارات دولار، بخلاف التصنيع الزراعي بحجم مساحة زراعية 9.7 ملايين فدان.
واستطاعت مصر تحقيق الاكتفاء الذاتي من 9 محاصيل زراعية خلال عام 2020، أهمها الخضروات بإنتاج 25.5 مليون طن، والفاكهة بإنتاج 10.7 ملايين طن، والأرز بإنتاج 6.5 ملايين طن، والذرة البيضاء بإنتاج 4.5 ملايين طن، والبصل بإنتاج 4 ملايين طن.
ما حجم العجز المائي بمصر وأثره على الزراعة؟
تستحوذ الزراعة على 86% من حصة مصر من نهر النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب، بينما نصيب الفرد لا يتعدى 560 مترا مكعبا سنويا، وهي نسبة ضئيلة، حيث يبلغ حد الفقر المائي عالميا ألف متر مكعب حسب الأمم المتحدة.
تقدر موارد مصر المائية، التي تحذر من الاقتراب من حد الندرة المائية، بحوالي 60 مليار متر مكعب سنويا من المياه، يأتي معظمها من مياه نهر النيل، بالإضافة لكميات محدودة للغاية من مياه الأمطار والمياه الجوفية العميقة بالصحاري، وفقا لإحصائيات رسمية نشرها الموقع الرسمي لهيئة الاستعلامات المصرية (جهة حكومية).
فيما يصل إجمالي الاحتياجات المائية في مصر إلى حوالي 114 مليار متر مكعب سنويا من المياه، ويتم سد الفجوة التي تقدر بنحو 54 مليار متر مكعب سنويا من خلال إعادة استخدام المياه، واستيراد محاصيل زراعية بما يعادل نحو 34 مليار متر مكعب سنويا، وفق بيانات رسمية.
في أكثر من مناسبة كرر المسؤولون المصريون على مدار السنوات الماضية بإلحاح أن بلادهم دخلت مرحلة الفقر الحاد في ما يخص المياه، وأنها تعمل على تسخير مواردها للاستفادة من كل قطرة ماء.
آثار ندرة المياه على الإنتاج الزراعي وعلى توفر الغذاء؛ يشكل قضية ملحة يجب معالجتها في بلاد الشرق الأدنى وشمال أفريقيا وخاصة في مصر في ظل زيادة عدد السكان والاعتماد على مصدر ثابت ومحدد للمياه (نهر النيل)، وفق دراسة أصدرتها الجامعة الأميركية بالقاهرة.