الشيخ رائد صلاح يتحدث في الحلقة الثالثة من “هذه شهادتي” عن المجموعة التي درست معه وعن الصلاة في مسجد حارة أبو سنينة وعن بداية الصحوة الإسلامية
الشيخ رائد صلاح في “هذه شهادتي”:
- ضمّت المجموعة التي درست معي في كلية الشريعة: الشيخ هاشم عبد الرحمن، والشيخ خالد أحمد مهنا، والشيخ ابراهيم مفيد، والشيخ أحمد فتحي خليفة، والشيخ تيسير عثامنة..
- اعتدنا على الصلاة في مسجد حارة أبو سنينة وكان قريبا من بيتنا، وهذا مكَّننا من التعرف على أهل الحارة، وفي هذه الفترة كانت بداية صحوة إسلامية، حيث بدأ عشرات الشباب في الحارة يصلون في المسجد، تعرفنا عليهم وجمعت بيننا وبينهم صداقات وتزاورنا..
- أنصح الدعاة بألّا يبدأ الداعية إلقاء الخطب والدروس، حتى يشعر أنّه قد تمكن من الأمر من حيث العلم واللغة والأسلوب فلا يتعجل، كذلك أنصح أن تكون المواعظ بأقصر وقت ممكن..
طه اغبارية، عبد الإله معلواني
في الحلقة الثالثة من برنامج “هذه شهادتي” مع الإعلامي عبد الإله معلواني، تطرق الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليا في العام 2015، ورئيس لجان إفشاء السلام المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، إلى أيام دراسته الجامعية في كلية الشريعة بالخليل، والعلاقة مع أهل الخليل ومساجدها ومكتبة “دنديس” المشهورة.
هذا وتبث حلقات البرنامج تباعا، كل يوم خميس/ الساعة الثامنة مساء، على قناة “موطني 48” عبر “يوتيوب” وصفحة موقع “موطني 48” على “فيسبوك”.
في الخليل
فور تخرجه من المدرسة الثانوية في مدينة أم الفحم، التحق الشيخ رائد صلاح مباشرة، ومجموعة من زملاء المرحلة الثانوية إلى الدراسة في كلية الشريعة بجامعة الخليل.
يتحدث عن تلك المرحلة: “ضمّت المجموعة التي درست معي في كلية الشريعة في الخليل: الشيخ هاشم عبد الرحمن (أم الفحم)، والشيخ خالد أحمد مهنا (أم الفحم)، والشيخ ابراهيم مفيد (مصمص)، والشيخ أحمد فتحي خليفة (أم الفحم)، والشيخ تيسير عثامنة (كَفر قرع)، وكان ذلك في عام 1976، ثمَّ انضم إلينا لاحقا الشيخ شريف من جت، والأخ جمال أبو بصيرة من بير السكة”.
عن المشاعر التي اكتنفته عند مغادرة الأهل والبلد، يضيف: “لا شك كانت البداية صعبة لأنها المرة الأولى التي انقطع فيها عن الأهل وعن بلدتنا أم الفحم، وأتذكر مشهدا لا يمكن نسيانه، حيث قررنا- بعد أن استقرينا في الخليل- أن نكتب رسائل للأهل لطمأنتهم عنّا، فلمَّا قرأ كل واحد ما كتبه لأهله بدأ بعضنا يبكي. بالفعل كانت بداية صعبة لأننا نغترب لأول مرة ووجدنا أنفسنا بدون أهلنا، نعدُّ طعامنا ونمسح البيت (السكن) وفوق ذلك، نقوم بواجباتنا الدراسية”.
سكن الشيخ رائد صلاح وزملاؤه في حارة “أبو سنينة” بالخليل في شقة للمرحوم شحدة الزرو، وكان السكن الأول- كما يوضّح- ضيقا جدا يفتقد للمرافق، ثمّ وافق صاحب السكن أن ينقلهم إلى بيت آخر واسع الغرف بمرافق مريحة ما ساعدهم على التكيُّف مع ظروف الغربة.
التعرف على الأهل وروَّاد المساجد
يتابع: “اعتدنا على الصلاة في مسجد حارة أبو سنينة وكان قريبا من بيتنا، وهذا مكَّننا من التعرف على أهل الحارة. وفي هذه الفترة كانت بداية صحوة إسلامية، حيث بدأ عشرات الشباب في الحارة يصلون في المسجد، تعرفنا عليهم وجمعت بيننا وبينهم صداقات وتزاورنا، كذلك كنَّا نصلي في كثير من الأحيان في المسجد الابراهيمي وكذلك تعرفنا على رُوَّاد المسجد لدرجة بدأنا نعطي دروسا شفوية باللغة العبرية، كما انضممنا إلى حلقة دراسة لأحكام الترتيل. كذلك كانت لنا ذكريات جميلة مع الأهل في بقية مساجد الخليل ومنها: مسجد أهل السنة، ومسجد الأبرار، ومسجد الحرس، ومسجد الاتقياء ومسجد القزازين الذي كنا- في كثير من المرات- نصلي فيه الجمعة بسبب وجود خطيب مفوّه. هذه الأجواء الروحانية، أجواء التائبين وبدايات الصحوة الإسلامية، أنزلت علينا السكينة والطمأنينة وشعرنا- بحمد الله- بأخوة صافية بدأت تجمعنا في أهل الخليل، وبناء عليها بدأنا نعيش الأحداث المميزة التي حُفرت في الذاكرة”.
يتذكر الشيخ رائد صلاح معاناته ورفاقه كما أهل الخليل إلى يومنا هذا، مع حواجز الاحتلال الإسرائيلي التي وُضعت في طريق الناس خلال دخولهم إلى الحرم الابراهيمي، وكيف كان المستوطنون يرفعون أصواتهم لإزعاج المصلين في الجامع الابراهيمي، وكيف كانت تُعطَّل الجنازات حتى تحصل على موافقة قوات الاحتلال لدخول المسجد، ويشير إلى أن هذه الأجواء التي عاشها وزملاؤه ساهمت في صقل شخصياتهم من حيث التحديات التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.
“منعي من الصلاة في الابراهيمي”
وتطرق إلى موقف جرى معه بعد تخرجه من كلية الشريعة في جامعة الخليل، حين زار المدينة مع وفد من اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية أيام كان رئيس اللجنة المرحوم إبراهيم نمر حسين، وكان الشيخ رائد حينها رئيسا لبلدية أم الفحم، يقول عن ذلك الموقف: “كان من المفروض أن أخطب الجمعة في المسجد الابراهيمي، وكنت قد انتقلت من سيارة البلدية التي كنت جئت فيها من أم الفحم إلى سيارة أخرى من سيارات وفد اللجنة القطرية، فلما اقتربنا من المسجد الابراهيمي، أوقفت قوات الاحتلال سيارة البلدية ولما اكتشفوا أنني لست فيها، قاموا بمنعي عند مدخل المسجد من الدخول، واضطر المصلون إلى تدارك الأمر لأنني كنت الخطيب وأتذكر أنني صليت الجمعة يومها في مسجد أهل السنة”.
ذكريات لا تنسى
واستعاد الشيخ رائد المزيد من الذكريات التي جمعته وزملاءه مع الأهل في الخليل: “ارتبطنا بعلاقات صداقة وأخوة مع جيران بيتنا، حيث قاد بيتنا إلى حارة من البيوت، فيما كان أصحاب المبنى (عائلة المرحوم شحدة الزرو) يتفقدوننا بين الحين والآخر بأصناف الطعام كالمعجنات الخليلية. ومن كرم أصحاب البيت علينا أن زوج المرحوم الشيخ شحدة كانت في بعض الأحيان تعدّ لنا الطعام عندما نعود من الكلية، ففي إحدى المرات أعدَّت لنا طبخة مقلوبة تكفينا كلنا. ومن الذكريات الرائعة أننا خرجنا مرة في جولة إلى أرياف الخليل المجاورة لحارة أبو سنينة، حيث المناظر الجميلة وكروم العنب وحواكير اللوزيات، وقفنا ننظر إلى تلك المشاهد الخلابة ومن بينها كانت حاكورة من الجرنك تواجدت فيها عجوز وإذ بها ترسل إلينا كمية كبيرة من الجرنك، وكان معنا شاب من مدينة نابلس اسمه مازن، فقال لنا: هذه أول مرة ترسل هذه المرأة الجرنك لمن يتواجدون بالقرب من الحاكورة”.
وتابع: “عندما بدأنا ندخل لنسيج الحياة في الخليل صرنا نشارك في المناسبات، الأفراح والاتراح، وأذكر أنّ احد الشباب أصرَّ أن يقيم عرسا إسلاميا ولم يكن العرس الإسلامي معروفا وقتها في الخليل، فأقام عرسا متواضعا في ساحة بيته وأذكر أنني كنت عريف ذلك العرس وتحدث فيه عدد من الدعاة، وقد تحوَّل العرس إلى حديث الكثير من أهل الخليل إذ نال إعجابهم، كذلك كنَّا نشاهد مباريات دوري كرة القدم ونشجع فريق شباب الخليل في المباريات التي يخوضها. بحمد الله اندمجنا في الحياة مع أهلنا في الخليل لدرجة بدأنا نُتقن اللهجة الخليلية. لقد احتضننا الأهل في الخليل كما يحتضون أبناءهم، وعشنا على هذا الحال حتى أكرمنا الله وأنهينا دراستنا وعدنا إلى بلداتنا”.
خطبة الجمعة الأولى
عن العودة إلى أم الفحم وزيارة الأهل خلال فترة الدراسة، يقلّب الشيخ رائد شريط ذكرياته بهذا الخصوص “بعد أن مضت علينا أسابيع ونحن في الخليل، قررتُ أن أعود إلى البيت لزيارة الاهل، وكنت مضطرا أن اسافر من الخليل عبر خطوط سيارات أجرة إلى القدس وهناك نركب إلى نابلس ومنها إلى جنين ثمّ إلى أم الفحم، وهكذا كنا ملزمين أن نفعل في طريق العودة إلى الخليل. لمَّا وصلت إلى أم الفحم المرة الأولى بعد مغادرتها للدراسة، كانت فرحتي كبيرة، حيث أرى الاهل لأول مرة بعد انقطاع طويل. يومها زارنا الشيخ سليمان (أبو سيف) زوج أختي ناهدة وطلب مني أن أكون خطيب الجمعة في مسجد “قباء” الذي كان قد بني حديثا ولم يكن فيه إمام بعد، فقلت له كيف سأخطب؟! وأنا غير معتاد على الأمر وأمام إصراره والأخوة رواد المسجد وافقت، وعكفت تلك الليلة على كتابة الخطبة وكانت بعنوان “ألهكم التكاثر”، وخلال إلقائي للخطبة- وهي أول مرة في حياتي- لم اتجرأ أن أنظر إلى الناس لرهبة المشهد وهي رهبة عظيمة جدا. المهم انهيت الخطبة وتمَّت الصلاة وخرجت من المسجد فقال لي الأهل، لم نسمع أية كلمة من خطبتك لأنك كنت تتحدث بأسلوب سريع جدا فلم نتمكن من سماع الكلمات بوضوح. بعدها بدأت اجتهد أن اتعلم من الأخطاء التي وقعتُ فيها في المرة الأولى والحمد لله انتقلت من مرحلة الخطابة بناء على ورقة مكتوبة إلى الخطابة الشفوية، كذلك بدأنا نعتاد على إلقاء الدروس والمواعظ في الاعراس وبيوت العزاء والمساجد”.
ويضيف عن بداياته في إلقاء المواعظ والدروس: “دخلت ومجموعة من الشباب الذين منّ الله عليهم بالتوبة إلى بيت عزاء في حارة الجبارين، فطلبوا مني أن اعطي موعظة، فقلت لهم لا استطيع ما عندي تجربة، قالوا يجب أن تبدأ، فكانت أول موعظة لي خارج المسجد بعد أول خطبة جمعة، وبدأت الحديث عن موضوع الميراث وتذكر كل ما درسته في الجامعة عن الموضوع، وركَّزت نظري خلال القاء الدرس على أحد الأهل كان يجلس مقابلي، لم انظر إلى غيره من رهبة الموقف، والحمد لله الأمور “مشت على خير” وستر الله عليّ في هذا الموقف الرهيب جدا”.
وتوجه بنصيحة إلى الدعاة في هذه الأيام: “أنصح الدعاة بألّا يبدأ الداعية إلقاء الخطب والدروس، حتى يشعر أنّه قد تمكن من الأمر من حيث العلم واللغة والأسلوب فلا يتعجل، كذلك أنصح أن تكون المواعظ بأقصر وقت ممكن، وأن تكون المواعظ ذات مفاهيم توجيهية وليست مجرد كلمات فضفاضة ومنقطعة عن واقع المصلين، ويجب أن تُعالج الأحداث في ظل ظروف الحياة حتى تُبنى عليها توجيهات تؤثر بالمصلي. وهكذا إن انتهجنا هذا الأسلوب سيساهم الدعاة والمساجد بالتغيير المطلوب بإذن الله”.
مكتبة “دنديس”
وتوقف الشيخ رائد في هذه الحلقة من برنامج “هذه شهادتي” عند مكتبة “دنديس” المعروفة في مدينة الخليل، وقال: “كانت أكبر مكتبة في الضفة الغربية ولم يكن لها مثيل في قطاع غزة ولا في القدس المباركة، وكانت توفر كل كتب التراث والكتب المعاصرة. كانت المكتبة في طريق عودتنا من الكلية إلى السكن في حارة أبو سنينة، لذلك كنا ندخل إليها كل يوم وخاصة في السنة الأولى بالجامعة، ولو من باب النظر إلى الكتب والتعرف عليها، وهذا ساعدنا ان نتعرف على كتب التراث وأسماء العلماء وكتب السيرة والتفسير والفقه وعلوم الحديث وعلوم القرآن وكتب التاريخ واللغة العربية. تعرفنا من خلال كتبها على اسم “ابن القيم الجوزية”، وابن الجوزي، وابن تيمية وأسماء كثيرة جدا لأصحاب كتب التراث، وفيها بدأنا نتعرف على كتب المعاصرين مثل كتب المرحوم سيد قطب والإمام البنا وكتب سيد سابق وأبو الأعلى المودودي والشيخ القرضاوي وقائمة طويلة من القامات العلمية في العالم الإسلامي. ثمًّ وضعنا موازنة مالية من مصروفنا الشهري جانبا، وبدأنا نشتري الكتب ونعود بها إلى بيوتنا وهكذا بدأنا نؤسس لمكتبات إسلامية خاصة بنا في كل بيت من بيوتنا، وهذا ساعدنا جدا في تنمية ثقافتنا الإسلامية والتعرف على تاريخنا وحاضرنا من خلال أعلام الأمة من الاحياء والأموات، فتتبعنا كل كتاب جديد وحرصنا على شرائه”.
وأضاف: “على الصعيد الشخصي، هذا الأمر قوى عندي الرغبة في المطالعة بدون توقف، فكنت اقرأ بشغف كبير، لدرجة أنني كنت اقرأ بعض الكتب في يوم واحد. فجزى الله خيرا الوالد والأبناء من آلـ دنديس على مكتبتهم التي تعرفنا من خلالها على كل العلوم الإسلامية”.
ونصح الشيخ رائد صلاح طلاب الشريعة قائلا: “يجب أن تعلموا أنَّ الدراسة في الشريعة للقب الأول والماجستير وحتى للدكتوراه ليست هي العلوم الشرعية وكل الثقافة الإسلامية، إنما هي مفتاح يقودك لدخول المكتبة الإسلامية القديمة والمعاصرة. فعلى طالب الشريعة ألا يتعجل الشعور بأنه أصبح عالما وصاحب قدرة على الفتوى- يمينا وشمالا- بل عليه القراءة واكتساب المزيد من المعرفة وأن يأخذ بنصيحة الإمام الشافعي حين قال “ما زادني علمي إلا جهلا””.
وأردف: “أقول لأبناء المشروع الإسلامي، إن السوق اليوم، سواء سوق الكتب أو سوق مواقع التواصل الاجتماعي اختلط فيه الحابل بالنابل، لذلك علينا أن نحسن اختيار كتب العلماء الثقات، ونُحسن اختيار مواقع الدعاة الثّقات التي تحمل العلم الشرعي القائم على الفهم السليم والوسطي للكتاب والسنة، بعيدا عن الغلو، وبعيدا عن الشخصانية وعن الدوافع التي قد تكون متأثرة بأوامر من جهات رسمية وحكومات وما الى ذلك، بالذات الحكومات التي لا تنسجم بمواقفها وخطابها مع الصحوة الإسلامية. نحن في جو غير طبيعي وهذا انعكس على هذا الزخم الكبير من الكتب ومواقع التواصل، ولا أحسد أبناء الصحوة على الحال الذي نعيشه اليوم، علينا ان لا نقع فريسة وضحية بدوافع حسنة لبعض هذه المواقف المضللة والعياذ بالله تعالى”.
شاهد الحلقة كمالة هنا