بذور الحرب الأهلية الإسرائيلية.. معالم أولية
صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
لا يخفى على المراقب والمتابع للشأن السياسي الإسرائيلي الداخلي، أننا أمام مرحلة جديدة وقد تكون فارقة في تاريخ هذه الدولة التي نشأت علمانية تستحمر الدين، إلى دولة تتجه نحو الديانة تستحمر العلمانية، ودولة اعتمدت في جوهر وجودها على رباعية الجيش والسياسة والقضاء والأمن، وهذه المعادلة الرباعية باتت تحت مقص السياسي في توجيه بائن لتحقيق مصالح حزبية وفئوية وطائفية في مجتمع فسيفسائي معقد ومتشظ.
هذه الدولة منذ أن قامت على ثنائية الحرب “السيف” في علاقاتها مع العرب والفلسطينيين، والكراهية “الحقد” في علاقاتها مع الجوار والمجتمعات الداخلية المؤسسة لإسرائيل والقادمة إليها من أصقاع الأرض لتعزيز الوجود السكاني نحو تحقيق حسم وجودي بشري، منذ ذلك وهي تعيش حالات من التناقضات الداخلية وصلت ذروتها في الانتخابات الأخيرة للكنيست التي جرت مطلع الشهر الفائت من هذا العام (2022)، ومتابعة تداعيات الانتخابات وتشكيل الحكومة اليمينية ما زالت في ارتفاع مستمر. تصريح قائد هيئة الأركان الاثنين الفائت، مدافعًا عن دائرة المتحدث الرسمي باسم الجيش بعد انتقادات من أطراف صهيونية-دينية، وردّ قيادات نافذة سياسية ودينية وإعلامية على كوخافي فيما يتعلق بالتعامل مع الجنود الذين يدلون بتصريحات سياسية تشي أننا سنشهد هذا العام مناقرة ديكة بين طرف ديني متشدد وآخر من مهماته أن يحميه.
ما قاله قائد هيئة الشرطة السابق “ألـ شيخ” في القناة 12 ليلة الثلاثاء الفائتة، ودفاعه عن الشرطة وقائدها كوبي شفتاي ونصيحته بالاستقالة إن تمَّ سحب بعض من صلاحياته أمام تغول بن غفير وسلة الصلاحيات التي تحصّل عليها من نتنياهو، فضلًا عن القانون الذي يمنحه مساحات نفوذ واسعة تجعل الشرطة و 12 كتيبة من حرس الحدود مليشيا سيتم استخدامها ليس فقط اتجاه العرب، بل ومن سيناهضهم من المجتمع الإسرائيلي العلماني الذي بات يوصف باليسار برسم معارضتهم لليمين الديني والحاريدي والصهيوني الديني، وهو ما سيؤسس لردود أفعال باتت معالمها تتضح يومًا بعد يوم، وهو ما يطرح سؤال المواجهة بين مجتمعين، خاصة بعد تحذيرات “ألـ الشيخ” من توقعات تأسيس مليشيات إذا ما تم مصادرة الشرطة لصالح بن غفير وقيمه ومصالح من يمثلهم من المجتمع الإسرائيلي (وهو الحاصل على 14 مقعدًا)، فنحن اليوم أمام مجتمعين، الأول يعمل على ترسيخ قيمه الدينية والمحافظة عبر أدوات قانونية وشبه عسكرية، ومجتمع آخر يعتقد أن الديموقراطية تُصادر لصالح اليهودية والتحضير لدولة دينية، وهؤلاء يعتقدون أنَّ نتنياهو باع الدولة لليمين الديني لإنقاذ رقبته من المحاكم المدارة ضده.
رئيس الحكومة المنتهية ولايته لابيد، تحدث في الكنيست وغيرها من المنصات عن ضرورة مواجهة هذه الحكومة، وقال مقولته المشهورة “إنهم لم يروا شيئًا بعد”، فيما دعا ايزنكوت إلى الخروج للشوارع للمظاهرة ضد الحكومة اليمينية-الحاريدية حتى إسقاطها، وإعلان مئات مديري المدارس الثانوية الإسرائيلية عن رفضهم تدخل شريك بن غفير في الحزب آفي معاوز، في سلة البرامج التوجيهية والقيمية في المدارس وإنشاء وحدة خاصة للتربية على القيم اليهودية ترأسها النائبة اوريت سطروك، ونقل شركة المراكز الجماهيرية لحركة شاس والمسؤولية عن التعليم والتربية في التعليم الرسمي-الديني لرئيس الصهيونية الدينية سموطريتش، أقلقت المجتمع الإسرائيلي العلماني الذي يشكل تقريبًا نصف المجتمع الإسرائيلي، وبتنا أمام معالم حرب قيم وحضارة بين مجموعتين، سنشهد حجم التشظي والمواجهات في الشوارع مع الشروع في تنفيذ السياسات التي يتحدث عنها الائتلاف اليميني الحاكم.
وتبدت معالم العنصرية في جنبات المجتمع الإسرائيلي بعدئذ كانت مستورة، فيما كانت متفشية في جدل العلاقة مع المجتمع الفلسطيني في الداخل، وافتضح أمر مجتمع لطالما صبَّ سمَّه وحقده علينا نحن أصحاب هذه الديار.
العنصرية الإسرائيلية باتت ترتد هذه الأثناء على المجتمع الإسرائيلي، وكافة التحركات البين حزبية المؤتلفة مع الليكود والتي اشترطت اتفاقيات مسبقة قبل الائتلاف مع الليكود عبر تقنينها، تعتمد أولًا تثبيت وضعيتها الحزبية-السياسية داخل المجتمع الإسرائيلي وتستهدف قطاعات منه كاشفة أنيابها عن صراع ديني-علماني وصراع قيمي، فالصهيونية تجلت معالم اضمحلالها منذ العشرية الفائتة، إذ بات أكثر من 60% من المجتمع الإسرائيلي يمينيًا ومحسوبًا على التيار المحافظ والديني، وتتجلى معالم صراع قيم داخلي بين مكونات المجتمع الإسرائيلي. وفي ظل التصريحات الرسمية وما تتناوله الفئات السياسية المؤدلجة تكشف أننا أمام صراع قادم، ذلكم أنَّ هذا الصراع ستتجلى أبعاده في القضايا ذات الصلة بالمجتمع وسلوكياته وخاصة العلاقات مع الشواذ وهذه الفئة من الناس لها تأثيراتها داخل الطيف السياسي الإسرائيلي.
القوانين التي يقوم الليكود وشركاؤه بسنّها لا تستهدف بالضرورة تحسين الحكم وتحسين العلاقة مع المؤسسة الرسمية، بقدر ما أنها وسيلة لإحكام السيطرة على الحيز الديموقراطي والاجتماعي والأخلاقي المشبع بعنصرية ليس فقط اتجاه الإنسان والمجتمع الفلسطيني، بل والإنسان والمجتمع الإسرائيلي العلماني، وهو ما تنبهت له القيادات الإسرائيلية التي ستكون في المعارضة. اليمين الإسرائيلي مدرك لهذه اللحظة التاريخية التي سيخطو بها نحو تحقيق دولة الشريعة. وبقايا اليسار والمركز متنبهون إلى أنهم المتضرر الأكبر من هذه السياسات المشبعة أيديولوجيًا.