حكومة نتنياهو السادسة.. أزمات داخلية وتحديات خارجية
رغم تبليغ رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف بنيامين نتنياهو، الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، نجاحه في تشكيل ائتلاف حكومي جديد برئاسته، فإن ملامح تشكيل وتوزيع الحقائب الوزارية لم تتضح بشكل نهائي بين أعضاء الليكود والأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي التي تمكنت من التغول والسيطرة على مقاليد الحوكمة والبنية المؤسساتية للحكم، والسيادة الداخلية على كل فلسطين التاريخية.
وتحظى حكومة نتنياهو الجديدة بدعم 64 من أعضاء الكنيست من أصل 120، علما أن 38 من الأعضاء الداعمين للحكومة الجديدة ينتمون لليمين الديني المتطرف، والتيارات الدينية والحريدية، و14 منهم يقطنون بالمستوطنات بالضفة الغربية المحتلة.
ورغم التنازلات التي قدمها حزب الليكود -الذي حصل على 32 مقعدا في انتخابات الكنيست الأخيرة- إلا أن نتنياهو يسعى إلى التحكم بمقاليد حكومته الجديدة التي تشهد تنافسا على استحواذ الوزارات السيادية وصلاحيات كل وزارة مع حزب “شاس” الممثل في الكنيست بـ11 مقعدا، وهو الحزب الذي يعد بمثابة الشريك الإستراتيجي لنتنياهو، وسيحصل زعيمه أرييه درعي على منصب نائب رئيس الحكومة.
وأمام نفوذ حزب “شاس” -المحسوب على الحريديم الشرقيين (السفارديم)- في الحكومة الجديدة بحصوله على وزارات الداخلية والصحة والأديان، يسعى تحالف “يهودية التوراة” برئاسة موشي غافني لتثبيت حضوره في مقاليد الحكم من خلال وزارة الإسكان، ورئاسة لجنة المالية، والعضوية في المجلس الوزاري الأمني المصغر “الكابينيت”، علما أنه ينتمي إلى تيار الحريديم الغربيين (الأشكناز).
وفي ظل التنافس على الوزارات والصلاحيات، والسيادة على الشرطة، والاستيطان والضفة الغربية، تفكك تحالف “الصهيونية الدينية”، ورجع كل حزب ليعمل بشكل منفصل: حزب “الصهيونية الدينية” برئاسة بتسلئيل سموتريتش، (7 مقاعد)، الذي سيتولى وزارة المالية، وحزب “عظمة يهودية” برئاسة إيتمار بن غفير، (6 مقاعد)، الذي سيتولى حقيبة الأمن القومي، وحزب “نوعام” وسيمثله عضو كنيست واحد هو رئيسه آفي عوز.
وزارات وصلاحيات
ويرى الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت أن نتنياهو اتجه إلى توزيع الوزارات الكبيرة، كالمالية، والداخلية، والصحة، والأمن القومي، والإسكان، والاستيطان، على الشركاء في الائتلاف الحكومي من الأحزاب الحريدية واليمين الديني المتطرف والصهيونية الدينية، إلى جانب منحهم صلاحيات واسعة مأخوذة من وزارات أخرى ستكون بيد أعضاء الليكود، مرجعا ذلك إلى رغبة نتنياهو في ضمان تشكيل الحكومة، وعدم التوجه مجددا لانتخابات مبكرة.
وأضاف شلحت أنه ليس واضحا إلى الآن من سيتولى الحقائب الوزارية المهمة وذات السيادة من داخل حزب الليكود، وأبرزها الأمن، والخارجية، والتربية والتعليم، والقضاء، والاقتصاد، والقدس، والمواصلات، إذ إن “التنافس داخل الليكود سيخلق حالة من الامتعاض والتوترات والمشاحنات بين أعضاء الحزب”.
ووصف شلحت حكومة نتنياهو الجديدة بـ”حكومة يمين صافية” تعتمد في تركيبتها على اليمين التقليدي، واليمين الديني، والأحزاب الحريدية، وتحالف الصهيونية الدينية، مع تغييب وإقصاء لأي طيف سياسي إسرائيلي آخر، ولذلك فإنها تُعبّر عن رؤية اليمين المتطرف الذي لديه رؤية الخلاص، وينظر إلى إسرائيل الحالية كمحطة في الطريق للوصول إلى “دولة الشرعية” التي تحتكم للتوراة.
وأوضح أن الاتفاقيات الائتلافية تعكس الاتجاه نحو التطرف بالمجتمع الإسرائيلي، واحتدام الصراع داخليا حول ملامح وهوية “يهودية الدولة”، وفي قضايا الدين والدولة، والديمقراطية، والسجال بين المتدينين والعلمانيين، والحريات الفردية والمدنية للأقليات الدينية، والقومية، والاجتماعية.
وعن دلالات تشكيلة الحكومة على سياساتها الداخلية وتجاه الفلسطينيين وقضايا المنطقة، يقول شلحت إن الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر هم المتضرر من الحكومة المقبلة.
وعلى الرغم من الإجماع الصهيوني بشأن القضية الفلسطينية، والاستيطان، والتوافق على سيادة إسرائيلية، يُقدّر شلحت أن الجدل الإسرائيلي سيحتدم، وقد يصل إلى حد المواجهة في القضايا الداخلية.
وأوضح شلحت أنه يتم التعامل من قبل الائتلاف الحكومي اليميني مع معسكر المعارضة بعداء، في حين تدفع هذه الحكومة إلى ترسيخ نظام الفصل العنصري (الأبرتهايد) في فلسطين التاريخية، الأمر الذي سيكون له تداعيات وانعكاسات على إسرائيل بالمحافل الدولية.
صدام متوقع مع واشنطن
أما على الصعيد الخارجي، فيعتقد إلداد شابيت، الباحث في مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، أن حكومة نتنياهو الجديدة ستصطدم مع إدارة الرئيس الأميركي جو بادين في مختلف الملفات الإقليمية والدولية، وأبرزها الملف الفلسطيني، والنووي الإيراني، وربما أيضا في ملف الحرب الروسية الأوكرانية.
وأوضح شابيت أنه رغم تأكيد الإدارة الأميركية على احترام نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وأنها تنوي التعامل مع سياسات الحكومة الجديدة بغض النظر عن الأسماء، إلا أن قلق أميركا يتزايد بشأن التداعيات المحتملة لسياسات هذه الحكومة على العلاقات بين تل أبيب وواشنطن.
ورجح شابيب -الذي شغل بالسابق مناصب عليا في الاستخبارات العسكرية ومكتب رئيس الحكومة- أن قلق واشنطن يعود بالأساس إلى البرامج والخطط والخطوات التي تقدمها أحزاب الائتلاف، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والنظام القانوني وحماية حقوق الأقليات، قائلا إن “صراع حكومة نتنياهو مع الإدارة الأميركية سيكون حتميا”.
وقدّر شابيت أن ذلك من شأنه أن يضر بقدرة إسرائيل على إجراء حوار متعمق مع الإدارة الأميركية حول القضايا الرئيسية والإقليمية، وأبرزها الملف الإيراني.
وأشار الباحث الإسرائيلي إلى أن المساعدة الأميركية عنصر حاسم في الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي، وأن التحديات السياسية والأمنية المعقدة التي من المتوقع أن تواجهها إسرائيل في الأشهر المقبلة تتطلب التنسيق الكامل مع واشنطن، لكنه لا يستبعد -في الوقت نفسه- أن يكون لسياسة الحكومة الإسرائيلية تأثير سلبي على المدى الطويل على الدافع الأميركي للحفاظ على العلاقة الخاصة بين واشنطن وتل أبيب.