محكمة مصرية تطالب بضبط 5 إعلاميين معارضين.. هل يستجيب الإنتربول؟
تواصل السلطات المصرية حملات التضييق على المعارضين المصريين بالخارج، في وقت تتصاعد فيه انتقادات إعلام المعارضة لما يصفه بفشل النظام ومعاناة الشعب مع قراراته، وتفجر أزمات مالية واقتصادية وتضخم وفقر مدقع، لا يتحمله المصريون.
وقررت محكمة جنايات القاهرة الدائرة الأولى “إرهاب”، الأربعاء، إخطار الإنتربول الدولي بالقبض على 5 إعلاميين مصريين معارضين في الخارج، الذين تتهمهم المحكمة غير العادية في القضية “26 لسنة 2021 حصر أمن الدولة”.
المحكمة المنعقدة في مدينة “بدر” قرب العاصمة الإدارية الجديدة، أخطرت منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) للقبض على الإعلاميين: حمزة زوبع، ومعتز مطر، ومحمد ناصر، وسيد توكل، وعبد الله الشريف، مع إدراج أسمائهم في النشرة الحمراء لتعميم طلب القبض عليهم بشكل عاجل خارج مصر.
الإعلاميون الخمسة إلى جانب الصحفي حسين علي كريم، والمصور محمد عبد النبي فتحي، تتهمهم نيابة أمن الدولة العليا، باتهامات الانضمام لجماعة إرهابية، وتمويل وإمداد جماعة إرهابية ببيانات هدفها زعزعة وتكدير السلم العام، وهي الاتهامات التي تصفها منظمات حقوقية بأنها معلبة.
“قديم يعاد”
وفي أول تعليق له على تلك المطالبة، قال الإعلامي المصري المعارض ورئيس رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج الدكتور حمزة زوبع: “كالمعتاد؛ لا جديد يذكر بل قديم يعاد”.
وأكد أنها “قضايا ملفقة، وفراغ كبير يملؤونه بقضايا أقرب ما تكون إلى الخيال منها إلى الواقع”.
وأشار إلى أنهم “تركوا كل هموم البلاد ومآسي العباد، ويشغلون الرأي العام عن بيع قناة السويس، وضياع الاقتصاد، ورهن البلاد بخمسة أو ستة إعلاميين، حتى يرتبط فشلهم ذهنيا بهؤلاء”.
وختم زوبع بقوله: “مرحبا بك في السيرك القومي للانقلاب”.
من جانبه، فضل الإعلامي بفضائية “مكملين” سيد توكل، عدم التعليق في الوقت الحالي.
ويقيم الإعلاميون المذكورون بين تركيا والمملكة المتحدة، وهو ما يدفع للتساؤل حول مدى استجابة الإنتربول للمطالبة المصرية، واحتمالات تسليم أنقرة ولندن لهم، وشروط تنفيذ الإنتربول لأي مطالبة، ومدى وجود مواقف سابقة مع المعارضين المصريين.
“قواعد الإنتربول تمنع”
وقال الحقوقي المصري محمد زارع: “النشرة الحمراء التي وزعتها مصر على الإنتربول تمثل وضعا يخصها، ورغم وجود حكم محكمة قال؛ إنهم مطلوبون ليس بالضرورة أن يستجيب الإنتربول والدول؛ لأن هناك قواعد تحكم الأمر”.
رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، أضاف: “أولا: الحكم صادر من محكمة (أمن دولة طوارئ)، وهو ما يمكن للمنظمات الحقوقية والمحامين استغلاله وانتقاد الحكم؛ كونه صادرا عن محكمة ليست عادية”.
“ثانيا: يمكن للمحامين الاستئناس لكثير من التقارير الحقوقية الدولية التي ترصد سوء معاملة المسجونين، وانتشار التعذيب، ووجود عقوبة الإعدام، وغيرها مما يرفضه الغرب، وبناء عليه يرفض تسليم أي شخص لمخاوف على حياته وأمنه”.
وعن الإجراءات المعتادة في مثل هذه الأحوال، أكد زارع، أنه “بعد توزيع النشرة يأتي عمل اللجنة الداخلية في الإنتربول (ccf)، التي تبحث بالتوازي تلك الملفات وتجمع المعلومات الكاملة، ثم تصدر تقريرها مستندة إلى منظمات حقوقية وغيرها، وقرارها لا يجوز نشره أو الطعن عليه”.
وخلص إلى القول بأن “المسائل تخضع لقواعد مستقرة وثابتة، وأعتقد أنه من الصعب تسليم أحد من الإعلاميين الخمسة”.
“سابقة السويد”
وأضاف أن “هذه ليست أول نشرة حمراء توزعها القاهرة، وهناك نشرات كثيرة خرجت لتوقيف محكوم عليهم وهم بالخارج، لكن ليس بالضرورة أن يحدث استجابة، ورغم ذلك فعلتها بعض الدول في عهد حسني مبارك، ومع ذلك ندمت عليها، مثل السويد”.
وأشار إلى “تسليم استكهولم، المصري أحمد عجيزة عام 2004، في اتهامه بقضية (العائدون من ألبانيا عام 1999)، بعد تعهد القاهرة بعدم الحكم عليه بالإعدام، وبالفعل حُكم عليه بالسجن المؤبد”.
وأوضح أنها “قد تكون السابقة الوحيدة من دولة أوروبية، وأظنها اعتذرت مرات كثيرة لأنها شعرت بخطئها، حتى السفير السويدي كان يزور عجيزة بانتظام، والكثير من المنظمات تحدثت عن السابقة الخطيرة التي لم تتكرر ثانية”.
وختم زارع حديثه بالتأكيد أن “الأخطر هو وجود المعارضين في دول قمعية لها مصالح مع القاهرة، وهنا النظام لا يحتاج الإنتربول، فيتم تبادل المطلوبين أو تسليمهم، لكن مع إجراءات الإنتربول فهناك صعوبة كبيرة في تسليمهم”.
“لا تسليم بقضايا سياسية”
من جانبه، قال الحقوقي والإعلامي المصري المعارض هيثم أبوخليل، “لا توجد احتمالات أن تسلم دولة أيّا من الإعلاميين الخمسة”.
مدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان، لفت إلى أن “ما حدث من توقيف إيطاليا للوزير المصري السابق الدكتور محمد محسوب، عدة ساعات، بناء على وضعه على القائمة الحمراء بموقع الإنتربول، وجرى إطلاق سراحه رغم صدور حكم نهائي ضده”.
وأشار إلى أن “تلك الدول تعرف جيدا أنه لا يوجد نظام تقاضي شفاف في مصر”، مضيفا: “كما أنه لم يصدر حكم نهائي ضد أي من الإعلاميين الخمسة، وكما أن ناصر ومعتز والشريف يعيشون بالمملكة المتحدة إما بلندن أو دبلن، تحت التاج البريطاني”.
وقال؛ إن “دولة مثل هذه وبهذا الحجم لديها قانون وحماية لمن يعيشون على أرضها، وهناك معارضون كثيرون جدا بها”، لافتا إلى أن “الإنتربول، لم يسلم أحدا في جرائم سياسية نهائيا”.
ويعتقد أبوخليل، أن “النظام لجأ لهذا الأسلوب كوسيلة من وسائل الإرباك والضغط وتشتيت الانتباه عن الواقع المزري والمؤسف، بحيث يشكك الشعب في ما يقوله هؤلاء الإعلاميون عن هذا الواقع، ويدعي أنهم مجرمون وإرهابيون ومطلوبون، بينما الخونة يتحكمون ويحكمون”.
“الهدف دعائي”
وفي تقديره، قال مدير المرصد العربي للإعلام، قطب العربي؛ إن “الإنتربول يحتاج أدلة موثقة لإدراج أي فرد على قوائمه الحمراء”، مشيرا إلى أن “طلب محكمة الجنايات لا يتضمن غالبا هذه الأدلة؛ لأنها غير موجودة”.
وقال إن “الهدف دعائي فقط، ولن يتعامل الإنتربول بجدية مع هذا الطلب الذي سبقه مطالب متعددة من قبل، تجاهلتها الشرطة الجنائية الدولية لعدم جديتها”.
وعن الدول التي يقيم فيها هؤلاء الاعلاميون، أضاف العربي: “هي، وخاصة تركيا، أعلنت مرارا أنها لا تسلم أحدا، وأقصى التوقعات أن تطلب منهم عدم الظهور الإعلامي، وهو ما تم فعلا مع البعض”.
وأكد أنه “بطبيعة الحال، فالنظام المصري لديه ثأر مع الإعلاميين المعارضين في الخارج، ويريد الانتقام منهم عبر هذه الإجراءات، وتحقيق انتصارات وهمية على جزء من أبناء الشعب”.
وألمح إلى أنها جميعا “للتغطية على فشله بمواجهة الأزمات الكبرى التي يعيشها، كما يستهدف ممارسة المزيد من الضغوط على الدول التي يقيمون فيها، لاستخدام هذه الضغوط في جلسات التفاوض معها”.