بين أوكرانيا وروسيا.. لماذا إسرائيل في موقف صعب؟
على الرغم من أنها تعد الحليف الأبرز للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي؛ يتصاعد التوتر بين إسرائيل وأوكرانيا لأسباب يعزوها محللون إلى صراع المصالح بين تل أبيب من جهة، وكل من طرفي الحرب موسكو وكييف من جهة أخرى.
ولم يكن استدعاء وزارة الخارجية الإسرائيلية قبل أيام السفير الأوكراني يفغيني كورنيشوك إلى “جلسة توبيخ”، خارجا عن سياق التوتر الدبلوماسي بين البلدين والذي شهد تصاعدا وركودا، وذلك وفق تطورات سير المعارك التي تشنها القوات الروسية منذ حربها على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2021.
وخلال أشهر الحرب بأوكرانيا، دأبت إسرائيل -التي تعد الحليف الأكبر لكييف وللرئيس الأوكراني زيلينسكي، الذي ينحدر من أصول يهودية ويجاهر بتأييده ودعمه لإسرائيل- على الإبقاء على أبواب الكرملين مفتوحة أمامها حفاظا على مصالحها مع الرئيس فلاديمير بوتين، والمتعلقة باستقدام يهود روسيا، والإبقاء على مكاتب الوكالة اليهودية بموسكو، وأيضا مواصلة تنسيق الهجمات الإسرائيلية على سوريا لتقويض التموضع العسكري الإيراني هناك.
وفي ظل هذه التعقيدات والملفات المتشابكة، كثيرا ما اشتبكت تل أبيب مع كييف، في قضايا بقيت تفاصيلها مجهولة ومحاورها مبهمة ضبابية، لكن دون أن يصل الأمر بين البلدين إلى حد الصدام الدبلوماسي، إذ تلوح بالأفق بوادر أزمة سياسية بين إسرائيل وأوكرانيا، وذلك عقب تصويت البلدين تجاه مشروعي قرارين بالأمم المتحدة بطريقة اعتبرت كل من كييف وتل أبيب أنها لا تصب بمصلحتهما.
توتر وصدام
وفي حالة عكست تصاعد وتيرة الصدام الدبلوماسي بين البلدين، صوتت أوكرانيا مع 98 دولة لصالح طلب السلطة الفلسطينية وجهة نظر قانونية من محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية، وانتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.
وعقب استدعاء السفير الأوكراني لدى تل أبيب لجلسة استماع، لم يتأخر الرد العملي الإسرائيلي على المستوى الدولي، حيث امتنعت تل أبيب عن التصويت بالأمم المتحدة لصالح مشروع قرار يدعو روسيا إلى دفع تعويضات لأوكرانيا، على خلفية الحرب التي تشنها موسكو على كييف منذ فبراير/شباط الماضي.
وفي قراءة لتصاعد التوتر بين أوكرانيا وإسرائيل بأروقة الأمم المتحدة، يجمع محللون وتقديرات مواقف مراكز الأبحاث الإسرائيلية بأن رد تل أبيب الدبلوماسي، يأتي “بغية عدم إغضاب روسيا والإبقاء على علاقة وطيدة مع الكرملين، وأيضا شكلا من أشكال الانتقام من كييف، بغية الضغط عليها وثنيها عن دعم أي قرار في الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية”.
مواقف ومصالح
من وجهة النظر الإسرائيلية، يقول عيران ليرمان، نائب رئيس معهد “القدس للإستراتيجية والأمن” إنه من الواضح ألا تنتهي الحرب في أوكرانيا قريبا، موضحا أنه بالنسبة لتل أبيب، فإن التغييرات التي تحدث على المستويين الدولي والإقليمي بسبب الحرب لها آثار بعيدة المدى على بعض العناصر الأساسية للأمن القومي الإسرائيلي.
وفي ظل استمرار حرب روسيا على أوكرانيا، أوضح ليرمان للجزيرة نت أن تل أبيب تجد نفسها أمام العديد من القضايا والملفات والمحاور التي تعكس مصالحها مع موسكو وكييف، وأيضا مصالحها الإقليمية والعالمية، وهو ما يتقاطع مع المفارقة الروسية، والاستقطاب بين الصين وروسيا من جهة وأميركا والغرب من جهة أخرى، وتكشف حقيقة التهديد العسكري والأمني للغرب.
ويعتقد أن كافة هذه المحاور لها تداعيات ونتائج مباشرة -وبعضها طويل الأمد- على إسرائيل ومكانتها العالمية والإقليمية، حيث عززت الأزمة في جميع الجوانب تقريبا عناصر معادلة الأمن القومي لإسرائيل، وعززت مكانتها على الساحة الدولية، حتى وإن بدت هناك أزمات وتوتر بالعلاقات بين إسرائيل وأوكرانيا وتباين بالمواقف بين موسكو وتل أبيب.
وإلى جانب الأمن القومي الإسرائيلي يقول نائب رئيس معهد “القدس للإستراتيجية والأمن” إن هناك عنصرا يتمثل في زيادة كبيرة في نطاق الهجرة إلى إسرائيل، في ضوء الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
يهود روسيا وأوكرانيا
وفي مؤشر يعكس توظيف الحكومة الإسرائيلية الحرب الروسية الأوكرانية لاستقدام المهاجرين إلى فلسطين التاريخية، استقدمت الوكالة اليهودية خلال حرب روسيا وأوكرانيا 61 ألف مهاجر، مقارنة بنحو 25 ألفا من المهاجرين الذين تم استقدامهم عام 2021، وذلك وفق معطيات نشرتها “الجمعية الوطنية لتشجيع الهجرة” (أوفك يسرائيلي).
وأظهرت المعطيات أن عدد المهاجرين عام 2022 زاد أكثر عن الضعف مقارنة بالعام الماضي، علما بأن الزيادة بدت واضحة من أوكرانيا وروسيا التي ارتفعت بنسبة 316%، وذلك رغم الأزمة ما بين الوكالة اليهودية وموسكو وتصاعد التوتر بين كييف وتل أبيب.
ويُستدل من البيانات أنه منذ مطلع هذا العام وحتى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، هاجر 32 ألفا و494 شخصا إلى إسرائيل من روسيا، بينما تم استقدام 14 ألفا و450 من أوكرانيا، علما أنه منذ يوليو/تموز الماضي، كان هناك تباطؤ في عدد المهاجرين من أوكرانيا، عزته صحيفة “يسرائيل هيوم” إلى ما وصفته بـ”نجاحات كييف في الحرب”، و”التوتر الخفي بين إسرائيل وأوكرانيا، ورفض تل أبيب طلب كييف بتزويدها بالأسلحة المتقدمة والدفاعات الجوية”.
تداعيات وتوازنات
إلى جانب المساعي للحفاظ على الجاليات اليهودية في روسيا وأوكرانيا وإبعادهما عن تداعيات الحرب، تجد إسرائيل نفسها، “في صراع مع المصالح التي تجمعها مع أوكرانيا التي تواجد بها أكبر جالية يهودية في أوروبا وتقدر بحوالي 600 ألف يهودي غالبيتهم يحملون الجنسية الإسرائيلية أيضا”. كما يقول نمرود جورن مدير المعهد الإسرائيلي “ميتفيم” المتخصص في السياسات الخارجية لإسرائيل والشرق الأوسط.
وأوضح جورن في حديثه للجزيرة نت أن “الدبلوماسية الإسرائيلية سعت إلى خلق توازنات تحافظ على المصالح مع روسيا، وكذلك المصالح مع أوكرانيا والغرب، مشيرا إلى أن تصاعد التوتر الدبلوماسي بين تل أبيب وكييف يعكس كواليس تصادم المصالح بدون أن ينذر ذلك بتفاقم أزمة حقيقية.
ويعتقد أنه مع عودة بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم في إسرائيل يمكن لتل أبيب أن تكون وسيطا مباشرا بين موسكو وكييف، بل لربما قد يكون نتنياهو الذي وجه له الرئيس الأوكراني دعوة لزيارة كييف لاعبا أساسيا بالتوازنات والتقارب بين موسكو وكييف مع ضمان تحصين مصالح إسرائيل لدى روسيا وأوكرانيا.