الجنوب السوري.. تحديات الأمن تزيد مخاوف الأردن
أستاذ علاقات دولية: الأردن يسعى لتفاهمات مع روسيا بغرض حدود آمنة مع سوريا
– خبير عسكري: الوجود الروسي جنوبي سوريا لن يؤمّن الحماية للأردن
– مصدر أمني: حدود البلدين أصبحت مرتعا للمليشيات وتجارة المخدرات
أثارت تصريحات أردنية أخيرة بشأن الأوضاع في الجنوب السوري، تكهنات الساسة والمراقبين بشأن دوافع ازدياد قلق المملكة مما يجري على الجانب الآخر في الجارة الشمالية.
وفي 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أكد ملك الأردن عبد الله الثاني أهمية تثبيت الاستقرار في سوريا خاصة جنوبي البلاد، في لقاء جمعه بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالعاصمة عمان.
ورغم أن تصريحات عاهل الأردن لا تدور حول أمر جديد، فإن مضمونها يشير إلى اطلاع عمّان على معطيات تثير مخاوفها وتستدعي دورا روسياً، لا سيما أن موسكو تمثل حليفا استراتيجي وداعما أساسيا للنظام السوري.
وفي يوليو/ تموز الماضي، كشف الملك عبد الله الثاني عن وجود تواصل بين الأردن وسوريا وروسيا، بشأن المخاطر الأمنية على حدود المملكة.
وخلال السنوات الماضية، شهد الأردن مئات محاولات التسلل والتهريب، خاصة من سوريا (شمال) والعراق (شرق) نتيجة تردي الأوضاع الأمنية في البلدين المجاورين.
وفي 17 يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلنت عمّان تغيير قواعد الاشتباك على الحدود، ووسعت العمليات إثر ارتفاع واضح في التهريب والتسلل، نتج عنها في الآونة الأخيرة مقتل ضابط وعنصر من الجيش الأردني في مواجهة مسلحة مع مهربين.
ومنذ اندلاع الأزمة في سوريا، حرص الأردن على الالتزام بموقف الحياد ما أمكن، بحكم الترابط الجغرافي والديموغرافي مع جارته الشمالية، إلا أن ذلك لم يجنبه اتهامات دمشق المستمرة بدعم ما تصفه بالإرهاب.
غير أن العلاقات شهدت تطبيعا ملحوظاً بين البلدين عام 2021، إذ جرى عقد العديد من اللقاءات رفيعة المستوى بين الجانبين.
مليشيات الحدود
قال عيسى الشلبي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الحسين بن طلال (حكومية)، إن “انسحاب القوات الروسية من جنوب سوريا، واقتصارها على أعداد قليلة من دورياتها كقوة مراقبة بسبب حربها على أوكرانيا، أدى إلى تسارع التطورات الأمنية على الحدود الشمالية للمملكة”.
وأضاف الشلبي، أن هذه التطورات “شكّلت هاجساً مقلقاً للأردن جراء تزايد عمليات التهريب والاتجار بالمخدرات والمناوشات المباشرة بين القوات المسلحة الأردنية والمليشيات وما تسببه من فوضى وعدم استقرار لعمّان”.
وتابع: “من المعلوم أن الفصائل السورية المسلحة لم يعد لها وجود فعلي على الأرض حاليا بعد أن جرى تفكيك هياكلها تنفيذاً للتسويات التي أشرفت عليها روسيا جنوبي سوريا بترحيب أردني وغض نظر أمريكي”.
وفي السياق ذاته، أردف الشلبي أن “كثيرا من عناصر الفصائل انخرطوا ضمن هياكل المليشيات الإيرانية وقوات الأسد، وما تبقى خارج هذه الأطر فهي قوات محدودة، مثل حزب اللواء في السويداء الذي لا يتعدى قوام قواته العشرات، أو قوات أحمد العودة التي تعمل تحت إشراف الروس دون أن تتجاوز مئات المقاتلين”.
واعتبر أستاذ العلاقات الدولية أن تعداد هذه القوات “لا يوازي عناصر مليشيا إيرانية واحدة من تلك التي تنتشر جنوبي سوريا”.
وزاد: “هناك خلايا ما زالت تقوم بعمليات خاطفة، لكنها لا تصلح أن تكون قوّة حارسة لمنطقة آمنة قد تمتد على مساحات واسعة في الجنوب السوري”.
تطمينات روسية
وتناول الشلبي زيارة وزير الخارجية الروسي إلى المملكة، لافتاً أنها تأتي “في إطار محاولات كسب التأييد الذي تسعى موسكو من خلالها الحصول على حلفاء لمواجهة الحلف الغربي في حرب أوكرانيا ومحاولة التأثير على موقف الأردن ليكون أكثر حيادية في هذا الموضوع”.
وأضاف: “تسعى عمّان لتفاهمات جديدة مع موسكو لجعل الحدود الشمالية مع سوريا أكثر أمناً، وهذا من أهم المواضيع باعتقادي التي تم بحثها مع لافروف”.
وذكر الأكاديمي الأردني أن “روسيا والولايات المتحدة والأردن توصلت أواخر 2017 إلى تفاهمات تنص على إبعاد المليشيات الإيرانية عن الحدود الجنوبية لسوريا مسافة 70 كلم”.
ولم يستبعد الشلبي حصول الأردن على تطمينات روسيّة “باستقرار نسبي وملموس خاصة في الجنوب السوري” لإدراك موسكو الحساسية الجيوسياسية لتلك المنطقة بالنسبة لعمان، وفق تعبيره.
قضية أردنية بامتياز
قال المحلل العسكري مأمون أبو نوار، إن “الوجود الروسي جنوبي سوريا يقتصر على بضع دوريات، وهو أمرٌ لن يؤمّن الحماية للأردن”.
وتابع: “في ظل انتشار كل مسببات القلق والخوف للأردن، سواء من تهريب وتسلل ووجود المليشيات التابعة لإيران، أعتقد أن تأمين الحماية لحدودنا هي قضية أردنية بامتياز، تتحقق بسواعد جيشنا الباسل”.
ومن وجهة نظر “استراتيجية ومصلحية”، استبعد أبو نوار أن يكون لروسيا أي موقف معادٍ لإيران، خاصة أن الأخيرة “وقفت إلى جانب موسكو في حربها مع أوكرانيا من خلال تزويدها بالمسيّرات والصواريخ الباليستية”.
وحول زيارة لافروف إلى الأردن، قال أبو نوار إن “موسكو تريد الحفاظ على حياديّة المملكة تجاه الأزمة في أوكرانيا”.
زيادة المخاطر
تشير خريطة الوجود العسكري في الجنوب السوري إلى تعدد المجموعات المسلحة وتزايد الفوضى الأمنية.
ووفق مصدر أمني مطلع من محافظة درعا (جنوب)، أصبحت الحدود الجنوبية لسوريا “مرتعاً لعدة فصائل وقوى مسلحة”.
وأضاف المصدر مفضلا عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية: “ينشط في المنطقة النظام والفصائل المرتبطة به وتنظيم داعش الإرهابي وفصائل محلية شاركت في التسوية مع النظام لكنها تحتفظ بأسلحة خفيفة، إضافة إلى قوات أحمد العودة الذي كان مدعوما من روسيا وأصبح مرتبطاً بشعبة المخابرات العسكرية التابعة للنظام”.
وأوضح المصدر لوكالة الأناضول، أن “آلاف المسلحين من المجموعات التابعة لإيران تنتشر جنوبي سوريا، ولهذا فإن تعدد الجهات المسلحة وزيادة عمليات اغتيال مدنيين وعسكريين أحدثا فوضى أمنية كبيرة في المنطقة”.
وأشار إلى أن “قوة داعش ازدادت في درعا خلال الأشهر الماضية، حيث دخلت مجموعات من التنظيم من البادية إلى المحافظة، وهذا أمر يثير مخاوف الأردن، إضافة لوجود أعداد كبيرة من المجموعات التابعة لإيران”.
ساحة للمخدرات
وذكر المصدر الأمني أن فوضى المليشيات المسلحة في المنطقة الحدودية حولت المكان إلى “ساحة لصناعة وتهريب المخدرات”.
وأضاف: “بجانب وجود تنظيم داعش والمليشيات الإيرانية، فإن حالة الانفلات الأمني حوّلت المنطقة إلى ساحة لصناعة وتهريب مادة الكبتاغون المخدرة”.
وتابع: “جهات من النظام السوري متورطة بشكل مباشر في عمليات تهريب هذه المادة إلى الأردن، أما الجهات غير المتورطة من النظام فهي غير قادرة على مكافحته”.
ولفت المصدر إلى أن “هناك على الأقل 3 مصانع للكبتاغون في درعا، وضبطت السلطات الأردنية الكثير من الشحنات المهربة سواء في معبر نصيب جابر- الحدودي، أو في الطرق الأخرى، وما يتم تهريبه أكثر من الشحنات المضبوطة”.
وأشار إلى أن “الأردن رغب في أن يكون لقوات أحمد العودة سيطرة على المنطقة لمنع تهريب المواد المخدرة، إلا أن تقييد النظام والمجموعات التابعة لإيران لهذه القوات وزيادة بؤر داعش أضعفتها بشكل كبير”.
وأوضح المصدر أن “عدم وجود طرف قوي يحكم السيطرة على المنطقة يعني استمرار حالة الانفلات الأمني وتهديد حدود الأردن”.