الانتخابات.. النــتائج وسؤال الما بعد
صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
انتهت انتخابات الكنيست لدورتها الـ 25 بوصول نسبة المصوتين في الداخل الفلسطيني إلى55% وفقًا لتقديرات أولية فيما، أفادت لجنة الانتخابات المركزية بأن نسبة التصويت العامة في انتخابات الكنيست بلغت 71.3%، في زيادة قدرها 4.1% عن نسبة التصويت في الانتخابات السابقة، وقد تجاوزت كلٌ من الجبهة-التغيير، والموحدة نسبة الحسم، بخمسة مقاعد لكل منها.
تكمن أهمية سؤال الما-بعد في السياسة العربية للداخل الفلسطيني في الصيرورة السياسية للداخل الفلسطيني، خاصة بعد أن قارب التجمع سقف الـ 3% لوحده في عملية إعلامية-سياسية مميزة تكشف عن ابعادٍ ثاوية في المجتمع الفلسطيني الشبابي، وهذه النتائج تحمل معطيات ستصب لاحقًا في جدل السياسة الانتخابية المتوقعة، ومدى إمكانية استنفادها عمليًا وتحويلها إلى قوة ناجزة خارج الكنيست، يمكن أن تُضاف إلى القوى السياسية الفاعلة خارج الكنيست، وهو ما يتطلب جرأة سياسية من أولئك الفاعلين راهنًا خارج الكنيست على مستوى الداخل الفلسطيني وما الذي يمكن أن يقدّمونه لتجويد الواقع السياسي والفعل السياسي في الداخل الفلسطيني.
سؤال الما-بعد مهم جدًا في هذه اللحظات من تاريخ شعبنا في الداخل الفلسطيني بعد أن بات واضحًا أن الليكود واليمين سيشكلون الحكومة التي ستكون يمينية بامتياز وستكون تداعياتها مباشرة على الحيوات العامة للفلسطينيين على كافــة الصُعد، سواء تعلقت بمسائل الولاء أو مسائل التطوير المديني للمدن والقرى العربية، فضلًا عن سياسات تتعلق بالتعليم وعموم العلاقة مع المجتمع الإسرائيلي الذي صوّت لليمين الإسرائيلي بتياراته المختلفة.
سؤال الما بعد في كيفية التصرف السياسي الجمعي مع حكومة يمينية متشددة من جهة وكيف يمكن خلق مصالحة داخلية -أي في الداخل الفلسطيني- مع كافة المكونات السياسية سواء تلكم التي تجاوزت نسبة الحسم أو التي لم تتجاوز أو تلكم التي عملت ودعت للمقاطعة، خاصة أننا أمام تحولات جارية وبقوة في المجتمع الإسرائيلي تتبنى سياسات يمينية وتتجه نحو مزيدٍ من التغول السياسي اتجاه قضايا كثيرة من ضمنها ما يتعلق في الداخل الفلسطيني. ومن استمع لتصريحات نتنياهو وشركائه، سينتبه إلى النغمة التهديدية من اطراف اليمين المتشدد تجاهنا كأصحاب بلاد مقابل تصريحات طمأنينة داخل المجتمع الإسرائيلي، ما يعني أننا أمام مرحلة جديدة من جدل العلاقة مع المؤسسة الإسرائيلية والنظام الحاكم فيها، وهذا يتطلب من كافة المنظومة السياسية في الداخل الفلسطيني الجلوس للعمل الجاد كمجموعة سياسية تختلف ايديولوجيًا وسياسيًا، وتتفق على الكثير المتعلق بموضوعي الوجود والثبات والاستمرار.
هذه الانتخابات كشفت مجددًا أنَّ نسبة المصوّتين في الداخل الفلسطيني تتأثر من عديد العوامل، وإن كان هذا ليس موضوعنا في هذا المقال، فقد ارتفعت نسبة المصوتين في هذه الانتخابات إلى 55% وهذا بحد ذاته مهم ويستوجب قراءة دقيقة وعميقة لهذه النتائج والخروج بتصورات عملية وإجابات سياسية لسؤال الما-بعد سواء تعلق الأمر بالمقاطعين الأيديولوجيين أو بأولئك الذين نجحوا في تجاوز الحسم.
عمليًا نحن أمام لحظة تاريخية سياسية حاسمة تتعلق بالمعطيات السياسية المتعلقة بالداخل الفلسطيني، تتطلب تفهمًا للحالة السياسية للداخل الفلسطيني التي كشفت في الأيام الأخيرة ويوم الانتخابات عن حجم السيولة السياسية من جهة وعن حجم إمكانيات التأثير على العامة، فنسبة ارتفاع المصوتين في الداخل الفلسطيني والمقدرة حتى كتابة هذه السطور بـ 9% ليست أمرًا عابرًا، وثمة حاجة للتعايش العملي والأخلاقي والسياسي مع هذه النتائج من جهة، ومع تطلعات تخدم مجتمعنا في الداخل الفلسطيني من جهة أخرى. ومن يظن أنه يملك الحقيقة السياسية في واقع سياسي داخلي مركب وفي واقع سياسي إسرائيلي شوفيني وعنصري ومتشدد يعتقد أنَّ التجمع يجب أن يكون خارج الحلقة السياسية والموحدة ذراع الإخوان المسلمين ومتعاون مع إرهابيين والحركة الإسلامية الشمالية المحظورة يجب استمرار ملاحقتها على قاعدة “حذو القذة بالقذة” ويرفض الجلوس مع الجبهة-التغيير فقد أبعد النُّجعةَ.
إن سؤال الما-بعد الحاضر الغائب في السياسة المحلية للداخل الفلسطيني وفي سياقات التفاهة السياسية والاجتماعية التي تعيشها تتضاعف أهمية هذا السؤال وتتطلب خطوات عملية، خاصةً أننا أمام منظومة سياسية إسرائيلية تكشًف بعض من معالمها في هذه الانتخابات مع بيان واضح أن تحولات جذرية حدثت وتحدث في المجتمع الإسرائيلي، وستكشف النتائج النهائية عنها وخلاصاتها أننا أمام جيل إسرائيلي أكثر تشددًا وتطرفًا في علاقاته معنا كأصحاب بلاد، ومن نافلة القول إنَّ الجيش يكون البؤرة الإحصائية الكاشفة لمثل هذه المحاججة.
ثمة حاجة لجلسة جماعية لكافة قيادات الأطر السياسية والحديث عن مستقبل الداخل الفلسطيني في ظل النتائج النهائية للانتخابات، ليس على مستوى لجنة المتابعة الجامعة للغث والسمين، بل على مستوى القيادات السياسية الفاعلة في مجتمعنا، وتتعاظم هذه الحاجة في ظل التجارب السياسية التي خاضتها القوائم العربية.