المشاركة في الكنيست الإسرائيلي.. مصلحة متوهمة لا غير
ساهر غزاوي
أيام قليلة تفصلنا عن انتخابات الكنيست الإسرائيلي الـ 25، وأمام ذلك فنحن أمام مشهد سياسي واضح المعالم، ولا يوجد أكثر منه وضوحًا في مثل هذه الأيام منذ أكثر من سبعة عقود من مشاركة فلسطينيي الداخل في لعبة الكنيست الإسرائيلي، فإن وضعية الكنيست الثابتة التي أُحبطت منه جهود أي عضو كنيست عربي أو حزب عربي وإسراف طاقاتهم في مسرح الكنيست، إن كان ذلك من خلال جهود فردية أو قوة عددية جماعية (كحالة القائمة المشتركة) أو حتى من خلال انضمام حزب إلى الائتلاف الحكومي بدعاوى التأثير من الداخل (كحالة القائمة الموحدة)، ما هي إلا معارك وهمية وانجازات تكاد تصل إلى صفر.
النتائج الصفرية هذه من عملية الانخراط في لعبة الكنيست الإسرائيلي، قد ولّدت لدى أبناء شعبنا الفلسطيني في الداخل الكثير من القناعات التي تثبت بشكل قطعي أن مفاسد الانخراط في هذه اللعبة أكثر من مصالحها، وأن تضرر المصلحة الكلية والعامة والشاملة أكثر بكثير من تحقيق المنفعة الجزئية والخاصة على الأمديْن القريب والبعيد، وتثبت بشكل لا ريب فيه أن المصلحة الحقيقية المتوخاة من الانخراط في هذه اللعبة ما هي في حقيقتها إلا (مصلحة متوهمة) لا أكثر، وهناك الكثير من القرائن والدلائل التي وضعت سابقًا أمام القرّاء في مواضع عدة تناولت هذه الجزئية بشكل مفصل ولا مجال لذكرها في هذا المقال.
بالرغم من الحقيقة في أن المصلحة المتوخاة من الانخراط في لعبة الكنيست ما هي إلا (مصلحة متوهمة) وليست (مصلحة حقيقية)، من الممكن أن تثير حفيظة أنصار المشاركة في الكنيست الإسرائيلي، ومن الممكن أيضًا أن تستفز مشاعر وأحاسيس الداعين إلى التصويت تحت شعارات دعائية ممولة من صناديق “يسار” الصهيونية الأمريكية والجاليات اليهودية الأمريكية، وممولة من صناديق عربية، مثل شعارات: “صوت لكي لا تندم” و “مش مهم لمين…المهم لازم تصوت”!! وحتى لو أن مثل هذا الشعارات أصبحت ثقافة مستهلكة لا تجدي نفعًا، بالإضافة إلى أنها مستهترة ومستهزئة بالعقول يُراد للناس من خلالها أن لا ترى الحقيقة التي أصبحت أكثر وضوحًا بالنسبة لهم في هذه المرحلة، ويُراد لهم كذلك التنازل عن قناعاتهم المترسخة عبر تجربة طويلة عمرها أكثر من 70 عامًا مفادها أن الانخراط في لعبة الكنيست ما هي إلا (مصلحة متوهمة) ومفاسدها أكثر من مصالحها، إن كان ذلك على المستوى السياسي والاجتماعي والديني أو الحضاري والتاريخي أو على مستوى تطلعات شعبنا الوطنية على طول مسيرته.
يتوافق مع حقيقة أنَّ المصلحة المتوخاة من الانخراط في لعبة الكنيست ما هي إلا (مصلحة متوهمة)، فشل (القائمة المشتركة)!! لماذا؟ لأنها قائمة لم تكن مشتركة إلا بتجميع القوائم الانتخابية العربية في قائمة واحدة بعد رفع نسبة الحسم لا غير، وبالرغم من ذلك حصلت على أعلى نسبة تصويت في المجتمع الفلسطيني منذ العام 1996، إلى أن جاء العام 2020 لترتفع النسبة إلى 65% ولتحصل (القائمة المشتركة) على 15 مقعدًا- أي أكبر قوة عددية في تاريخ مشاركة الفلسطينيين في الكنيست الإسرائيلي-، وبذلك أعطاها الجمهور الفلسطيني فرصة لكنها خذلته بهذه القوة العددية التي كان يتوخى منها أن تنتج مشروعًا سياسيًا جماعيًا وتعيد تنظيم المجتمع إلى جانب تحقيق العديد من الإنجازات لصالح المجتمع الفلسطيني في الداخل!! أيضًا فإن (القائمة المشتركة) لم تخفق في مشروعها السياسي فقط، بل أدّت إلى تدهوره، أولًا “البرلماني”، من خلال التأثير على تشكيل الحكومة في إسرائيل واسقاط اليمين كما زعمت، وثانيًا في التوقعات منها أن تكون رافعة للعمل السياسي الجماعي وتنظيم المجتمع الفلسطيني في الداخل. ما حدث كان العكس من ذلك، إذ من جهة أسهم خطاب المشتركة في منح شرعية لنهج منصور عباس لاحقًا، الذي بدوره أخذ نهج المشتركة إلى نقطة التماس من خلال استعداده للمشاركة في أي حكومة-بمعزل عن تصنيفها السياسي والايديولوجي- تحقق مطالبه المدنية العينية دون أي ربط بالقضايا السياسية. علاوة على ذلك، كانت المشتركة العامل الأساسي في تقليص العمل السياسي في الساحة البرلمانية دون أي نتائج سوى تحقيق علاقات عامة دولية وإسرائيلية، بحسب ما ذهبت إليه ورقة (تقدير موقف) التي نشرها مركز مدى الكرمل هذا الأسبوع.
هذا الإخفاق والفشل ينطبق كذلك على (القائمة الموحدة) التي أخفقت في تجربتها، رغم أنها لا تعترف بذلك ولا تزال تعلق آمالها وآمال جمهورها على تحقيق (مصلحة متوهمة) بكل معنى الكلمة، ففكرة التأثير انتهت ولم يعد الجمهور الفلسطيني يقتنيها بعد أن جرّب حكومة بينيت- لبيد وجرّب حكومة نتنياهو ووجد أنه لا فرق بين الحكومتين بما يتعلق بالموضوع الفلسطيني وحتى في موضوع الفلسطينيين في الداخل، هذا علاوة على أن الحكومة التي أوصت على أقطابها القائمة المشتركة وشاركت في ائتلافها القائمة الموحدة، كانت الأكثر يمينية ودموية وضربت أرقامًا قياسية في الانتهاكات والاعتداءات على شعبنا الفلسطيني ومقدساته وأرضه وضربت أرقامًا قياسية في انتزاع حقوقنا الجماعية والفردية، وأمام ذلك فإن هذه المرة غالبية شعبنا الفلسطيني في الداخل تولدت لديه القناعات المترسخة بأن مفسدة الانخراط في لعبة الكنيست الإسرائيلي أكثر من منفعة ومصلحة ما هي إلا (مصلحة متوهمة)، هذا الجمهور لن يسمح للشعارات الدعائية الممولة والملوثة مثل: “صوت لكي لا تندم” و “مش مهم لمين…المهم لازم تصوت” أن تستهتر بعقوله وتلعب بأحاسيسه ومشارعه هذه المرة، فإنه قد بات على قناعة أنه (سيندم إذا صوت).