توتر العلاقات الإسرائيلية الروسية.. إلى أين؟؟
ساهر غزاوي
في بداية اندلاع العملية العسكرية الكبيرة التي شنّتها روسيا ضد أوكرانيا في أواخر شهر شباط من العام الحالي، بدا الموقف الإسرائيلي أكثر تلبكًا وارتباكًا وقلقًا ولم يُحسم الموقف وقتها تخوفًا من أبعاد وارتدادات هذه الحرب على الكيان الإسرائيلي كون مستقبله الوجودي رهين للتطورات الخارجية والداخلية، وقد تحدثت عن هذا السياق تحديدًا في مقال سابق نُشر في الأسبوع الأول من اندلاع هذه الحرب بعنوان (الموقف الإسرائيلي المرتبك من الحرب الروسية الأوكرانية).
بَيْدَ أن الموقف الإسرائيلي المنحاز لأوكرانيا اليوم غدا أكثر وضوحًا، وذلك كله على حساب العلاقة التاريخية الوثيقة مع روسيا الاتحادية- الاتحاد السوفيتي سابقًا- التي سبقت الولايات المتحدة الأمريكية في الاعتراف بإسرائيل ككيان شرعي في المنطقة الذي أُسس على أنقاض الشعب الفلسطيني، وقدم الاتحاد السوفيتي الدعم الكبير من جهد ومساعدات كانت العامل الرئيسي في تثبيت هذا الكيان، بل إن الوثائق التاريخية تكشف أن الدعم العسكري السوفيتي الفعلي بدأ قبل إعلان الدولة بثلاثة شهور. هذا علاوة أن الوكالة اليهودية التي أسّست عام 1929، تنظم هجرة ذوي الأصول اليهودية إلى إسرائيل، قد بدأت نشاطها في روسيا عام 1989 قبل عامين من سقوط الاتحاد السوفياتي، وهذا يدلل على متانة العلاقة والارتباط العضوي بين إسرائيل وروسيا.
هناك من يذهب إلى أن توتر العلاقات الإسرائيلية الروسية اليوم التي تطفو على السطح، ما هي إلا امتداد لتاريخ طويل من محطات التوتر بين الطرفين، غير أن الارتباط العضوي بين إسرائيل وروسيا- كما هو بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية- كان يُسهل على الطرفين تجاوز هذه التوترات وعدم الوصول إلى نقطة يصعب العودة منها، وهذا صحيح، لكن اندلاع الأزمة الأوكرانية وفقدان إسرائيل القدرة على التوازن وضبط النفس وإعلانها عدم امكانية الوقوف على الحياد وانحيازها الواضح للجانب الأوكراني عبر تقديم الدعم السياسي والعسكري، فضلًا عن المساعدات الإمدادات الإنسانية، قد يوصل توتر العلاقات الإسرائيلية الروسية إلى نقطة يصعب العودة منها، ويسبب الخسارة الكبيرة لإسرائيل، فليس من مصلحتها أن تخسر دولة عظمى مثل روسيا لها نفوذها الدولي وقوتها العسكرية والاقتصادية، وليس من مصلحتها أن تغامر وتخاطر بالمصالح المرتبطة بروسيا في المنطقة وخاصة التنسيق مع القوات الروسية في سوريا.
في سياق هذا التوتر الذي بلغ ذروته هذه الفترة، فإن يئير لبيد، رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية يُعتبر عامل توتر رئيس في هذه الأزمة، بعكس زميله السابق نفتالي بينيت الذي كان يؤدي دور الحكيم المعتدل الذي لا يكف عن التعاطف مع أوكرانيا من دون إدانة روسيا، فيما يؤدي لبيد دور المقاتل الشرس الذي يكيل الاتهامات لروسيا بما فيها اتهامها بارتكاب جرائم حرب، هذا فضلًا أنه (لبيد) أعلن في بداية الحرب أثناء توليه منصب وزير الخارجية عن اختياره للجانب الأمريكي والغرب ضد روسيا، وهو أول مسؤول إسرائيلي يصف الحرب في أوكرانيا بأنها “جريمة حرب روسية”. وقد قوبلت هذه التصريحات بردود روسية غاضبة من لبيد شخصيًا إلى حد وصل فيه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن يعلن أنه غير راض عن تولي يائير لبيد، رئاسة الحكومة الإسرائيلية، بادّعاء أن ذلك قد يضر بالعلاقات الثنائية بين تل أبيب وموسكو، على الرغم من زيارات مكثفة لقادة إسرائيليين لموسكو كمحاولات دؤوبة لمنع التدهور أو تخفيف حدته.
ازدياد وتصاعد التوتر الإسرائيلي الروسي على خلفية حرب أوكرانيا، هذا ما يشغل الأوساط السياسية والإعلامية والأكاديمية في إسرائيل، فهناك تقارير صحافية وقراءات ودراسات أكاديمية تنشر وندوات حوارية تعقد على مدار اليوم والأسبوع التي تعكس بشكل واضح تفاقم هذا التوتر والأضرار الخطيرة- من وجهة نظر إسرائيلية- التي ستلحق بالعلاقات مع روسيا وتتوقع نشوب مواجهة حادة مع الرئيس فلاديمير بوتين بسبب تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، ممكن أن تخرج هذه المواجهة عن السيطرة.
يضاف إلى ما ذكر، فإن الزيارات المتكررة لقيادة حركة حماس لموسكو والاستقبال الروسي الرسمي لها، يعمق الأزمة والتوتر الإسرائيلي الروسي، وهذا ما تحدثت عنه صراحة باستياء وسائل إعلام إسرائيلية في أكثر من مرة، خاصة وأن “حماس” تبحث عن حشد ودعم دولي للقضية الفلسطينية وتسعى إلى تطوير علاقتاها مع روسيا كونها دولة ذات تأثير في النظام الدولي. وهذا ما يعكس إدراك “حماس” للتحولات الاستراتيجية في العالم، وأن المعسكر الغربي الذي يدعم إسرائيل بلا حدود لم يعد متفردًا، لكن هذا لا يعني أن روسيا ستقف منحازة لجانب القضية الفلسطينية إلى حد كبير.. ويبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن أن يصل هذا الخلاف والتوتر بين الطرفين؟