انتخابات الكنيست.. سياسات التخويف وحديث الغرف المغلقة
صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
يلاحظ القارئ الكريم والقارئة الكريمة أنْ لا وجود لزخم انتخابي في الشارع العربي، وأنّ جلَّ الأحداث تجري عبر صفحات التواصل وتضيع في زخم الأحداث التي تلطم شارعنا العربي، خاصة القضايا المجتمعية وفي مقدمتها قضايا العنف والقتل، بحيث تتضاءل مواضيع تتعلق بالتصويت إلى جانب مثل هذه القضية الحارقة. بل، ولا يجرؤ أحدٌ من النواب العرب والمشتغلين في السياسة باستغلال هذا الموضوع انتخابيًا لأنه باختصار سينقلب عليه، حتى أولئك الذين يزعمون أنَّهم دخلوا إلى الحظيرة لحماية الداخل الفلسطيني، لأن النتائج والأحداث تضاد ما سيقولونه. اللامبالاة في الداخل الفلسطيني من الانتخابات، ظاهرة تمَّ تحليلها وتفكيكها في أكثر من دراسة، لكن كافة تلكم الدراسات، على الأقل تلكم التي قُرئت، لم ترق إلى تحليل سسيولوجي-سياسي يتعاطى حقيقة مع الظاهرة، بقدر ما سيجد القارئ حالة من التحيز “اللحظوي” في تلكم القراءات، فضلًا عن الخُلاصات، علمًا أنَّ ظاهرة الاحتجاج والمقاطعة في ارتفاع مطّرد في الداخل الفلسطيني كما بينا في مقالات سابقة.
هذه اللامبالاة سواء كانت لأسباب أيديولوجية أو سياسات احتجاجية في جوهرها، تعبيرٌ عن موقف سياسي يستند إلى خلفيات معينة تتعلق صيروراتها بالأحداث الجارية ومفاعيلها السياسية الراهنة، وتتأثر من محيطها القريب بكل محاياثاته السياسية والمجتمعية.
سياسات التخويف..
تجتاح حالة من الخوف المشتغلين في السياسة من الإسرائيليين من النسب المُتدنية للمصوتين في الداخل الفلسطيني، ومن دون البحث عن الأسباب، تكاثرت كالفطر مقالات في الصحافة الإسرائيلية ومواقع التواصل التي تتخوف من لحظة كنيست بدون عرب وما سيحدث بعدها في ظل حكومة فاشية من تضييق وترحيل في إعادة لمرحلة الحكم العسكري، ومحاولات التهجير والإبادة في العصر البنغريوني، وهي في تصوري محاولة بائسة ويائسة تكشف حالة الإحباط التي تعتور اليسار الإسرائيلي المُنافق كما الجهاز الأمني المُتابع للشأن العربي عمومًا، والعلاقات البين سياسية الداخلية التي تداخلت في ظل القائمة الموحدة، إسرائيليًا وشكَّلت معراجًا سياسًيا كفؤًا لتحقيق اختراقات في المنطقة قاربت زعماء بعينهم كانت لهم ملاحظات ومواقف من مجمل السياسات الإسرائيلية وفي مقدمتها العلاقات مع اليمين الإسرائيلي ممثلًا بنتنياهو.
معلومٌ للمشتغلين في السياسة أن البرامج التي تطرحها الأحزاب هي الأداة التي من خلالها تعمل على اقناع المصوّت بالتصويت له. وفي عصر السيولة السياسية وسيولة الأحداث الجارية واختفاء الفوارق بين الأحزاب، تتعاظم الحاجة خاصة في مثل حالتنا نحن في الداخل الفلسطيني، لتقديم الإجابات العملية على كيفية مواجهة التحديات التي باتت تضرب بمجتمعنا، سواء كانت داخلية أو خارجية، خاصة الشعبوية السياسية التي اجتاحت المجتمع الإسرائيلي كما عديد الديموقراطيات الغربية، كالسويد وفرنسا وإيطاليا وسويسرا وألمانيا، وهذه الأحزاب جامعها المُشترك مع اليمين الإسرائيلي ممثلًا بالليكود والأحزاب المنبثقة عن التيار الديني الصهيوني، هو العداء للمشرق العربي ممثلًا بالإسلام، وكلنا نعيش ظاهرة الاسلامفوبيا التي يتولى كِبرَها الرئيس الفرنسي ماكرون، ومن له متابعات لهذه الظاهرة، يعلم حجم الدور الصهيوني فيها، وحجم الدور في تأجيج الكراهية للمسلمين في أوروبا، علمًا أن هذا اليمين الأوروبي الذي له علاقات وثيقة بالليكود وقيادات المستوطنات، ذو أصول نازية وهذه المفارقة لوحدها تحتاج إلى تفكيك لتحقيق قراءة حقيقية للصهيونية واللاسامية واستبدالها بالاسلامفوبيا. والحرب على الإسلام والراهن العربي الإسلامي المُعاش وصلة كل ما تقدم بالصليبية المعاصرة والتوجهات الدينية الثاوية في هذه السياسات.
من الصحفيين الإسرائيليين من مِثل كتبة صحيفة (هآرتس) يخوفون المصوّت العربي ويدعون إلى ضرورة التصويت للكنيست وللأحزاب العربية طبعًا، تحسبًا من وصول اليمين المتطرف ممثلًا بالثنائي سموطريتش-بن غفير المدعومين من نتنياهو شخصيًا إلى الحكم، بل ذهب أحدهم إلى أبعد من ذلك متخيلًا سيناريو حرب مع حزب الله تستغلها الحكومة المدعومة من التيار اليميني المتشدد لطرد العرب إلى مدينة “دوتان” في الضفة الغربية قرب حاجز دوتان، لتضم المئات من الآلاف، وتومئ تلكم المقالات أنَّ كثافة التصويت العربي سترفع من عدد المقاعد العربية التي ستحول دون وصول اليمين الفاشي إلى السلطة وتحقيق تلكم النبوءات.
حديث الغرف المغلقة..
هذه العملية من سياسات التخويف، يقابلها خوفٌ حقيقي من دهاقنة المُشتغلين بالسياسة والتصويت من القوائم الثلاث، وكلهم في الغرف المغلقة تجتاحهم حالة من الخوف من هبوط نسبة التصويت دون متوسط الثلاثين مما سيجعلها كلها خارج الكنيست. وهذا الخوف غير المُعلن جعل بعضهم يتحدث إمَّا صراحة أو إيماءً عن لحظة ما بعد الفشل، وأنه لن يضيره أن يكون داخل أو خارج الكنيست برسم تاريخه النضالي وكسبه السياسي المشهود له مجتمعيًا، واقعًا راهنًا وتاريخًا سالفًا، كما أن بعضهم تجتاحه حالة من الخوف الشديد من أن يكون خارج الكنيست لأنه باختصار سيتبخر سياسيًا وسينتهي دوره، اللهم إلا إذا طلب منه الأسياد دورًا جديدًا.
حتى هذه اللحظات، لم تُقدم أية قائمة عربية مترشحة للكنيست البرنامج البديل الذي سيلي لحظة كونها خارج “المعبد- الكنيست”، والبعض منهم يبدو لي أنه يرفض مجرد التفكير بهذه اللحظة التي هي في تصوري قادمة لا محالة بفعل التحولات الجارية في المجتمعين الإسرائيلي والعربي في الداخل الفلسطيني، وجدل العلاقة مع الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967. وهذا بحد ذاته يشكل مسؤولية أخلاقية على أولئك الذين طالما نظروا لهذه اللحظة. وللحديث في هذه القضية بقية.