في حلقة جديدة من برنامج “هذه شهادتي”.. الشيخ كمال خطيب يتحدث عن أزمة “انتخابات الكنيست” التي عصفت بالحركة الإسلامية وأدّت إلى تصحيح المسار
طه اغبارية، عبد الإله معلواني
كشف الشيخ كمال خطيب رئيس لجنة الحريات المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا ونائب رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليا، أنّ مسألة مشاركة الحركة الإسلامية في انتخابات الكنيست الإسرائيلي، راودت المرحوم الشيخ عبد الله نمر درويش منذ أواخر الثمانينيات وتعززت بعدها، من خلال ممارسات وإجراءات لتجيير الحركة الإسلامية لصالح هذا التوجه عبر الالتفاف على قرارات سابقة بهذا الخصوص أهمها قرار المؤتمر العام الذي عقدته الحركة يوم 26/5/1995 وحُسم فيه النقاش حول مسألة المشاركة في الكنيست بتصويت 70% من أعضاء المؤتمر ضد المشاركة.
جاء ذلك في حلقة جديدة من سلسلة حلقات برنامج “هذه شهادتي” الذي يبثُّ عبر شاشة “موطني 48″، ويستعرض فيه الإعلامي عبد الإله معلواني مع الشيخ كمال خطيب محطات وردت في كتاب سيرته الذاتية الذي صدر مؤخرا بعنوان: “نبش الذاكرة- سيرة داعية ومسيرة دعوة”.
اسم “الحركة الإسلامية” واختيار درويش رئيسا
استهلت الحلقة بسؤال حول تاريخ إطلاق اسم الحركة الإسلامية على ما كان يعرف بـ “الصحوة الإسلامية” وآلية اختيار المرحوم الشيخ عبد الله نمر درويش رئيسا للحركة حينها.
يقول الشيخ كمال خطيب: “رحم الله الشيخ عبد الله والأخوة الذين سبقونا من أبناء الصحوة وغادروا دنيانا. بداية أؤكد أن هناك فرق بين الحديث عن الحركة الإسلامية منذ 1984 وبين الحديث عن الصحوة الإسلامية قبلها، حيث إنَّ اسم “الصحوة” سبق اسم الحركة بنحو عشر سنوات. بالتالي فإن اسم “الحركة الإسلامية” انطلق عام 1984 بعد خروج المرحوم الشيخ عبد الله من السجن (اعتقل على خلفية ملف “أسرة الجهاد- المُحرر)، وتعرفي وأخوة آخرين عليه، حينها بدأ العمل المؤسسي باسم الحركة الإسلامية”.
وأضاف “أمَّا أسباب وقوع الاختيار على المرحوم الشيخ عبد الله ليكون رئيسا للحركة الإسلامية، فلأنه بطبيعة حال سبقنا كلنا في تأسيس مشروع الصحوة الإسلامية، وكان الأكبر سنا وقدرا يومها، فكان اختياره تلقائيا بدون انتخابات”.
المبنى التنظيمي
حول المبنى التنظيمي للحركة الإسلامية بعد عام 84، تابع الشيخ كمال “بعد اطلاق اسم الحركة الإسلامية على ما كان يعرف بـ “الصحوة”، استندت العملية التنظيمية الهيكلية على اجتهادات في محاولة الوصول إلى بناء تنظيمي متكامل، وكان هذا في البداية من خلال شخصيات لها حضور في الشارع الإسلامي شكّلت ما صار يعرف بـ “الإدارة”، بعد ذلك اتخذت المسألة بعدا مناطقيا، بمعنى أن كمال وكونه من الجليل فهو ممثل منطقة الجليل، والشيخ رائد ممثل منطقة المثلث الشمالي وهكذا تكونت الإدارة من ممثلي المناطق على امتداد الداخل الفلسطيني واستمر العمل بهذه الطريقة حتى عام 1995 وإفراز “مجلس الشورى””.
لماذا لم تفكر الحركة الإسلامية بعد انطلاقتها عام 1984 بالمشاركة في انتخابات الكنيست؟
الشيخ كمال خطيب: “لم تطرح هذه المسألة للنقاش على الإطلاق في البدايات، ولكن الدافع والمحفز الذي بدأ يحرك البعض هو فوز الحركة الإسلامية في عدد من السلطات المحلية سواء بالرئاسة أو بالعضوية، من بين البلدات: أم الفحم، وكفر قاسم، وكفر برا، وكفر قرع والفريديس. هذه النشوة بالفوز جعلت بعض الأصوات تتعالى بخصوص المشاركة في انتخابات الكنيست، ولكنها كانت خجولة حد التهامس فقط، والدليل أنه في انتخابات الكنيست عام 1988 لم يجر الحديث بيننا عن الموضوع. ومع ذلك كان غريبا أن المرحوم الشيخ عبد الله نمر درويش شارك في هذه الانتخابات بشكل تظاهري، إذ اجرى مقابلة صحفية وقال إنني صوتُ في مدرسة الزهراء في كفر قاسم- صوّت للحركة التقدمية التي مثلها محمد ميعاري والجنرال في الاحتياط الإسرائيلي ماتي بيلد-، وحين سُئل عن موقف أبناء الحركة عموما وخاصة في أم الفحم وكفر كنا أجاب (درويش) “من يدعو للمقاطعة فعليه أن يراجع حسابات انتمائه للحركة الإسلامية!!”.
يضيف خطيب: “كان جواب المرحوم الشيخ عبد الله مستهجنا، لأنه لم تكن هناك أصلا دعوة للمشاركة أو المقاطعة. هذا الصوت (المشاركة في الكنيست) بدأ يتعزز أكثر في انتخابات الكنيست عام 1992، عندما تبين أنَّ الشيخ عبد الله ضمّ عضوا من يافا-الأخ يوسف ريحان- ليكون عضوا في الحزب العربي الديموقراطي (حزب عبد الوهاب دراوشة)، ووجه أخوة في النقب-وهذا ما تأكدنا منه- إلى التصويت لحزب دراوشة. هذه الممارسة كانت تمثّل نقلة نوعية وهي لم تطرح أبدا على طاولة اتخاذ القرار في الحركة الإسلامية”.
دوافع ومبررات والتفاف على القرارات
حول دوافع ومبررات الشيخ عبد الله لهذه الممارسة الفردية بعيدا عن دوائر القرار في الحركة، قال خطيب “هي قناعات ذاتية كانت عند المرحوم الشيخ عبد الله، ولكن بما أننا دعوة تعمل ضمن منظومة مشروع كبير مبارك اسمه الحركة الإسلامية كان من الطبيعي أن يوضع كل شيء على الطاولة لدارسته واتخاذ قرار واضح فيه، وهذا ما لم يحصل لا في عام 1988 ولا عام 1992”.
غير أن مسألة مشاركة الحركة الإسلامية في انتخابات الكنيست، طُرحت على دوائر القرار- للمرة الأولى- داخل الحركة في شهر 12 عام 1994.
يقول الشيخ كمال بهذا الخصوص: “كما أسلفت وفي ظل تحول التيار الإسلامي لتيار جارف في الداخل والفوز بانتخابات السلطات المحلية في عدة بلدات، هذا الأمر جعل المرحوم الشيخ عبد الله وآخرين من المتحمسين للمشاركة في الكنيست، إلى المبادرة لطرح الموضوع على طاولة القرار في الحركة الإسلامية، وبالفعل طرح الأمر في شهر 12 عام 1994، وتقرر تكليف لجنة بإعداد دراسة عن الانتخابات. وتمّ بتاريخ 28/1/1995 عقد المؤتمر الأول للحركة الإسلامية في كفر برا- الذي تشكّل للبت في المسألة- وكانت النتيجة 35 مقابل 35، وامتناع أحد الأخوة وتغيب الشيخ رائد صلاح والشيخ جمعة القصاصي والمرحوم تيسير المصري بسبب السفر خارج البلاد”.
وتابع خطيب: “الغريب أنه بعد المؤتمر الأول بأيام قليلة، تمّ إعادة الطلب لعقد مؤتمر ثان، وكانت المفاجأة أن يتم الإصرار على ضم كل رؤساء السلطات المحلية وأعضاء السلطات المحلية من أبناء الحركة الإسلامية إلى المؤتمر، فبعد أن كان عدد أعضاء المؤتمر الأول 74 شخصا، أصبح عددهم 135 بضم رؤساء وأعضاء السلطات المحلية. وعُقد المؤتمر الثاني للحركة الإسلامية يوم 26/5/ 1995، وكانت النتيجة على عكس ما أراد الشيخ عبد الله ومن معه، حيث صوّت 70% من أعضاء المؤتمر ضد المشاركة في الانتخابات مقابل 30% مع”.
بعد المؤتمر الثاني- يضيف خطيب- خرج المرحوم الشيخ عبد الله نمر درويش إلى الإعلام وأجرى مقابلات صحفية أكد خلالها على احترام القرار وأنه يمثل الجميع، رغم إعلان البعض أنهم لن يحترموا القرار، كان من بينهم الشيخ إبراهيم عبد الله صرصور.
هل التزم درويش بما أعلنه بعد المؤتمر؟
يقول الشيخ كمال: “لم يلتزم المرحوم الشيخ عبد الله بما أعلنه هو بعد المؤتمر الثاني، وهذا لم يكن من خلال ممارسة مباشرة، ولكن ما حصل لاحقا كشف عدم التزامه، حيث كان ينتظر الفرصة المواتية للعودة عن القرار، وجاءته الفرصة بعد مقتل اسحق رابين وتقديم الانتخابات ليوم 29/5/1996. بعد أن تولى شمعون بيرس رئاسة الحكومة الانتقالية قبيل الانتخابات قام بإغلاق لجنة الإغاثة الإنسانية التي كان يرأسها الدكتور سليمان أحمد واتبعها باعتقال الدكتور سليمان، وهنا كانت المفاجأة بالدعوة لإعادة النظر في ملف الانتخابات”.
أكمل “استغل الشيخ عبد الله ما حدث من اغلاق للجنة الإغاثة واعتقال الدكتور سليمان، وقال بوضوح “نريد معاقبة حزب العمل على اغلاق لجنة الاغاثة”. عقدنا جلسة طارئة بعد اغلاق الإغاثة واعتقال الدكتور، قال فيها الشيخ عبد الله- وأشهد الله على ذلك- “نريد أن نعلن أننا سندرس مرة أخرى مسألة مشاركتنا في انتخابات الكنيست، بدنا نعمل ” trick” (حيلة) حتى نحرجه بسبب ما قام به بيرس من اغلاق للإغاثة”، وتبين في الحقيقة- الكلام للشيخ كمال- أن الـ ” trick” كان علينا نحن، لأنه بعد هذا الاجتماع بأيام اتصل بي صحفي اسمه “يوسف الغازي” من صحيفة “هآرتس” وقال لي إن “احمد الطيبي أخبره أن الحركة الإسلامية قررت خوض انتخابات الكنيست معه”.. بعدها تم عقد مجلس الشورى لاستيضاح الأمر، وفي الاجتماع بدأت تظهر ملامح عدم الثقة، ولأننا كنا بين فتنة أو محاولة الحفاظ على هذا البيت (الحركة الإسلامية) تقرر عقد المؤتمر العام، ولكن هذه المرة بتركيبة جديدة من 96 شخصا”.
وفي سؤال حول “التخبط” التنظيمي ومحاولة الالتفاف على القرارات من قبل الشيخ عبد الله، أجاب خطيب “غلب علينا الاحترام الكبير للمرحوم الشيخ عبد الله، وقلنا إن الأيام كفيلة بإصلاح ما يظهر من أمور لأن قناعاتنا كانت انه لا بد من الحفاظ على هذا البيت”.
وعقد المؤتمر الثالث يوم 25/3/1996 وضم 96 عضوا وقد وافقنا على ذلك- يقول خطيب- حرصا على بيت الحركة الإسلامية، رغم اتهام إبراهيم عبد للشيخ رائد بأنه يأتمر بأوامر خارجية ورمينا بألفاظ حادة انا والشيخ رائد من قبل عبد الحكيم سمارة خلال المؤتمر، رغم كل ذلك وما تبين لاحقا من حقائق كانت النتيجة في المؤتمر أن 49 مع المشاركة في الكنيست مقابل 47 ضد. قررنا الالتزام بالقرار، غير أنه بعد المؤتمر جاءني أخوة مسؤولين في الحركة الإسلامية من عدة بلدات وقالوا إنه قبل انعقاد المؤتمر قيل لهم إن الشيخ رائد والشيخ كمال يعملان بتوجيهات من حركة حماسّ، وأن هذا الكلام جعلهم يصوتون لصالح المشاركة في الكنيست بعكس رغبتهم. بناء على هذا الكلام وهذه الاتهامات وغيرها من الممارسات، عدنا وطالبنا بعقد المؤتمر من جديد، ولكن قوبلت توجهاتنا بالرفض، حينها أصدرت أنا والشيخ رائد بيانا بعدم الالتزام بقرار المؤتمر وعدم المشاركة في انتخابات الكنيست، علما أننا بقينا داخل الحركة لمدة سنة ولم يتم الإعلان عن جسم جديد إلا في العام 1997 من خلال بيان “نداء الحق””.