بعد 87 يوما.. أمهات معتقلين لدى السلطة في الضفة يضربن عن الطعام ويطالبن بالعدالة
رغم التعب الشديد الذي كان واضحا عليها بسبب إضرابها عن الطعام لأكثر من 13 يوما ظهرت والدة المعتقل لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية أحمد نوح هريش أمام مقر الصليب الأحمر الدولي في مدينة البيرة بالضفة الغربية، للتذكير بقضية ابنها المعتقل منذ 86 يوما دون تقديم لائحة اتهام واضحة بحقه.
الوالدة مُكرّم قرط (58 عاما) انفجرت باكية عندما تحدثت عن ابنها، وقالت إنها وجدته بوضع صعب للغاية حين زارته في سجن أريحا.
واعتقل أحمد مع آخرين في 7 يونيو/حزيران الفائت على خلفية حريق منجرة في منطقة بيتونيا غربي رام الله، وتداول نشطاء مقربون من الأجهزة الأمنية في ما بعد أنه موقع كانت تديره خلية تابعة لحركة حماس وكانت تنوي تنفيذ عمليات ضد أهداف للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
وبعد أيام أطلق سراح عدد من عناصر “الخلية” وبقي أحمد و5 آخرون، كما اعتقل اثنان ليرتفع العدد إلى 8 معتقلين.
وخلال الأيام الأولى من الاعتقال تعرض أحمد وعدد من المعتقلين لتعذيب شديد، بحسب ما نقلته عائلاتهم والمحامون، ومنعوا من زيارة المحامي أو العائلة لفترة تعدت الشهرين.
واستغلت عائلة هريش وعائلات بقية المعتقلين التجمع الأسبوعي المنظم من قبل مؤسسات الأسرى أمام مقر الصليب الأحمر (الثلاثاء من كل أسبوع) للذهاب هناك والإعلان عن التحاق كل عائلات المعتقلين بالإضراب عن الطعام مع والدة أحمد واثنين آخرين احتجاجا على مواصلة اعتقال أبنائها.
وقالت والدة أحمد، “لم يعد بأيدينا شيء سوى الإضراب عن الطعام، فقد ناشدنا وطالبنا كثيرا دون جدوى”.
وتعيش هذه العائلات معاناة كبيرة، فمن جهة تقول إن الأجهزة الأمنية تحتجز أبناءها في سجن أريحا المتعارف عليه من قبل الفلسطينيين بالمسلخ جراء تعرض معظم المعتقلين فيه للتعذيب الشديد.
ومن جهة أخرى، لم تقدم بحقهم -وأغلبيتهم أسرى محررون من سجون الاحتلال- أي تهم محددة حتى الآن.
وبالنسبة لعائلة أحمد فقد كانت المعاناة مركبة، وهو الذي رزق خلال وجوده في الاعتقال بابنه البكر كرم دون أن يكون إلى جانب زوجته، وتقول والدته “حاولنا أن نضغط للسماح له بالوجود بالمستشفى حتى لو كان مكبلا برفقة حرس من رجال الأمن، لكن دون جدوى”.
ولم يسمح لعائلة أحمد وباقي العائلات بزيارة أبنائها إلا بعد أكثر من شهرين على اعتقالهم، في زيارة لم تتجاوز مدتها 15 دقيقة وبوجود عناصر الأجهزة الأمنية.
وبعد هذه الزيارة قررت والدة أحمد ألا تعود لزيارته مرة أخرى، وقالت “لم أتخيل أن أرى ابني على هذه الحالة، كان منهكا مكسورا والدموع محبوسة في عينيه، ولم يتمكن من الحديث كعادته”.
ورغم ما يتم تداوله عبر مواقع التواصل عن تهمة المعتقلين فإن أيا من هذه التهم لم يتم إدراجها في لائحة اتهام، ولم تقدم الأجهزة الأمنية أي بيان عن سبب اعتقالهم أو التهم التي تم التحقيق معهم بشأنها.
وتقول والدة أحمد إن ابنها معتقل إداري بلا تهمة، ولكن في سجون السلطة هذه المرة، حسب قولها.
معاناة مضاعفة
وبجوار والدة أحمد كانت تجلس ثروة محمد والدة المعتقلين جهاد وسعد ساري وهدان.
لم تتمكن الوالدة من الوقوف بسبب إضرابها عن الطعام، وهي التي أعياها غيابهما في سجون الاحتلال لـ8 أعوام سابقا وأورثتها السكري والضغط، وقالت إن جهاد (40 عاما) أفرج عنه العام الفائت فقط من سجون الاحتلال.
وانضمت والدة جهاد وسعد (68 عاما) للإضراب عن الطعام رغم تقدمها في السن وتعبها، فهي كغيرها لم تجد ما تساند به ابنيها سوى الجوع.
وتروي الوالدة عن زيارتها الأولى لهما في سجن أريحا قائلة “عندما رأيتهما شعرت بخوف كبير، بدا التعب والإنهاك عليهما، وتساءلت: ما الذي تعرضا له وهما محتجزان في زنازين منذ اعتقالهما؟”.
ولا تعلم العائلة الكثير عن وضعهما، وفي المرتين التي سمح لها بالزيارة لم تتمكن من سؤالهما عما إذا تعرضا للتعذيب أو لا بسبب وجود عناصر الأمن حولهما، والمحامي لا يسمح له بالزيارة بشكل دائم ولم تُقدم ضدهما لوائح اتهام بعد.
من جهتها، انضمت عائلة المعتقل منذر رحيم -وهو صاحب المنجرة التي جرى فيها الحريق- للإضراب أيضا، ولكن ليس من خلال والدته وإنما شقيقته نداء، فالوالدة مسنة ولا تقوى على مثل هذه الخطوة.
وتقول نداء “نريد أن نقول كفى لهذا الاعتقال الظالم، فإلى متى سيبقى أبناؤنا في المعتقلات بلا أي تحرك من منظمات حقوقية للإفراج عنهم”.
وقالت نداء إن شقيقها البالغ من العمر 54 عاما غير قادر على تحمل ظروف الاعتقال التي كانت بادية عليه خلال الزيارة الوحيدة له، وكان باديا أن ظروف اعتقاله صعبة إلا أنه لم يتمكن من الحديث بحرية بسبب وجود عناصر الأمن في غرفة الزيارة التي لم تتجاوز مدتها 15 دقيقة.
وتابعت “لم يشفع تقدمه بالسن بقبول طلبات إخلاء السبيل التي تقدم بها المحامي، ولا يزال في زنازين سجن أريحا دون لائحة اتهام”.
وجاءت خطوة إعلان الأمهات وعائلات المعتقلين الإضراب عن الطعام لتضاف إلى خطوات سابقة للمطالبة بالإفراج عنهم، وفي حال محاكمتهم سيتم نقلهم إلى رام الله لتتمكن العائلات من زيارتهم.
ضمانات المحاكمة العادلة
وتحدث المحامي مهند كراجة -وهو عضو فريق الدفاع عن المعتقلين الثمانية من “جمعية محامون من أجل العدالة”- عن أسباب القلق الذي تعيشه هذه العائلات في ظل عرقلة فريق المحامين من زيارة أبنائها أو الوجود معهم بشكل منفرد كما ينص القانون.
وقال “بعد مطالبات رسمية وقانونية عديدة سمح لنا قبل أيام بالاطلاع على الملف، ولكن منعنا من تدوين أي ملاحظات أو تصوير الملف لمتابعته، وهو إجراء غير قانوني ويمس بضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليه بالقوانين الفلسطينية والاتفاقيات الدولية التي وقعتها فلسطين”.
وبحسب كراجة، فإن هذا التشدد من قبل الأجهزة الأمنية في التعامل مع هذه القضية هو ما خلق حالة تخوف وقلق كبير لدى العائلات.
بدوره، وصف خليل عساف -وهو عضو لجنة الحريات إحدى لجان المصالحة التي تشكلت لمتابعة قضايا الاعتقالات السياسية على خلفية الانقسام- الخطوة التي لجأت إليها أمهات المعتقلين بأنها مدعاة للمراجعة من قبل الأجهزة الأمنية، معتبرا أنه من المعيب أن تضطر هؤلاء الأمهات لهذه الخطوة في حين أنها أداة للأسرى الفلسطينيين لمواجهة السجان الإسرائيلي.
وتابع عساف “السلطة تدعي أنها دولة قانون، ومع ذلك تمارس الاعتقال التعسفي بطريقة غير قانونية ودون تقديم المعتقلين للمحاكمة”.
واعتبر عساف أن هذا الإضراب سيسلط الضوء أكثر على هذه القضية، وصولا إلى الإفراج الفوري عن المعتقلين ووقف معاناة أمهاتهم، ووقف محاولة تلفيق التهم لهم وإنكار كونهم معتقلين سياسيين.