علاقات المغرب وتونس.. صفاء سنوات تعكره 3 بيانات
– العلاقات بينهما توترت قبل أيام إثر استقبال الرئيس التونسي لزعيم جبهة البوليساريو
– المغرب استدعى سفيره لدى تونس للتشاور، معتبرا ما حدث “عمل خطير وغير مسبوق”
– تونس جددت موقفها الثابت بالحفاظ على الحياد التام بقضية الصحراء والتزام الشرعية الدولية
تميزت العلاقات المغربية التونسية بالاستقرار رغم أنها لم ترق إلى تطوير التبادل التجاري، لكنها استحالت إلى “توتر” بدأت أولى حلقاته في 26 أغسطس/ آب الجاري.
في ذلك اليوم، استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد زعيم جبهة “البوليساريو” إبراهيم غالي، على هامش مشاركته بالدورة الثالثة لمنتدى التعاون الاقتصادي الإفريقي الياباني.
ومنذ عقود، يتنافس المغرب و”البوليساريو” بشأن السيادة على إقليم الصحراء، وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا في الإقليم تحت سيادتها، بينما تدعو الجبهة إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
سحب السفيرين
في 26 أغسطس الجاري، أعلنت الرئاسة التونسية في بيان، أن الرئيس سعيد استقبل زعيم “البوليساريو”، وبثت القناة الرسمية مراسم الاستقبال الرسمي، في خطوة لم يسبق لتونس أن أقدمت على مثلها، كونها بلد عادةً ما يلتزم الحياد في ملف الصحراء.
واحتجاجا على هذا الاستقبال الأول من نوعه، استدعى المغرب في اليوم نفسه سفيره لدى تونس حسن طارق، للتشاور، معتبرا ما حدث “عمل خطير وغير مسبوق”.
وقالت الخارجية المغربية في بيان، إن الاستقبال “يجرح بشدة مشاعر الشعب المغربي وقواه الحية”، معلنةً عدم المشاركة في المنتدى الذي استضافته تونس في 27 و28 أغسطس.
وفي اليوم التالي، ردت تونس بالمثل، إذ استدعت سفيرها لدى المغرب محمد بن عياد للتشاور.
وأعربت الخارجية التونسية في بيان، عن “استغرابها الشديد مما ورد في بيان المملكة المغربية من تحامل غير مقبول على الجمهورية التونسية، ومغالطات بشأن مشاركة (البوليساريو) في القمة”.
وأضافت الوزارة أن تونس “حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء التزاما بالشرعية الدولية، وهو موقف ثابت لن يتغير إلى أن تجد الأطراف المعنية حلا سلميا يرتضيه الجميع”.
لكن الخارجية المغربية رأت عبر بيان في 27 أغسطس، أن البيان التونسي حول استضافة زعيم البوليساريو “لم يُزل الغموض الذي يكتنف الموقف التونسي، بل ساهم في تعميقه”.
كما اعتبرت أن البيان التونسي “ينطوي على العديد من التأويلات والمغالطات”، وفق وكالة الأنباء المغربية الرسمية.
العلاقات الدبلوماسية
عند انتخاب قيس سعيد رئيسا لتونس في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ظهر للوهلة الأولى وجود رغبة لتطوير العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، عقب رسائل تبادلها قائدا البلدين.
وفي رسالة وجهها إلى سعيد عند انتخابه، أعلن العاهل المغربي محمد السادس عن عزم قوي على العمل سويا مع الرئيس التونسي لتعزيز علاقات التعاون المتميزة القائمة بين البلدين.
وأكد الرغبة في “الارتقاء بعلاقات التعاون إلى مستوى الروابط الأخوية المتينة التي تجمع شعبينا الشقيقين، بما يستجيب لتطلعاتهما إلى المزيد من التضامن والتكامل والتنمية المشتركة”.
وبتكليف من العاهل المغربي، حضر حفل تنصيب الرئيس التونسي في 24 أكتوبر 2019، وفد مغربي رفيع المستوى يتكون من رئيسي مجلسي النواب والمستشارين (غرفتي البرلمان) آنذاك الحبيب المالكي وحكيم بنشماس.
وإثر استقباله الوفد المغربي في قصر قرطاج، أعرب الرئيس التونسي في بيان عن “استعداد تونس الدائم لمزيد تعزيز علاقاتها مع المغرب من خلال إيجاد صيغ وتصورات جديدة للتعاون في كافة المجالات لمواجهة مختلف التحديات وتجسيم تطلعات الشعبين الشقيقين نحو مزيد من التعاون والتكامل والتضامن”.
ولم يتبادل الملك محمد السادس والرئيس قيس سعيد زيارات، وتعود آخر زيارة قام بها العاهل المغربي لتونس إلى 30 مايو/ أيار 2014 في عهد الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي (2011 – 2014).
وامتدت هذه الزيارة لثلاثة أيام وشهدت توقيع 23 اتفاقية، وظهر العاهل المغربي خلالها يسير منفردا في شارع الحبيب بورقيبة وفي ساحات وأسواق بالعاصمة تونس.
بينما تعود آخر زيارة لرئيس تونسي للمغرب إلى فبراير/ شباط 2012، أجراها المرزوقي، وكانت أول محطة في جولة إقليمية قام بها بهدف “إعطاء دفعة جديدة لاتحاد المغرب العربي” المتعثر منذ إنشائه عام 1989.
وقبل زيارة المرزوقي، كانت آخر زيارة لرئيس تونسي إلى المغرب في مارس/ آذار 1999، وقام بها الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي (1987-2011) في عهد العاهل المغربي آنذاك الحسن الثاني (1961-1999).
التعاون الاقتصادي
بالرغم من أن العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وتونس لم تَشُبها شائبة على مدار سنوات طويلة، إلا أن العلاقات الاقتصادية ظلت هزيلة.
وبحسب إحصاءات مكتب الصرف المغربي حول التجارة الخارجية لسنة 2021، فإن واردات المغرب من تونس بلغت قيمتها 2.28 مليار درهم (215.7 مليون دولار)، مقابل صادرات لم تتجاوز 1.3 مليار درهم (123 مليون دولار).
وبهذا فإن تونس هي المستفيد الأكبر من علاقاتها التجارية مع المغرب.
ومن أبرز واردات المغرب من تونس التمور، ففي 2019 صَّدرت تونس إلى المغرب 33 ألف طن كأكبر مستورد للتمور التونسية، وبنسبة 13 بالمئة من إجمالي صادرات تونس من التمور.
مقابل سنوات طويلة من الاستقرار والعلاقات الدافئة، بدأ توتر بين البلدين قبل أيام واقتصر حتى الآن على ثلاثة بيانات فقط، مما يثير تساؤلا بشأن إن كان الأمر يتعلق بأزمة حقيقية بينهما أم أنها مجرد سحابة صيف عابرة.