كنيسة الشهيد المجيد شاهدة على الحقبة البيزنطية في فلسطين
تحتضن قرية دير أبان التاريخية والتي تقع الى الجنوب الغربي من مدينة القدس المحتلة كنيسة مهمة تعود إلى ما قبل أكثر من 1500 سنة تقريبا، ويطلق عليها اسم كنيسة “الشهيد المجيد”.
وتشير كل الشواهد التاريخية إلى أهمية هذه القرية المهجرة منذ عام 1948م والكنيسة التي تحتضنها والتي تعود إلى الحقبة البيزنطية لما فيها من لقى ورسومات وزخارف فسيفسائية تؤكد على ثقافة الشعب الفلسطيني.
وعلى الرغم من عدم كشف اسم “الشهيد المجيد” إلا أنه كان شخصية مهمة وكان الحجاج المسيحيون يقصدون هذه الكنيسة باستمرار في طريقهم إلى كنيسة المهد في بيت لحم.
وأوضح الدكتور محمد غياظة، مدير تطوير المتاحف في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، ومدير آثار بيت لحم والخليل سابقا، أن الكنيسة تقع في أراضي قرية دير أبان التي يطلق عليها الاحتلال اسم “بيت شيمش” وهي تبعد عن مدينة القدس المحتلة 27 كيلومترا.
وقال غياظة، “إن مساحة الكنيسة تبلغ 12 دونما وتقع وسط مجمع معماري واسع النطاق، وتمت هندستها على شكل كاتدرائية، وتتكون من صحن الكنيسة وأروقة المدخل الموجود تحت أرضية الكنيسة”.
وأضاف: “تنقسم الكنيسة عبر أعمدتها المتوازية على الجانبين إلى ثلاثة محاور وهي: باحة مركزية وممرات على الجانبين؛ وفناء واسع أو ردهة أمام الكنيسة، حيث تم العثور على النقوش؛ والعديد من الممرات الصغيرة للصلاة والعبادة على جانبها”.
وأشار إلى أن ما يميز الكنيسة هو السراديب الأرضية، حيث إن لها مدخلين من تحت الأرض، وحوض تعميد على شكل صليب.
وقال غياظة: “تؤدي مجموعتان منفصلتان من السلالم في الكنيسة إلى سرداب، ما يسمح لمجموعات كبيرة من الحجاج بزيارتها في نفس الوقت”.
وأوضح أن الكنيسة بنيت في عهد الإمبراطور جاستنيان ثم فيما بعد زاد عليها الإمبراطور تيبيريوس الثاني الذي حكم الإمبراطورية البيزنطية بين عامي 578 و582 م.
وأشار إلى أنه يوجد لوحة تأسيسية للكنسية نقش عليها اسمها باللغة اليونانية كنيسة الشهيد المجيد دون ذكر اسمه وتذكر الأعمال التي قام بتفصيلاتها الإمبراطور تيبيريوس الثاني.
وعن سبب تسمية الكنيسة بهذا الاسم “كنيسة الشهيد المجيد” قال غياظة: “سميت بهذا الاسم (كنيسة الشهيد المجيد) لأن هناك إشارة إلى أنه يوجد هناك هيكل جثمان أسفل الأرض لشخص مهم ولكن لم يذكر اسم هذا الشخص، ولذلك أطلقوا عليه الشهيد المجيد”.
وأوضح أن أرضيات الكنيسة مليئة بالزخارف الهندسية والفسيفسائية وأشكال النباتات والفواكه والطيور، وأن بعض الجدران موجود عليها رسومات من الفريسكو.
ومن جهتها أكدت الباحثة في التاريخ والآثار نريمان خلة أنه تم الكشف عن هذه الكنيسة في العام 2019م، عن طريق التنقيبات التي قامت بها دولة الاحتلال في تلك المنطقة والتي استمرت 3 سنوات متواصلة.
وشددت خلة في حديثها، على أن أهمية هذه الكنيسة تكمن في كونها واقعة على الطريق التجاري الرئيس وهو موقع استراتيجي، والذي يربط ما بين مدينة القدس والساحل الفلسطيني وهي تقع الى الشمال الشرقي من قرية بيت جبريل.
وقالت: “تعود كنيسة الشهيد المجيد الى ما قبل نحو 1500 سنة حيث كانت مقصدًا للحجاج المسيحيين الذين يقومون بزيارة كنيسة المهد في بيت لحم واخذت شهرة كبيرة في تلك الحقبة”.
وأضافت أن “المكتشفات والنقوش التي وجدت في الكنيسة لم تذكر شيئا عن الشهيد المقصود، ولكن بالنسبة لأسلافنا، شكّل هذا الشهيد حتى وإن كان مجهول الهوية رمزا”.
وتابعت: “أظهرت الحفريات التي نفذتها سلطة آثار الاحتلال في الموقع أرضيات فسيفسائية جميلة جدًا، وسرداب حفظت فيه آثار الشهيد المجيد المجهول، دون ذكر إسمه ليبقى مجهول الهوية إلى يومنا هذا”.
وأوضحت الباحثة في التاريخ والآثار أن النقوش في الكنيسة كشفت أنها سميت باسم كنيسة الشهيد المجيد، على إسم الشخصية التي كرست حياتها من أجل الكنيسة والتي ما زالت هويتها غامضة.
وأشارت إلى أنه يوجد في مصر كنيسة “الشهيد العظيم مارجرجس” والذي ولد عام 280م في كبادوكية بآسيا الصغرى، منوهة إلى أنه قد يكون هناك ربط بين الشخصين في التسمية.
وأوضحت أنه تم العثور على مئات من السرج، واللقى الأثرية خلال أعمال التنقيب التي استمرت لمدة ثلاث سنوات متواصلة.
وقالت خلة: “ظهر في أحد النقوش اليونانية، إسم الإمبراطور الروماني الشرقي تيبيريوس الثاني لتمويله توسعة في الكنيسة، الذي حكم الإمبراطورية البيزنطية بين عامي 578 و 582 م، أي بعد نحو قرنين من الانقسام بين بيزنطة وروما، وبعد قرن من انهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية، وأفولها إلى الأبد”.
وأضافت: “يظهر في هيكل الكنيسة قاعة رئيسية مركزية محاطة بعمودين من المرمر، إضافة إلى الأرضيات الفسيفسائية الرائعة، المستوحاة من الطبيعة مثل أوراق الشجر والزهور والطيور النابضة بالحياة، بما في ذلك نسر مجنح رمزا للإمبراطورية البيزنطية”.
وتابعت: “يبدو أن الفنان الذي أنجز لوحة النسر، لم يلتزم بالصورة التقليدية للنسر رمز الإمبراطورية البيزنطية، فجاء نسره، رسما لطير وديع بجناحي نسر”.
وأوضحت الباحثة في التاريخ والآثار أن مدينة طبريا وسط فلسطين ذكرت في أحد النقوش المهمة، وأن الإمبراطورية البيزنطية مولت الكنائس في فلسطين، بحسب النقوش التي عثر عليها في الكنيسة.
ومن جهته أكد الكاتب والصحفي إياد حمدان على أهمية تسليط الضوء على هكذا مواقع كونها تقع تحت السيطرة الإسرائيلية وابرازها.
وقال حمدان وهو أكاديمي واستاذ الصحافة في الجامعات الفلسطينية، “إن الكشف عن كنيسة الشهيد المجيد وكذلك القصور التي ظهرت في منطقة النقب جنوب فلسطين وغيرها من الآثار التي لم تكشف تدلل على أن هذه الأرض كانت تحتض كنوز مهمة للمسلمين والعرب”.
وأضاف: “يحاول الاحتلال في هكذا مكتشفات إبراز ما يتواءم مع روايته التوراتية الكاذبة لإثبات حقهم في هذه الأرض واخفاء كل ما هو غير يهودي أو الإشارة إليه بشكل سطحي”.
ودعا حمدان خبراء التاريخ والآثار والباحثين ووزارة السياحة والاثار الفلسطينية إلى ضرورة معرفة المزيد عن أي موقع يتم الكشف عنه حديثا من قبل سلطات الاحتلال ومطابقته بالمواقع المكتشفة من أجل اثبات عروبة وإسلامية هذه الأرض التي يحاول الاحتلال اخفائها بكل الطرق والسوائل.
وشدد أستاذ الصحافة على أن هذه الأمور تشير إلى معركة خفية تدور بين الاحتلال وبين الفلسطينيين على الرواية والتي يحاول الاحتلال تعويض نقصه فيها وإثبات أنه هو صاحب هذه الأرض من خلال ما يملك من معلومات على الأرض.
وأشار إلى أن الأمر يحتاج للمغامرة من قبل الخبراء والباحثين وربما الصحفيين لكشف حقيقة هذه المواقع، مستدركا: “بالقول لكن هذه الأرض تستحق القتال من أجلها حتى نثبت للعالم أنها حق لنا وأن الاحتلال مهما طال فهو إلى زوال”.
وأضاف: “هذا ليس الاحتلال الأول الذي يستوطن هذه الأرض وسبقه الكثير من المستعمرين الذين قضوا عشرات السنين ثم غادروا تاركين هذه الأرض، لكن خطورة هذا الاحتلال أنه احتلال استيطاني استئصالي يحاول سرقة كل شيء حتى التاريخ والآثار والعادات والتقاليد حتى المأكولات والطبخات، لأنه لا تاريخ ولا ماضي له ممكن أن يسوقه للعالم لإثبات روايته الكاذبة المضللة”.