أزمة العراق مستمرة.. اتهامات ورفض للتدخلات الإقليمية
جدد التيار الصدري في العراق اتهامه لخصومه السياسيين بإقامة علاقات مع دول إقليمية وتنفيذ عمليات قتل، في وقت أعرب فيه خطيب صلاة الجمعة التابع للصدريين رفضه للحوار مع تلك القوى.
وقال وزير الصدر في تدوينة على فيسبوك إن خصومه “أقرب للأجندات الخارجية الشرقية أو الغربية”، متهما إياهم بالذهاب للسعودية وإقامة علاقة صداقة مع قطر و”أتباع من جالس الإماراتيين” بعد أن كانوا يتهمون الصدر بهذه الاتهامات.
وأضاف وزير الصدر أن هؤلاء “لا سياسة لهم إلا القتل والحكم”، مهددا إياهم بأنه لا يزال يمتلك “الكارت الأحمر” من أجل إزاحتهم عن طريقه.
— وزير القائد – صالح محمد العراقي (@salih_m_iraqi) August 18, 2022
وارتفع مستوى التصعيد بين التيار الصدري والإطار التنسيقي منذ أواخر حزيران/ يوليو، مع تبادل الطرفين الضغط في الشارع وفي التصريحات، من دون أن تتطور الأمور إلى عنف.
ويطالب التيار الصدري بحلّ البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، فيما يريد الإطار التنسيقي إجراء هذه الانتخابات لكن بشروط، مطالبا بتشكيل حكومة قبل إجراء انتخابات مبكرة.
ومنذ 12 آب/ أغسطس، يقيم مناصرو الإطار التنسيقي كذلك اعتصاما على طريق يؤدي إلى المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد.
وعقد قادة الكتل السياسية العراقية الأربعاء في قصر الحكومة اجتماعا دعوا فيه التيار الصدري، الذي غاب عن الجلسة، إلى “الانخراط في الحوار الوطني”.
وكان الصدر أكد رفضه لمخرجات الحوار وفق بيان صدر عن مقرب منه الخميس، اعتبر فيه أن “جلسة الحوار لم تسفر إلا عن بعض النقاط التي لا تسمن ولا تغني من جوع”، متعهدا مواصلة “الثورة”.
وشارك قياديون في الإطار التنسيقي، لا سيما رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ورئيس كتلة الفتح هادي العامري، في هذا الحوار الذي حضره رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان، ومبعوثة الأمم المتحدة جنين بلاسخارت.
وبعد أقل من 24 ساعة على عقد الاجتماع أجرى زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، أحد قادة الإطار التنسيقي، زيارة إلى السعودية التقى خلالها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
زيارة الحكيم للسعودية
وزار زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم السعودية في زيارة لم يعلن عنها سابقا، حيث استقبله في جدة الأربعاء، مسؤولون كبار، وذلك في ظل وضع سياسي متأزم يشهده العراق نتيجة عدم التمكن من تشكيل الحكومة بعد الانتخابات التي أجريت في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
زيارة الحكيم إلى السعودية جاءت بعد ساعات من جلسة الحوار الوطني التي دعا إليها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وحضرها جميع قادة الكتل السياسية في العراق، وممثلة الأمم المتحدة جينين بلاسخارت، وغاب عنها التيار الصدري، الذي وصفه بأنه “لا يغني ولا يسمن من جوع”.
مواقع محلية عراقية أفادت، الخميس، بأن زيارة الحكيم جاءت برغبة من قوى “الإطار التنسيقي” الشيعي الذي ينتمي إليه الأخير في دخول المملكة العربية السعودية كوسيط بينها وبين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، للخروج من الأزمة السياسية الحالية.
مع تواصل وصول السياسيين في العراق إلى طريق مسدود بشأن تشكيل الحكومة ومصير البرلمان، تواصل الفصائل الشيعية المتناحرة في بغداد، احتجاجاتها واعتصاماتها المستمرة منذ أسابيع، والتي تمنع انعقاد جلسات البرلمان.
والأزمة القائمة في العراق منذ إجراء الانتخابات قبل عشرة أشهر، هي أطول فترة تعيشها البلاد بدون حكومة تؤدي كامل المهام، منذ ما يقرب من عقدين مرا على الإطاحة بصدام حسين في الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في عام 2003.
اجتماع الكاظمي
والأربعاء الماضي اجتمع رئيس حكومة تسيير الأعمال مصطفى الكاظمي مع القادة السياسيين ودعا أتباع الصدر إلى المشاركة في حوار وطني.
ودعا أيضا جميع الأطراف إلى الامتناع عن أي تصعيد سياسي، ولم يحضر الصدر الاجتماع، ولم يظهر أتباعه حماسا يذكر للمبادرة، فيما قال رجل دين متحدثا إلى آلاف من أتباع مقتدى الصدر الذين تجمعوا للاحتجاج خارج البرلمان يوم الجمعة، مشيرا إلى المنافسين: “إن الحوارات السياسية التي تعقدونها لأجل مصالحكم السياسية والحزبية ليست لمصلحة البلد والشعب. كل الهم هو بقاؤكم وسلطانكم وليس هما آخر. فإن هذه الحوارات لا قيمة لها عندنا ولا نقيم لها وزنا أبدا”.
وحمل البعض صورا للصدر ووالده الراحل الذي كان رجل دين بارزا أيضا كما أنهم رفعوا أعلام العراق.
ومن جانبهم نظم عشرات من أتباع الإطار التنسيقي احتجاجا خارج المنطقة الخضراء التي تشهد إجراءات تأمين مشددة.
وقال حمدي مالك الباحث المشارك في معهد واشنطن والخبير في شؤون الجماعات الشيعية المسلحة إنه ليست هناك على ما يبدو مؤشرات تذكر على نتائج سريعة، بالرغم من بعض الجهود المبذولة لحل الخلافات. وأضاف أن “الانقسام كبير لدرجة أنني لا أرى أي حل. إمكانية اندلاع الاشتباكات تزيد بالفعل”.
وأصدر البرلمان قانونا عاجلا في حزيران/ يونيو خصص مليارات الدولارات لشراء القمح والأرز والغاز ودفع الأجور، لكن توقف ما عدا ذلك من أعمال الحكومة.
وقالت هناء إدوار وهي ناشطة حقوقية عراقية بارزة إن جميع الفصائل السياسية مسؤولة عن هذا المأزق وإن العراقيين العاديين يدفعون الثمن.
وأضافت أن الغضب يزيد عند الناس، وأن الظروف الاقتصادية تسوء، وأن البطالة في تزايد. ومضت قائلة إن القادة يعقدون الحوارات من أجل توزيع الغنائم على السياسين.
يوميات خيام المعتصمين
ورغم اختلاف المطالب بين اعتصامي التيار الصدري والإطار التنسيقي، فإنها تتشابه يوميات المعتصمين قرب المنطقة الخضراء في بغداد وداخلها: خيم ملونة وقدور كبيرة من الأرزّ والخضار واللحم والماء البارد لمقاومة الحرّ الشديد.
وفي أواخر تموز/ يوليو، توزعت في محيط البرلمان العراقي أعداد كبيرة من الخيم الملونة التي نصبها مناصرو الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر، تعبيرا عن قدرته على تعبئة الشارع وسط نزاع سياسي مع خصومه، فيما المطلب الأساسي للمعتصمين هو حلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
الإطار التنسيقي رد بدوره بأن أقام اعتصاما في محيط المنطقة الخضراء المحصنة حيث توجد المؤسسات الحكومية والمقار الدبلوماسية.
ويقول منظمون من الطرفين لوكالة الانباء الفرنسية، إن التنظيم والدعم اللوجستي للاعتصام تؤمنها المواكب العاشورائية المتجذّرة في التقليد الديني الشيعي في العراق، وهي عبارة عن مواكب متحركة تمولها تبرعات، وتؤمن المأكل والمشرب لزوار عاشوراء ومراسم الأربعين في كربلاء.
من بين هذه المواكب، موكب “أحباب الصدرين”، تيمناً بمقتدى الصدر ووالده محمد الصدر. يقول فاضل رحمن، أحد المشرفين على الموكب الذي يضمّ 25 شخصاً، لفرانس برس: “ننام هنا في الخيم، أحضرنا أوسدتنا من بيوتنا وجئنا”.
ويضيف الرجل الذي ارتدى قميصا أسود وسروال جينز والبالغ من العمر 33 عاما: “نقدّم وجبات رئيسية للمعتصمين، من الفطور إلى الغداء والعشاء. الشاي موجود. والماء البارد. أهم ما في الأمر هو الماء البارد في هذا الحرّ”.
يؤكد الرجل الذي يعمل سائق عربة تكتك، وتبرع من جيبه بـ250 ألف دينار (170 دولارا)، لتمويل الموكب بالطعام، أن وجوده متواصل في هذا الاعتصام إلى “أن نبعد الفاسدين”.
في الخيم يحتمي المعتصمون من الشمس، متمددين على فرش صغيرة. بعضهم حظي بمكيّف متحرّك داخل خيمته، يغذّيه من الكهرباء التي تزوّد البرلمان.
في باحات البرلمان، توزعت أكشاك العصير والقهوة والشاي، وبرادات المياه. ويقوم البعض بذبح المواشي للطبخ. من على أكشاك صغيرة أو طاولات، يوزّع متطوعون الخبز أو الجبنة، وفي بعض الأحيان، توزّع الوجبات الساخنة مباشرة من شاحنات صغيرة.
بالمجمل، يضمّ اعتصام التيار الصدري نحو “70 موكباً” تابعة لمناصري التيار أو لعشائر، كما يقول لفرانس برس أحد المشرفين. ويضيف الرجل الذي فضّل عدم الكشف عن هويته أنهم يقدمون “للمعتصمين المواد الغذائية” التي يحتاجون إليها.
وتقدّر قيمة الأموال التي ينفقها كل موكب يومياً لإطعام المعتصمين بنحو 6 ملايين دينار (حوالي 4 آلاف دولار).. ونحو 100 كلغم من الأرزّ، ومواد أخرى مثل لحم العجل والخراف والفاكهة والمياه”. ويشير مثلاً إلى أن متبرعاً من إقليم كردستان قدّم 12 خروفاً.
أمام الباب الرئيسي للبرلمان، يقف محمد حسين، على شاحنة بيضاء صغيرة، بثياب تلطّخت بمواد الدهان الذي يعمل به، وبالعرق الذي يسيل منه تحت أشعة الشمس الحارقة.
لفّ الرجل البالغ من العمر 33 عاماً رأسه بقميص أسود يحميه من أشعة الشمس، فيما نادى بأعلى صوته على العابرين لتناول الأرزّ واللحم والفاصولياء التي يوزّعها.
يقول محمد لـ فرانس برس: “كل ليلة أجتمع مع أصدقائي، ونقرر نوع الطعام الذي سنقوم بإحضاره في اليوم التالي”.
لا يتجاوز دخل محمد في الأسبوع الـ40 ألف دينار (حوالي 27 دولارا)، لكن أمله في أن يكون هذا الاعتصام انطلاقاً للتغيير دفعه لأن يتبرع وأصدقاؤه بقليل من الأموال لدعم المعتصمين.
ويقول: “كل منا يدفع 15 إلى 20 ألف دينار ونشتري ما نقدر عليه. نقطع الأموال عن أولادنا لنقدم الطعام للمعتصمين”.
ويضيف الرجل الذي لديه ستة أطفال، أنه يفعل كل هذا أملاً في أن “يمحي السيد مقتدى الفاسدين من الوجود، ونستريح”.