“نجوى”.. حكاية أم خطفت صواريخ الاحتلال وحيدها بغزة
نار وغبار ودماء، مشهد نقش في ذاكرة أم فلسطينية، فقدت ولدها الوحيد، بعد سقوط صاروخ إسرائيلي عليه في العدوان الأخير على غزة.
وشرع جيش الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة المحاصر منذ 16 عاما، قبيل عصر الجمعة 5 آب/أغسطس 2022، واستمر نحو 57 ساعة من القصف على الفلسطينيين، وأعلن عن التوصل إلى تهدئة بين حركة الجهاد الإسلامي والاحتلال بوساطة مصرية، دخلت حيز التنفيذ في تمام الساعة 23:30 من مساء الأحد 7 آب/أغسطس.
ضربة قوية
في مساء السبت السادس من آب/أغسطس 2022، ازدحمت سماء قطاع غزة بمختلف أنواع الطائرات الحربية الإسرائيلية، التي كانت تبحث لها عن هدف لتدمره أو مواطن فلسطيني لتنزل على رأسه أطنانا من المتفجرات، حيث أنزلت صواريخها على “خليل” الذي خرج لتوه من منزله إلى الشارع القريب في جباليا لتفقد ما الذي يجري.
“خليل إياد أبو حمادة”؛ وحيد والديه، انتظرت أمه نجوى علي أبو حمادة (46 عاما)، مدة 12 سنة كي تسمع صراخه، حينما خرج إلى الدنيا بعد إجراء 5 عمليات “أطفال أنابيب”، نجحت الأخيرة قبل 19 سنة، لتتغير أحوالها وتتبدل بحسب حديثها إلى “فرح وسعادة”، طفل صغير في البيت ملأ عليها الدنيا، ورضيت به ولم تسع للحصول على أشقاء وشقيقات له.
“أم خليل”، تحدثت بألم شديد عن تفاصيل ما حدث لابنها الوحيد وقالت: “كانت الضربة قوية، اهتز البيت وشعرت أنه سينهار علينا، هرعت إلى الشارع بحثا عن خليل، فوجدت الدمار والغبار ولا أحد يرى أحدا، لكنني عرفت ابني من ملابسه، ووجدت حوله بركة من الدماء، وكان قد فارق الحياة مباشرة بعد إصابته بصاروخ إسرائيلي، ورغم ذلك، صرخت بأعلى صوتي، إسعاف إسعاف أنقذوا ابني”.
ومما زاد حزن الأم التي درست التمريض، أنها من جراء “الصدمة”، لم تتمكن من فحص النبض لابنها، وتابعت: “لم أتمكن من التعامل معه كممرضة أو حتى أن أحاول إسعافه، لقد تعاملت معه كأم”.
قتل الأبرياء
حتى أن ألم “أم خليل” تضاعف أكثر، حينما نادت على زوجها لإحضار سيارته التي يستخدمها أحيانا في إسعاف ونقل بعض الجرحى، لكنه لم يتمكن من نقل ولده الوحيد، لأن سيارتهم تضررت جراء الصاروخ الإسرائيلي الذي قتل “خليل” ودمر المكان بمن فيه، وتقول الأم: “سبحان الله، نسعف الناس في مختلف الأوقات، وحينما احتجنا أن نسعف خليل لم نتمكن من ذلك، لا حول ولا قوة إلا بالله، ربنا يجعل مثواه الجنة”.
وأضافت: “شعوري وقتها لا وصف له، شعرت أنني رجعت كما كنت قبل 20 سنة، وحيدة لا أحد عندي، ليس لدي ولد وأصبحت وحيدة بلا خليل”، منوهة: “استيقظت فجر الليلة الماضية، وجلست أبكي على فراق خليل، لكن زوجي حاول أن يخفف عني”.
وعن اليوم الذي بشرت فيه بنجاح عملية الزراعة، ذكرت “أم خليل” أن “الدنيا لم تسعني من الفرح ولم أصدق ذلك، ويوم الولادة جاء خليل، وكانت فرحة كبيرة، حينها شعرت أنني أم ومثل أي سيدة، شعرت بوجودي وأن الدار نورت بعدما كانت يتيمة”، موضحة أن “خليل جاء بعد استشهاد أمي (خضرة أبو حمادة) بنحو شهرين، في قصف إسرائيلي طال شارع الجلاء في غزة”.
وذكرت “أم خليل”، أنها لم تفكر في السابق في إنجاب المزيد من الأبناء، لكنها بعد فقدان “خليل”، تنوي حاليا إعادة عمل عملية الزراعة (أطفال الأنابيب)، مؤكدة أنها في حال رزقت بمولود جديد ستطلق عليه اسم “خليل”.
واستنكرت الأم الفلسطينية التي قتل جيش الاحتلال وحيدها، الموقف والصمت الدولي حيال “الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطيني الأبرياء”.
إحصائية العدوان
وبدأ العدوان الإسرائيلي الجديد على غزة بشن الاحتلال غارات مكثفة على مختلف المدن الفلسطينية في القطاع، حيث استهدف العديد من المنازل في غزة ورفح وخان يونس، إضافة إلى أماكن مدنية ومواقع للمقاومة الفلسطينية.
وبحسب إحصائية صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، فقد أدى العدوان الإسرائيلي إلى ارتقاء 48 شهيدا؛ بينهم 17 طفلا و4 سيدات، إضافة إلى إصابة 360 آخرين بجروح مختلفة.
وأدى القصف الإسرائيلي الذي استهدف المواطنين الفلسطينيين لارتكاب العديد من المجازر في جباليا شمال القطاع التي أدت إلى استشهاد 6 مواطنين معظمهم أطفال، وفي رفح أدى القصف إلى استشهاد 8 مواطنين بينهم أطفال وقائد لواء الجنوب في “سرايا القدس”، خالد منصور، وفي البريج وسط القطاع، تسبب صاروخ في استشهاد أب وأطفاله الثلاثة.
وتسبب القصف الإسرائيلي العنيف، في تدمير 9 عمارات سكنية، وأضرار لحقت بقرابة 1675 وحدة سكنية منها 18 وحدة تدمرت كليا، و1657 وحدة تضررت جزئيا، ما بين ضرر بليغ ومتوسط، إضافة إلى أضرار أصابت عشرات الدونمات الزراعية ومنشآت صحية وتعليمية وإعلامية ودينية وبنية تحتية، بحسب إحصائية صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
جدير بالذكر، أن طواقم الدفاع المدني في غزة، واجهت صعوبات كبيرة في إنقاذ المدنيين وانتشال جثامين الشهداء، نظرا لتعمد جيش الاحتلال استهداف بعض الأماكن المكتظة بالسكان، إضافة لضعف الإمكانات اللوجستية المتوفرة لدى جهاز الدفاع المدني العامل في القطاع، الذي نفذ أكثر من 124 مهمة أثناء سير العدوان على غزة.